حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ من نافلة القول إن داعش هو آخر فصول المشروع الإقليمي / الدولي لتدمير العراق وتخريب تجربته الديمقراطية بعد أن فشلت كل المحاولات في ذلك والتي ابتدأت غداة التغيير النيساني الذي أفضى إلى نشوء أول تجربة سياسية ديمقراطية حقيقية التي كانت غير مرحب بها على المستوى الإقليمي والإطار الجغرافي الذي يحيط بالعراق. وقد كانت الأعمال الإرهابية الممنهجة التي بدأها تنظيم القاعدة الإرهابي منذ 2003، وتجييش الحواضن لاستقبال الإرهابيين الأجانب وتفتيت اللحمة الوطنية وإحياء النعرة الطائفية والقومانية الشوفينية لشق الصف الوطني ، ودق إسفين الخلافات المجتمعية لتفتيت النسيج المجتمعي العراقي وزرع بذور الشقاق السياسي بين المكونات السياسية وعلى أسس حزبوية وطائفية واثنية ، كل ذلك كان بداية هذا المشروع التدميري / التخريبي ومقدمة دراماتيكية لظهور داعش على ارض العراق وسقوط أكثر من ثلث العراق فداعش لم يظهر من فراغ. وكانت نظرية استقطاب " المجاهدين" من كافة أصقاع العالم ليكونوا بؤرة "جهادية" مركزها العراق ليسهل اصطيادها والقضاء عليها من أسوأ فصول نظرية الاحتواء المزدوج التي ابتكرها هنري كيسنجر المعدة لتفكيك التنظيمات او الدول التي تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي، لكن الأمر انفلت من عِقاله وأدى إلى أن تتغول القاعدة وتستنسخ نفسها بتنظيمات أكثر إرهابا وتوحشا وقد يشهد المستقبل المنظور مستنسخات عن داعش (القاعدية) أكثر توحشا وإرهابا بعد أن ينتفي الهدف من وجود داعش او يعد هذا التنظيم القروسطي غير ملائم للمرحلة التي أسس لأجلها ويستدعي إنشاء تنظيم آخر يتوالد من رحم داعش يتواشج مع المرحلة المقبلة وفق سيناريوهات سيا / طائفية مرعبة ولمستقبل أكثر ظلاما وتوحشا، ما دامت المراكز والبؤر التي أنتجت القاعدة من قبل وداعش فيما بعد، موجودة ومادامت الماكنة الإعلامية والفتوائية الضخمة لأمراء البترودولار في الخليج مستمرة في الضخ ومادام المجتمع الدولي غير جاد حتى هذه اللحظة بتجفيف تلك المنابع التي تعد من الناحية الفكرية المستنقعات الآسنة لإنتاج الفكر الظلامي والقروسطي /التكفيري / الاقصائي / الوهابي وهو الفكر الذي يتسلح به عناصر التنظيمات الإرهابية كداعش وغيره، ويعد العمود الفقري لمتبنياتهم ومنطلقاتهم النظرية والعقائدية، ولهذا فان الحديث عن ما بعد الموصل لن يكون ترفا فكريا في مجال التنظير السياسي الإستراتيجي، إذ تؤكد جميع المعطيات الميدانية أن داعش يلفظ آخر أنفاسه في العراق وان كان على المجتمع الدولي أن يتكاتف مع المعنيين بمحاربة داعش (العراق وسوريا) بالقضاء على آخر فلوله بالامتداد من الموصل ـ بعد تحريرها ـ إلى الأراضي السورية لاسيما في الرقة وحلب وذلك لتنظيف الشرق الأوسط نهائيا من داعش الذي بدأ يعُد العدة لإنشاء دولته في شمال إفريقيا على اثر خساراته الموجعة في الشرق الأوسط وتلقيه عدة صدمات لم يكن يتوقعها كانت فتوى الجهاد الكفائي في الدفاع عن العراق ومقدساته أولها والتي قلبت جميع الموازين لصالح العراق يضاف إليها تلاحم جميع العراقيين مع قيادتهم في الذود عن الوطن، وهو ما جعل د. العبادي يطلق ساعة الصفر لتحرير الموصل بنبرة ملؤها الثقة والتحدي إذ أعلنها مدوية (سنقطع رأس الأفعى) في إشارة منه الى داعش في التعجيل بنهايته في العراق نهاية حتمية وحاسمة . ومابعد تحرير الموصل يجب تهيئة جميع الأجواء السياسية والمجتمعية والفكرية في العراق لعدم تكرار تجربة داعش الذي استغل الفوضى السياسية والتشرذم المكوناتي وضعف الأجهزة الأمنية المخترقة أساسا وتخلخل النسيج المجتمعي المتراص على أسس طائفية. ويجب تهيئة المناطق التي كانت محتلة من قبل داعش وإعادة تأهيلها فكريا ونفسيا وعقائديا تزامنا مع تأهيل البنى التحتية فيها وعدم تحول الكثير من سكانها إلى خلايا نائمة تمهد إلى عودة داعش الى الموصل مرة اخرى او أي تنظيم إرهابي قد يظهر في المستقبل، وخاصة تلك التي كانت تشكل الكثير منها خطوط إمداد ومعابر تربط داعش بالحواضن المجاورة في صلاح الدين والانبار ومنها الى الأراضي السورية التي تعد الامتداد الجغرافي/ عقائدي لداعش، كون داعش لن يختفي او يتبخر كلية فهو موجود على رقعة كبيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وله امتدادات أخطبوطية عالمية واسعة لذا يجب كبرنامج مستقبلي لما بعد التحرير استئصال الفكر والايدولوجيا الداعشية ليس كمناهج فكرية وفقهية من حواضن ونفوس من تأثر بهما فقط ومن احتمالية انبعاث هذا الفكر ونمو هذه الايدولوجيا من جديد، ويجب إعادة الثقة بالعملية السياسية في نفوس هؤلاء والتي ظلت محل ريبة وشك وعدم التفاعل معها وإرجاع ثقة الناس الذين تعرضوا الى الاحتلال الداعشي بأنفسهم أولا وباللحمة الوطنية الى سابق عهدها ونزع الترسبات الداعشية من نفوسهم وطي صفحة داعش المأساوية الى الابد. رغم أن المعطيات التي تشير إلى أن النصر النهائي على داعش في معركة الموصل الإستراتيجية الحاسمة قد اقترب إلا أنها وكمؤشر مستقبلي تشير إلى أن المعركة ضد داعش هي ليست معركة ميدانية فقط قد تنتهي باندحار داعش وطرده من الأراضي العراقية فهي معركة أيدلوجية وعقائدية وإعلامية ونفسية ايضا. وميدانيا وكعمل احترازي بعد مسك الأرض يجب غلق الحدود مع سوريا، أو تكون تحت الرصد المكثف من قبل القوة الجوية، عبر طلعات مستمرة، ودك الأرتال الداعشية الهاربة نحو الرقة، كي لا يهرب مقاتلو داعش وخصوصا الأجانب، أو لمنع أي دعم لدواعش الموصل من دواعش سوريا، ويمكن الاستعانة بالتحالف الدولي ليشكل عونا مهما للقوة الجوية العراقية، عودة داعش الى سوريا يعني سيكون أمامنا حرب استنزاف طويلة الأمد قد تستمر إلى ما لانهاية. كما يجب على الساسة العراقيين أن يعوا درس الموصل ويتعظوا من التكالب الدولي والإقليمي حولها لأهميتها الجيو إستراتيجية والاقتصادية الكبيرة ويجب على أصحاب القرار أن يعيدوا النظر بعلاقات العراق الخارجية وخاصة مع الدول التي وقفت موقفا سلبيا مع العراق كالسعودية وقطر وتركيا، وترميم العلاقات الخارجية مع الدول التي ساندت أو وقفت مع العراق في حربه ضد الإرهاب والاهم من كل ذلك يجب إعادة ترتيب البيت الداخلي العراقي. فهل سيعي سياسيونا هذا الدرس أم.... ؟ . كاتب عراقي