بقلم: حيدر عاشور
الفاشل يتصوّر دائماً إن الدنيا تتآمر عليه، وهو عادة يرى عيوب الناس، ويبالغ في انتقادها، وهو يحاول دائماً تبرير فشله باتهام الناجحين على أنهم اتبعوا طرقاً غير شريفة للوصول إلى ما هم عليه من نجاح. والمرض عادة يحطّم أعصاب المريض، ويؤثر على منطقه واتزانه. لهذا فهو يعتد أن الشخص الذي أمامه يستغل ضعفه، ويحاول أن يفرض عليه رأيه. واذكر دائماً إن غرور الجاهل لا حدودَ له!.. وهذا الغرور يعمي بصيرته ويهز عقله، ويسد أذنيه؛ إذ هو يعدّ نفسه أذكى من الشخص الذي أمامه. ويعتقد إن من الرجولة، وحفظ كرامته أن يتمسك برأيه الخاطئ، ويتوهم أنّ الضعيف هو الذي يقتنع برأي غيره!.
من خلال التجربة في الحياة نجد الجاهل يحاول عادة أن يقنعك بزعيق حنجرته لا بمنطقه وحججه انه يتصور إن الصراخ يغلب المنطق، وان الحناجر القوية قادرة على تحويل الضلالة إلى صواب، والأكاذيب إلى حقائق، ويضع الموانع أمام الناجح والمتميز، وهو يراوح بمحله لا يتقدم خطوة بل يتراجع خطوات.
هنا علينا أن لا نحاسب الجاهل بعقلية المتعلم، ولا الفاشل بعقلية الناجح، ولا المريض بعقلية المعافى، فالحمقى والجهلاء وأحكامهم الظالمة وتصرفاتهم المثيرة، عندما تتركهم يثرثرون من دون أن تبرّر حماقاتهم وأحكامهم وإطلاقاتهم المجانية والجائرة فأنك ستعيش حلاوة الدنيا وراحة البال.. أما الذين يشغلون أنفسهم بمحاسبة الآخرين فلا ينامون الليل؛ لأن عملية الحساب تطرد النوم من العيون وتحيل هدوء الليل إلى صراخ وضجيج وأضغاث أحلام. مثل هذه الأمراض المترسّبة في نفوس الواهمين بأنهم أصحاء نقرأ عنها يومياً في الصحف وبعض الكتب، والكثير من المجلات الثقافية، ونراهم من خلال الشاشات، ونسمعهم مجبورين وهم يتحاورون بمنطق الأنا.. إلى آخره من الكلام.
ونذكّرهم إن نفعت الذكرى أن يراجعوا أنفسهم ليكونوا قدوةً ومن إبداعهم مدرسة يرسو بمرساها المبدعون الجدد والذين فاقوهم إبداعاً وأن يعترفوا بهم، في زمن فاق (الصانع) الأستاذ، وليتذكروا إنّ كبار المبدعين صنعوا لأنفسهم مجداً وتاريخاً من خلال تلاميذهم الذين فاقوهم إبداعاً وأصبحت لهم مدرسة مستمرة في الحياة.. فالحياة مدرسة.