بقلم:حسن كاظم الفتال
آن أوان ارتقاء روح النبي الأكرم محمد المصطفى صلى الله عليه وآله النقية الطاهرة والتحاقها بالرفيق الأعلى . وبما أنه ما كان أن يترك الناس ولا منهجية رسالته العصماء سدى بادر لأن يحصنها ويعضدها فقد حدد معايير ومرتكزات ومحددات وعناصر ضمان ديمومة وابقاء توهج مسارها . وآل على أن يستودعها لخير ما تستودع وتأتمن عنده الودائع .واشار الى ذلك ليرسخها خير ترسيخ ويصوغها مفاتيح لكل المغاليق التي كانت تحتجب وراءها العقول . وقبل الوداع بادر أن يفصح عما أخبره الوحي فما كان منه الا أن أطلق العنان لجلالة نبرات صوته وقدس امتداد صدى وصيته التي طالما كررها وفي موارد ومواطن عديدة حين هتف بهم قائلا : اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي . وحان أوان الفراق وكأن أوانه كان نقطة شروع الى احداث الاختلاف والانقلاب الذي أشار اليه القرآن الكريم : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) ـ آل عمران /144 ثمة اقنعة بدأت بالتساقط لتسفر عن الوجوه العبوسة القاطبة المكفهرة التي لفعتها الخديعة وظهر من أخلف وخالف واختلف وتخلف وانقلب على عقبيه خصوصا ممن تناهى الى علمه خبر الوصية لكنه آثر التجاهل على الاعتراف بصدق الاعتقاد وأنكر ما سمع وما رأى وتقمص الخديعة وبان كذب الاستجابة حيث أنها ما كانت الا لقلقة لسان . وزاغت الأبصار وغاب التعقل عن بعض القلوب وداهمتها النزعات بل ران عليها درنُ وزيغُ المكاسب واختبئ الزهاد خلف أستار الانتظار وترقب ما سيحدث . واعتلى الخراصون قمم الافك لنيل المغانم ليس الا وامتطى المراؤون صهوة النزوات والشهوات لتحقيق المطامع والرغبات وبدأ الافك يلف الواقع وتأجج الاضطراب وانتاب كفةَ المصالح الرجحان وتغلبت سمة الانحياز الحاد الى مناصرة العصبية القبلية واللهاث على تحقيق المصالح وتفضيلها على كل ما سواها وأصبحت سمة الظفر بمواقع التسيد من أولويات الكثيرين ممن يزعمون ويدعون بأنهم أقرب من سواهم للمبادئ والشرائع السماوية .واختلط الحابل بالنابل .وتداخلت الشعارات التي رفعها البعض في الماضي القريب وحُرِفَ منها ما حُرِف وتعذر التمييز بين ما هو صادق وما هو عكس ذلك وصار كل يسوق ليلاه الى ركبه حتى أضحت ممارسة الظلم والجور وكأنها سياق واستراتيجية لابد للحاكم انتهاجَها مما أدى لأن يكون الظلم والجور ديدنهم وعلامة فارقة للسلطات المتعاقبة. وضاق الذرع بالرعية وتلمظت ما هو أَمَرُ من المر وطفح الكيل وبلغ السيلُ الزبى وتوسعت رقعة الفساد حتى قاربت أن لا تبقي للصلاح مساحة وعاد الى الأذهان استذكار ظاهر منطوق الآية الكريمة : (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) ـ الأحزاب /10 حان موعد الاستنصار والاستغاثة بمن هو أهلٌ لأن يكون المنقذَ والمعين والمحامي وهل خيرٌ من سليل العترة النبوية وريحانة منقذ البشرية لأن يكون المنقذَ والمحامي والمُخَلِّص .انه الحسين عليه السلام وسرعان ما تمت الاستغاثة به صلوات الله عليه . وكان خير مجيب ومغيث وملبٍ للاستنصار . وبما أن الكثير من الأحداث والوقائع غالبا ما تحتم أن تتغلب الكثرة على القلة حتى حين تحمل الكثرة راية الباطل وترفع القلة راية الحق بكل صدق واخلاص ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) ـ المؤمنون / 70 فلم يظفر الحق بناصر بل رجحت كفة الباطل فاغتيل المغيث الملبي نداء المستغيثين حين عز له المناصر والمعين له واستشهد سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسيد شباب أهل الجنة وسيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام . ليُصلحَ بدمه الزكي الطاهر فساد الامة وبخط لها مسار الاصلاح . وبما ان الأمم والشعوب ومعظم المجتمعات تستأنس وتستمتع وتتشرف بتخليد وتمجيد قادتها وأئمتها ورموزها خصوصا ممن يلتصق به جوهر العقيدة وخلاصة القيم والمبادئ . لذا فان ايسر وأبسط وأدنى ما تقدم له أن تشيد له مرقدا ومزارا ومسجدا متخذا. لذا تعين على الموالين لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله أن يؤسسوا صرحا لابن خير خلق الله الحسين بن علي عليهما السلام . وهذا ما أخبرت به عقيلة الطالبيين الحوراء زينب عليها السلام حين حدثت ابن أخيها السجاد عليهما السلام حول ذلك . لذا تأسس المرقد وراحت تتعاقب المراحل في تشييده بتعاقب الأجيال ومثلما تم به التعمير فقد تعرض للتدمير . وجرت المحاولات لإزاحة هذا النور عن مسار امتداده ولكن ارادة الله جل وعلا شاءت لن يكون هذا الصرح يتجانس لصف بريقه مع توهج نور السَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ويتحد نوره مع منازل الشمس والقمر . ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ) ـ الفرقان / 61