- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بعض الجوانب المشرقة من حياة أمير المؤمنين / الجزء السابع
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي إخبار الصحابة أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنس بن مالك أن يجمع الصحابة ليُعلِن عليهم نبأ تزويج فاطمة للإمام علي(عليهما السلام). فلمّا اجتمعوا قال(صلى الله عليه وآله) لهم: «إنّ الله تعالى أمَرَني أن أزوِّجَ فاطمة بنت خديجة من علي بن أبي طالب».(1) خطبة النبي(صلى الله عليه وآله) عند تزويجهما(عليهما السلام) قال: «الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيّه محمّد. ثمّ إنّ الله جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمراً مفترضاً، وشجّ بها الأرحام، وَهُوَ الّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء وألزمها الأنام، فقال تبارك اسمه، وتعالى جده: (بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً). ثمّ إنّ الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي، وإنّي أشهد أنّي قد زوّجتها إيّاه على أربعمائة مثقال فضّة، أرضيتَ»؟(2) قال(عليه السلام): «قد رضيت يا رسول الله»، ثمّ خرّ ساجداً، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «بارك الله عليكما، وبارك فيكما، واسعد جدّكما، وجمع بينكما، وأخرج منكما الكثير الطيّب».(3) خطبة الإمام علي(عليه السلام) عند تزويجه بفاطمة(عليها السلام) قال: «الحمد لله الذي قرّب حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنّة من يتّقيه، وأنذر بالنار من يعصيه، نحمده على قديم إحسانه وأياديه، حمد من يعلم أنّه خالقه وباريه، ومميته ومحييه، ومسائله عن مساويه، ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونستكفيه. ونشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، شهادة تبلغه وترضيه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله(صلى الله عليه وآله) صلاة تزلفه وتحظيه، وترفعه وتصطفيه، والنكاح ممّا أمر الله به ويرضيه، واجتماعنا ممّا قدرّه الله وأذن فيه، وهذا رسول الله(صلى الله عليه وآله) زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم، وقد رضيت، فاسألوه واشهدوا».(4) قدر مهر الزهراء(عليها السلام) اختلفت الروايات في قدر مهر الزهراء(عليها السلام)، والمشهور أنّه كان خمسمائة درهم من الفضّة؛ لأنّه مهر السنّة، كما ثبت ذلك من طريق أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، والخمسمائة درهم تساوي 250 مثقالاً من الفضّة تقريباً. تقسيم مهر الزهراء(عليها السلام) جاء الإمام علي(عليه السلام) بالدراهم ـ مهر الزهراء ـ فوضعها بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فأمر(صلى الله عليه وآله) أن يجعل ثلثها في الطيب، وثلثها في الثياب، وقبض قبضة كانت ثلاثة وستين لمتاع البيت، ودفع الباقي إلى أُمّ سلمة، فقال: «أبقيه عندك». وليمة العرس قال الإمام علي(عليه السلام): «قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا علي، اصنع لأهلك طعاماً فاضلاً، ثمّ قال: من عندنا اللحم والخبز، وعليك التمر والسمن. فاشتريت تمراً وسمناً، فحسر رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن ذراعه، وجعل يشدخ التمر في السمن حتّى اتّخذه خبيصاً، وبعث إلينا كبشاً سميناً فذُبح، وخبز لنا خبزاً كثيراً. ثمّ قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): اُدع من أحببت. فأتيت المسجد وهو مشحن بالصحابة، فاستحييت أن أشخص قوماً وأدع قوماً، ثمّ صعدت على ربوة هناك وناديت: أجيبوا إلى وليمة فاطمة، فأقبل الناس أرسالاً، فاستحييت من كثرة الناس وقلّة الطعام، فعلم رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما تداخلني، فقال: يا علي، إنّي سأدعو الله بالبركة». قال علي(عليه السلام): «وأكل القوم عن آخرهم طعامي، وشربوا شرابي، ودعوا لي بالبركة، وصدروا وهم أكثر من أربعة آلاف رجل، ولم ينقص من الطعام شيء، ثمّ دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالصحاف فملئت، ووجّه بها إلى منازل أزواجه، ثمّ أخذ صحفة وجعل فيها طعاماً، وقال: هذا لفاطمة وبعلها».(5) كيفية الزفاف لمّا كانت ليلة الزفاف، أتى(صلى الله عليه وآله) ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة وقال لفاطمة(عليها السلام): «اركبي»، فأركبها وأمر سلمان أن يقود بها إلى بيتها، وأمر بنات عبد المطّلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة، وأن يفرحن ويرزجن ويكبّرن ويحمدن، ولا يقلن ما لا يرضي الله تعالى.(6) ثمّ إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) أخذ علياً(عليه السلام) بيمينه وفاطمة(عليها السلام) بشماله، وضمّهما إلى صدره، فقبّل بين أعينهما، وأخذ بيد فاطمة فوضعها في يد علي، وقال: «بارك الله لكَ في ابنة رسول الله». وقال(صلى الله عليه وآله): «يا علي، نعم الزوجة زوجتك»، وقال: «يا فاطمة، نعم البعل بعلك»، ثمّ قال لهما: «اذهبا إلى بيتكما، جمع الله بينكما وأصلح بالكما»، وقام يمشي بينهما حتّى أدخلهما بيتهما.(7) ثمّ أمر(صلى الله عليه وآله) النساء بالخروج، فخرجن. تقول أسماء بنت عُميس: فبقيت في البيت، فلمّا أراد(صلى الله عليه وآله) الخروج رأى سوادي فقال: «من أنتِ»؟ فقلت: أسماء بنت عُميس، قال: «ألم آمرك أن تخرجي»؟ قلت: بلى يا رسول الله، وما قصدت خلافك، ولكن أعطيت خديجة عهداً. ثمّ حدّثته بما جرى عند وفاة السيّدة خديجة(عليها السلام)، فبكى(صلى الله عليه وآله) وأجاز لها البقاء.(8) قال الإمام الصادق(عليه السلام): «لولا أنّ الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على الأرض».(9) ولنأخذ ملاحظاتنا ودروسنا من هذه الدروس وهي كما يلي: 1 ـ صحيح أنّ هذا الزواج قد عُقد في السماء ويجب أن يتم، إلاّ أنّ احترام حرية المرأة في اختيار زوجها عموماً، وشخصية فاطمة (عليها السلام) خصوصاً تُحتّم على الرسول (صلّى الله عليه وآله)، أن يتشاور مع فاطمة(عليها السلام) في هذا الأمر قبل البتّ فيه. بعدها ذهب النبّي (صلّى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) وقال لها: «إنّ علي بن أبي طالب ممّن قد عرفتِ قرابته وفضله في الإسلام، وإنّي سألت ربّي أن يزوّجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً، فما ترين؟» فسكتت، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول: « الله أكبر! سكوتها إقرارها» بعدها تمّ عقد القران بواسطة الرسول (صلّى الله عليه وآله). 2 ـ مقدار مهر فاطمة: والآن، لنرى ما هو مهر فاطمة ؟ ممّا لا شك فيه أنّ زواج أفضل رجال العالم بسيدة نساء العالم وابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يجب أن يكون مثلاً رائعاً، مثالاً لكلَّ العصور والأزمنة ؛ لذا توجه الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالقول: (يا أبا الحسن فهل معك شيء أزوّجك به ؟) فقال علي (عليه السلام): «فداك أبي وأمي والله ما يخفى عليك من أمري شيء، أَملك سيفي، درعي، وناضحي، وما أملك شيئاً غير هذا ». فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): « يا علي، أمّا سيفك فلا غنى بك عنه، تجاهد به في سبيل الله، وتقاتل به أعداء الله، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك، وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكنّي قد زوّجتك بالدرع ورضيت بها منك ». (12) ونقرأ في رواية أخرى أنّ الزهراء (عليها السلام) طلبت من أبيها (عليه السلام)، أن يكون مهرها الشفاعة في المذنبين من أمّة محمد (صلّى الله عليه وآله)، فنزل جبرئيل (عليه السلام) على الرسول (عليه السلام) مخبراً بتلبية الله سبحانه وتعالى لطلب فاطمة (عليه السلام).(13) 3 ـ من الواضح أنّ جهاز العرس الذي يُهيّأ بهذا القدر من المال، لا بدَّ أن يكون بسيطاً رخيص الثمن. وقد ذكرت كتب التاريخ أنّ جهاز سيدة نساء العالمين قد تكوَّن من ثمانية عشر نوعاً من الحاجيات، كلّها من ذلك المال، ونذكر هنا أهمّها: قطيفة سوداء خيبرية. قميص بسبعة دراهم سرير مزمّل بشريط أربع مرافق من أُدم الطائف، حشوها أذخر.(10) ستر من صوف حصير هجير رحى يدوية سقاء من أدم مخضب من نحاس قعب للبن وشن للماء جرّة خضراء... وأمثال ذلك.(11) فأي جهاز بسيط كان جهاز فاطمة (ع) وبهذه الدراهم المعدودة لكي توضح للجميع معنى الزهد والأنقطاع عن ملذات الدنيا والتبتل إلى الله سبحانه وتعالى والتوجه أليه. وحملت جهاز الزواج ببساطته إلى الرسول(ص)،فلما عرض عليه جعلّ يقلبه بيده ويقول: ((بارك الله لأهل البيت، وفي رواية أخرى: اللهم بارك لقوم جلّ آنيتهم من الخزف)). نعم هكذا كان جهاز سيدة نساء العالمين. ولهذا كانت يجب أن تضع كل القيم الخاطئة من ارتفاع المهور والإسراف لتحل محلها القيم الصحيحة لأعظم زواج على وجه الأرض بزواج سيدة نساء العالمين من أفضل الرجال بعد نبينا الأكرم وهكذا تكون سيرة الشخصيات العظيمة من ذوي الأعراف والدين وهذه هي سيرة القادة الحقيقيين الذين نذروا لعبادة الله والعمل بشرائعه وتعاليمه ولتبقى خالدة في عقول الأجيال جيلاً بعد أخر. ولتعطي درس في ومثال عالي القيم ولتسحق بهذه القيم السامية لهذا الزواج المبارك كل قيم الجاهلية وموروثاتها العفنة والتي ومع الأسف الشديد لازال الكثير يحمل ترسباتها البالية وفي الكثير من الممارسات والتصرفات ومنها تقاليد الزواج. وفي الأخير ولأذكر هذه الحادثة والتي تبين عظمة الزهراء روحي لها الفداء والتي في زواجها اشترى لها أبوها (ص) ثوب جديد لأنه كان ثوبها قديم وهذه حياة الزهد التي كان يعيشونها أهل بيت النبوة والذين كانوا مفاتيح الخزائن والأرض بأيديهم ولكن استبدلوها بحياة الزهد تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى وعند الزفاف وجدها الرسول بنفس ثوبها القديم فسألها عن ثوبها الجديد عند ذلك قالت له أن امرأة من المسلمين زوجت أبنتها وهي فقيرة فأهديتها ثوبي الجديد فأي إيثار وأي دروس وأي جامعة راقية نتعلم من هذه السيرة العطرة لسيدة نساء أهل الجنة والعالمين والتي فاقت كل ما موجود حالياً من بحوث ودراسات ونقاشات في أعظم الجامعات حول السلوك التربوي في هذا المجال. 4 ـ أن رفض النبي الأكرم محمد (ص) لكل المتقدمين لهو خير دليل على أن زواج فاطمة كان مرهون بأمر من الله تبارك وتعالى والذي في روايات أخرى أن الله أمر نبينا الأكرم وعلى لسان جبراائيل بقوله ((أن الله يقرئك السلام ويأمرك أن تزوج النور من النورة))ولهذا كان كل أهل المدينة تتداول زواج فاطمة ورفضها من قبلها ومن قبل النبي(ص) لمن تقدم لها وفجأة اذيع أن الرسول الأعظم لن يزوجها إلا من علي بن أبي طالب(ع). والأمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي خلت يده من المال، ومن كلِّ ثروة دنيوية، ولم يكن يتحلى بأيٍّ من الميزات التي تُقيم لها الجاهلية وزناً، لكنّه كان يتمتع بإيمان وقيم إسلامية أصلية، تملأ كيانه من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه. غزواته مع الرسول: تعتبر هجرة الرسول هي بداية عهد جديد للنبي محمد(ص) في تأسيس الدولة الإسلامية وفي نشر مفاهيمه على العالم وبذلك كانت متنفساً له في نشر الدعوة الإسلامية لتصبح دعوة إنسانية لكل البشر. أما قريش فلم يعجبها هذا الأمر وبدأت التحرك لإرهاب المسلمين والتحرش بهم ومحاولة الاقتتال معهم في سبيل محاربتهم والقضاء عليهم وكان من الطبيعي أن لا يقف النبي الأعظم محمد(ص) من هذه التحركات موقف الضعيف المتخاذل لأنه لم يجيء أمر لله سبحانه وتعالى بالقتال ومحاربة المشركين ولهذا كان يرسل السرايا والطلائع للرد عليهم وكان يرد عليهم أو لقطع الطريق على تجارتهم.. وظلَّ على تلك الحال حتَّى أمر الله سبحانه وتعالى نبيَّه صلى الله عليه وآلهوسلم بقتال المشركين، وليكون لهم بالمرصاد، فكانت حروب وغزوات كثيرة، بلغت في حياة النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نحو ثمانين غزوة، وليس في كلِّها كانت تقع حروب أو مناوشات، لأنَّ الكثير منها كان عبارة عن سرايا استطلاعية يبعثها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أطراف المدينة أو بعض النواحي التي يحتمل تسلُّل الأعداء منها. وكان عدد الغزوات التي خرج فيها الرسول بنفسه ٢٧ غزوة، وقع القتال في ٩ منها، وهذه الغزوات هي التي اشتهرت في تاريخ الإسلام دون سواها. وفي كلِّ الغزوات التي خـرج فيها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان عليٌّ عليه السلام معه لم يفارقه في واحدة، الا في غزوة تبوك، لأمر أراده الله ورسوله، سيأتي تفصيله في محلِّه، وفي كلِّ تلك الغزوات كان لواء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد عليٍّ عليهالسلام.(12) فلنقف بإيجاز على بعض مواقف وأدوار الإمام عليٍّ عليهالسلام في الغزوات والحروب: غزوة بدر الكبرى: وهي أول معركة يحارب فيها الإمام عليٌّ عليه السلام كما أنَّ معركة بدر هي أول حروب نبيُّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وبدر اسم بئر كانت لرجل يدعى بدراً، وتقع في مكان بين مكَّة والمدينة وتبعد عنها ١٦٠ كم على التقريب(13).وكانت هذه الوقعة يوم الجمعة، لثلاث عشرة بقين من شهر رمضان (14)، أي في السابع عشر منه السنة الثانية من الهجرة وجاء في سبب هذه الغـزوة: أنَّ أبا سفيان قدم من الشام بقافلة قريش، تحمل أموالاً طائلة، فخرج الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ليقطع الطريق عليها رداً على تحدِّياتها وتحرُّشاتها التي كانت تقوم بها بين الفينة والأُخرى، وشاءت الأقدار أن يعرف أبو سفيان بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فغيَّر طريق القافلة ونجا بها، وأرسل إلى قريش يعلمها بالأمر.. فاستبشرت لقتال محمَّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وخرجت بجيش قوامه ألف رجل ـ على أصحِّ التقادير ـ وأخرجوا معهم القيان والدفوف، وبلغت النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبارها واستعدادها للقتال، فاستشار أصحابه في الأمر وأحبَّ أن يكونوا على بصيرة من أمرهم ووقف المقداد فقال: يا رسول الله امضِ لأمر الله فنحن معك، ولا نقول لك، كما قالت بنو اسرائيل لموسى: (فَاذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلأ إنَّا هَا هُنَا قَاعِدُون)، بل نقول لك: اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنَّا معكم مقاتلون، والذي بعثك بالحقِّ لو سرت بنا إلى برك الغماد(15) لسرنا معك، فدعا له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومضى نبيُّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في طريقه إلى بدر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وقيل بأقل من ذلك، منهم من المهاجرين واحد وثمانون، ومن الأنصار مائتان واثنان وثلاثون رجلاً.(16) وكان المشركين حضروا بدرا مصرّين على القتال، مستظهرين فيه بكثرة الأموال، والعدد والعدّة والرجال، والمسلمون إذ ذاك نفر قليل عددهم هناك، حضرته طوائف منهم بغير اختيار، وشهدته على الكره منها له والاضطرار، فتحدّتهم قريش بالبراز ودعتهم إلى المصافّة والنزال، واقترحت في اللقاء منهم الأكفاء، وتطاولت الأنصار لمبارزتهم فمنعهم النبي صلّى اللّه عليه وآله من ذلك، وقال لهم: "إنّ القوم دعوا الأكفاء منهم" ثمّ أمر علياً أمير المؤمنين عليه السلام بالبروز إليهم، ودعا حمزة بن عبد المطّلب وعبيدة بن الحارث - رضي اللّه عنهما- أن يبرزا معه. فلمّا اصطفّوا لهم لم يثبتهم القوم، لأنهم كانوا قد تغفروا فسألوهم: من أنتم، فانتسبوا لهم، فقالوا: أكفاء كرام. ونشبت الحرب بينهم، وبارز الوليد أمير المؤمنين عليه السلام فلم يلبّثه حتّى قتله، وبارز عتبة حمزة رضي اللّه عنه فقتله حمزة، وبارز شيبة عبيدة ـ رحمه الله - فاختلفت بينهما ضربتان، قطعت إحداهما فخذ عبيدة، فاستنقذه أمير المؤمنين عليه السلام بضربة بدر بها شيبة فقتله، وشركه في ذلك حمزة رضوان اللّه عليه فكان قتل هؤلاء الثلاثة أوّل وهن لحق المشركين، وذلٍّ دخل عليهم، ورهبة اعتراهم بها الرعب من المسلمين، وظهر بذلك أمارات نصر المسلمين. ثمّ بارز أمير المؤمنين عليه السلام العاص بن سعيد بن العاص، بعد أن أحجم عنه من سواه فلم يلبّثه أن قتله. وبرز إليه حنظلة ابن أبي سفيان فقتله، وبرز بعده طعيمة بن عديّ فقتله، وقتل بعده نوفل بن خويلد - وكان من شياطين قريش - ولم يزل عليه السلام يقتل واحداً منهم بعد واحد، حتى أتى على شطر المقتولين منهم، وكانوا سبعين قتيلاً تولّى كافّة من حضر بدراً من المؤمنين مع ثلاثة آلاف من الملائكة المسوّمين قتل الشطر منهم، ّوتولّى أمير المؤمنين قتل الشطر الآخر وحده، بمعونة الله له وتوفيقه وتاييده ونصره، وكان الفتح له بذلك وعلى يديه، وختم الأمر بمناولة النبي صلّى اللّه عليه وآله كفّاً من الحصى، فرمى بها في وجوههم وقال: "شاهت الوجوه" فلم يبق أحد منهم إلاّ ولّى الدبر لذلك منهزمأ، وكفى الله المؤمنين القتال بأمير المؤمنين عليه السلام وشركائه في نصرة الدين من خاصّة آل الرسول عليه وآله السلام ومن أيّدهم به من الملائكة الكرام عليهم التحية والسلام كما قال اللّه عزّ وجلّ:(وكفى اللّه المؤمنين القتال وكان أللّه قويّاً عزيزاً).(17) وحملا عبيدة فألقياه بين يدي ابن عمِّه الرسول، فاستعبر وقال: « ألستُ شهيداً يا رسول الله؟ » قال: « نعم ». قال: « لو رآني أبو طالب لعلم أنَّنا أحقُّ منه بقوله: ونُسْلمه حتَّى نصرَّع حولـهُ***ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ وعن ابن عباس أنه: "لما تمثل إبليس لكفار مكة يوم بدر على صورة سراقة بن مالك، وكان سائق عسكرهم إلى قتال النبي فأمر الله تعالى جبرئيل فهبط إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومعه ألف من الملائكة، فقام جبرئيل عن يمين أمير المؤمنين(عليه السلام) فكان إذا حمل عليٌّ حمل معه جبرئيل، فبصر به إبليس فولى هارباً وقال: إني أرى ما لاترون! قال ابن مسعود: والله ما هرب إبليس إلا حين رأى أمير المؤمنين، فخاف أن يأخذه ويستأسره ويعرفه الناس فهرب، فكان أول منهزم"!.(18) يأخذك العجب عندما تقرأ أن الصحابة البدريين (الأبرار الأخيار) بعد انتصارهم في بدر، اختلفوا على الغنائم، وتشاجروا، وساءت أخلاقهم، واتهم بعضهم بعضاً، وبلغ بهم الأمر أن اتهموا نبيهم(صلى الله عليه وآله) بأنه سرق قطيفة فبرأه الله تعالى! قال عبادة بن الصامت: نزلت الأنفال حين تنازعنا في الغنيمة وساءت فيها أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا، وجعله إلى رسوله فقسمه بين المسلمين على السواء.(19) ومن المؤكد أن هؤلاء المتشاجرين على الحطام ليسوا أبطال بدر ولا صنَّاع نصرها، بل هم مرضى، وجبناء، ولا أظن أن فيهم مقاتلاً حتى من الدرجة الثانية والثالثة! وأما الذين اتهموا النبي(صلى الله عليه وآله) بأنه سرق قطيفة، فلا يمكن أن يكونوا مؤمنين به! وأما الذي سرق قطيفة وطمرها بعيداً في التراب ليأخذها فيما بعد، فهو كأي بدوي سارق، لايُعَدُّ من الصحابة المؤمنين!. ونحن نقلنا قول الذهبي وهو من أعلام مذهب السنة والجماعة حول وصفه للصحابة وهو من تلاكيذ ابن تيمية ولنلاحظ بماذا وصغ الصحابة والذين يأتون اليوم ويقولون لا يجوز سب الصحابة والتعرض إليهم وهم ماذا يفعلون بنبيهم والذي أخرجهم من الظلمات إلى النور والذين أقرحوا قلبه وأدموه بتصرفاتهم تجاه نبينا الأكرم محمد(ص). ولنأتي ماذا يقول سماحة العلامة الشيخ علي الكوراني حول هذا الموضوع إذ يقول: "نركز على النبي(صلى الله عليه وآله)ونرى مكانة عترته الطاهرين(عليهم السلام) طوال حياته، وجعلهم وصيته المؤكدة لأمته فقال:{ إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي} فقامت قريش بعزلهم واضطهادهم، ورفعت مقابلهم الصحابة وزعمت أنهم كلهم عدول، بل ادعت لبعضهم العصمة وفضلته على النبي(صلى الله عليه وآله) بأساليب ملتوية! فكل ما تراه من مبالغة في الصحابة وغلو فيهم، وفضائل مكذوبة لهم، إنما هو من أعمال السلطة القرشية لجعلهم وجوداً مقابل النبي(صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرين(عليهم السلام). ومن ذلك غلوهم في أهل معركة بدر حيث جعلوهم صانعي تاريخ الإسلام مع أنهم كانوا عالةً على المسلمين مستظلين بخلفهم، حتى إذا انتصروا تصدروا كأنهم أبطال النصر! راجع كتاب: نظرية عدالة الصحابة، للمحامي الأردني، فهو خير ما كتب في الموضوع. جواهر التاريخ.(20) وهذا غيض من فيض من بطولات سيدي ومولاي أمير المؤمنين الأمام علي (ع)لأنه تم صنع بطولات وهمية لصحابة هم لم يقاتلوا ولم يبين التاريخ دورهم في هذه المعركة وفي كل معارك النبي(ص)ولنأخذ ما قاله عمر بن الخطَّاب يحذِّره من قريش، إذ يقول: "والله إنَّها ما ذلَّت منذ عزَّت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لا تسلِّم عزَّها أبداً ولتقاتلك، فتأهَّب لذلك أهبته وأعدَّ له عدَّته ".(21)وهذا القول قاله قبل قول المقداد والذي نصر فيه نبينا الأكرم محمد(ص)والوقوف بجانبه فأي صحابة يتم التكلم وهم بهذا الخذلان والخوف والنكوص عن نبيهم والذي سوف نشاهد الصورة أوضح في أجزائنا القادة ولكن نكتفي بهذا القدر ونكمل الموضوع إن شاء الله في أجزاء قادمة إن كان لنا في العمر بقية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1. الفرقان: 54. 2. اُنظر: تاريخ مدينة دمشق 52/445، مناقب آل أبي طالب 3/128. 3. بحار الأنوار 43/112. 4 ـ المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 181. 4. الأمالي للطوسي: 42. 5. اُنظر: مناقب آل أبي طالب 3/130. 6. اُنظر: بحار الأنوار 43/142. 7. اُنظر: المصدر السابق 43/138. 8 ـ. الأمالي للطوسي: 42. 9 ـ بحار الأنوار ج 43 ص 97 رواية 6 باب 5) 10 ـ أذخر، نبات طيّب الرّائحة. 11 ـ أعلام الهداية فاطمة الزهراء سيدة النساء (عليها السلام)، المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام) ص 24-25. 12 ـ سير إعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): ٢٢٨. 13 ـ فضائل الإمام علي/ محمَّد جواد مغنية: ٩٦ 14 ـ أي بعد قدومه المدينة بثمانية عشر شهراً، أنظر الكامل في التاريخ ٢: ١٤. 15 ـ برك الغماد: مدينة الحبشة، تبعد عن مكَّة مسيرة خمس ليال من وراء الساحل. انظر سيرة الأئمة الاثني عشر/ الجزء الأول. 16 ـ تاريخ اليعقوبي ٢: ٤٥، الكامل في التاريخ ٢: ١٦. 17 ـ طبقات ابن سعد ٢: ١٢. ارشاد المفيد ١: ٦٨. 18 ـ مناقب آل أبي طالب:2/74 19 ـ تاريخ الذهبي:2/64. 20 ـ السـيرة النبـوية عنـد أهل البيت(عليهم السلام) المجلد الثاني بقلم علي الكوراني العاملي المجلد الثاني الطبعة الأولى1430. الفصل السابع والثلاثون: معركة بدر يوم الفرقان. 21 ـ الإمام علي (عليه السلام) سيرة وتأريخ. إسلام الموسوي. سلسلة المعارف الإسلامية(32). الناشر مركز الرسالة. غزوة بدر ص 68.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- ماذا بعد لبنان / 2