بقلم: رعد العراقي
كان نهائي مونديال قطر حدثاً تأريخيّاً مهمّاً نجحت فيه الدولة الشقيقة بامتياز في إبهار العالم بالقدرة التنظيميّة والتطوّر العُمراني، وحداثة الحياة العربيّة في تضييف أكبر محفل كروي دولي، وسط أجواء آمنة واجراءات سلِسَلة وحفاوة عربيّة لا مثيل لها بالضيافة والتعايش السلمي بين كلّ مكوّنات الشعوب الحاضِرة والمؤازرة.
دروس مونديالنا العربي، تجسّدتْ بشكل فاعل أمام أنظار ومسامِع كبار الشخصيّات السياسيّة ممّن مثّلوا بلدانهم بالحضور في نهائي البطولة بين الأرجنتين وفرنسا، وكان العراق حاضراً رسميّاً بتواجد رئيس الوزراء ورئيس البرلمان ورئيس إقليم كردستان ورئيس مجلس القضاء الأعلى كممثلين رسميين للقيادة تدلّ على مساندة ومباركة الحكومة والشعب العراقي لدولة قطر نجاحها في تنظيم أفضل مونديال على الاطلاق.
الدروس تبدأ عند هبوط الطائرة بأكبر وأحدث مطار دولي استوعب ملايين المشجّعين من مختلف دول العالم وسط اجراءات ميسّرة ودقيقة، لتبدأ من بعدها رحلة الابداع في مشاهدة الدوحة التي تحوّلت من صحراء قاحلة الى مدينة متطوّرة بشوارعها الخضراء الواسعة، والبناء المُذهل وخطوط المواصلات الحديثة حيث تشعر بأنك في عالم آخر، وتتيقّن بأن الأموال حين تُنفق بشكل صحيح مع توفّر الإرادة الوطنية فإنها يمكن أن تصنع لك مُدناً تليق أن يعيش فيها شعب تسعى حكومته الى إسعاده ومنحه إنسانيّته الحقّة.
بالتأكيد العِبر والدروس لا تنتهي هنا، بل أنها تتجسّد أكثر في صورة ملعب لوسيل وتفاصيل أحداث ما جرى حين اجتمع كلّ العالم وشهد مافعلته الرياضة ببلد ذي مساحة صغيرة وعزيمة كبيرة تحوّل الى بلد يُضاهي دول العالم المتطوّرة، وأصبح اسمه يتردّد على كلّ ألسنة شعوب العالم، ولن يُمحى من الذاكرة.
الجميع أشاد وهنّأ ومنح قطر وحكومتها وسام الريادة إعجابا وفخراً، وهو أمر لا يمكن أن يحدث بتلك السرعة والكيفيّة مهما نجحت وقدّمت بمفاصل السياسة أو المجالات الاجتماعيّة الأخرى بعد أن ثبت أن الرياضة هي رسالة سلام تنقّي النوايا، وتمنح الأمل بالحياة مثلما هي منهاج للبناء والتطوّر والتعايش السلمي.
منظر مهيب لجماهير قدّمت لدعم منتخب بلادها برغم بُعد المسافات وتحمّلت المتاعب وأنفقت الأموال حُبّاً لأوطانها، ولاعبين قدّموا جهوداً جبّارة، وقاتلوا حتى الرمق الأخير من المباراة، ثم ذرفوا الدموع فرَحاً أو حُزنا في صورة تعبّر عن عُمق الانتماء الوطني والحرص على إعلاء شأن البلد.
قد تكون تلك المشاهد كافية لتؤكد أن ما يمنحه الوطن وقيادته لأبنائه يزيد من التشبّث بحبّه والحرص على رفع رايته عالياً.
هكذا كانت مشاعر القطريين باستضافة بلدهم للمونديال، وهكذا كانت مشاعر جماهير كلّ المنتخبات المشاركة التي لخّصتها أخيراً دموع لاعبي وجماهير الأرجنتين التي ظفرت باللقب، مقابل دموع الحسرة والمرارة للاعبي فرنسا وجماهيرها حُزناً على فقدانه!
باختصار .. نأمل أن الشخصيات العراقية التي حضرت ختام كأس العالم دوّنت في ذاكرتها تلك المشاهد الرائعة لتكون منهاجاً لها لدراسة التجربة القطريّة وإيجاد ما هو أفضل منها لتغيير وجه البلد ووضعه على سكّة الحداثة والتطوّر، والابتعاد عن الحلول الترقيعيّة، ولعلّ التفكير بتضييف بطولات وأحداث كبيرة رياضيّة بشكل متدرّج ومدروس يمكن أن يُساعد على تسريع وتيرة البناء والخدمات ويمنح البلد مساحة من الأمان والتفكير بالحياة، ويدفع الشباب نحو المساهمة في إعادة الوطن لمكانتهِ الحقيقيّة، عندها سنجدُ أن العالم كلّه سيكون حاضراً وشاهداً لتجربة العراق الحضاريّة وسنكون هذه المرّة نحن اصحاب الضيافة، لا أن نبقى ضيوفاً في كلّ مناسبة!
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!