بقلم : عبود مزهر الكرخي
تفسير وتحليل البكاء على الحسين(عليه السلام)
كان البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام)من أهم مظاهر العزاء على الحسين الشهيد(روحي له الفداء)، وقد حثت الروايات على ذلك وبدون أي شك، والذي يعتبر من اولويات الشعائر الدينية، وكانت هذه الشعيرة في البكاء على الحسين(عليه السلام)محل تفسيرات وتحليلات عدة في تناول حكمة هذه الشعيرة وهي البكاء على الحسين، ولهذا سنتناول هه الشعيرة في مقالنا الآراء والتحليلات المقدمة في تحليل فلسفة البكاء على شهيد كربلاء، ونحاول ان نقدم الرواية المناسبة إلى شعيرة البكاء على الحسين وانسجامها مع روايات والتي اسلفنا من قبل، في إطار علل الحثّ على البكاء ومحاولة فهم حكمته.
سبب التأكيد على البكاء
اعتبر مرتضى المطهري وهو من علماء الشيعة أنّ سبب كثرة التأكيد من قِبل أئمة أهل البيت(عليهم السلام)على البكاء من أجل الإمام الحسين(عليه السلام)هو أنهم أرادوا من خلال ذلك أن يبقى القيام الحسيني مدرسة الحرية ومجابهة الظلم. وبحسب قوله أدّت هذه النصائح منهم في زمانهم(عليهم السلام)إلى ظهور تيّار حيوي وثوري، بحيث أصبح اسم الإمام الحسين(عليه السلام)شعار الثورة ضد الظلم(1).
كما ذهب البعض إلى أنّ البكاء على الإمام الحسين(ع) وأصحابه يُعدّ تجديدًا لبيعة عاشوراء وثقافة الشهادة واستمداد الطاقة الفكرية والروحية من هذه المدارس(2). وبحسب رأي الإمام الخميني إنَّ العزاء الحسيني والبكاء عليه يؤدي إلى حفظ الإسلام ولولا سيد الشهداء لما تقدمت الثورة الإسلامية في إيران نحو الأمام (3).
ومن هنا أكد أئمة الشيعة أيضاً على الإبكاء والتباكي على الإمام الحسين(ع) وأشاروا من خلال بعض الأحاديث إلى ما فيهما من الأجر والثواب كما روى الشيخ الصدوق عن الإمام الرضا(عليه السلام)أنه قال: (من تذكّر مصابنا وبكى لما جرى علينا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ومن ذُكِّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ) (4).وأيضاً رُوي عن الإمام الباقر(عليه السلام)والإمام الصادق (ع) ك (أنه من بكى أو أبكى غيره ولو واحداً ضمنّا له على الله تعالى الجنّة ومن لم يتأتَّ له البكاء فتباكى فله الجنة ) (5)، وبحسب الشيخ عباس القمي وهو من علماء القرن الرابع عشر الهجري إنّ التباكي ليس رياءً؛ لأنّ البكاء على الإمام الحسين(ع) يعدّ عبادةً ولا يجوز الرياء في العبادة (6).
ولهذا فأن البكاء ليس مظهر من مظاهر الضعف والخنوع كما يدعي البعض من قصيري بل هو تجديد إلى نهضة والمحافظة على ديمومتها وبقائها، ولهذا كانت هناك روايات الواردة في إقامة مجالس العزاء والبكاء على مصاب الإمام الحسين عليه السلام لم ترد في أيّ من الأئمّة المعصومين عليهم السلام حتى رسول الله صلى الله عليه وآله، وكأنّ هنالك سرّاً في هذه المسألة دعا إلى تلك التأكيدات من الأئمة عليهم السلام. وقد تحدثت الروايات عن عِظم ثواب هذه المجالس مما جعل بعضاً يراها نوعاً من المبالغة، فأنكرها ونسبها إلى ((الغلاة))، حتّى قالوا: ((لا بدّ أن يكون هناك تناسب بين العمل والجزاء، فكيف يكون لهذا العمل البسيط ـ كالبكاء على الإمام الحسين عليه السلام ـ مثل هذا الثواب العظيم ؟!))
وبالمقابل يرى آخرون: أنّ البكاء على الإمام الحسين عليه السلام ولو بقدر جناح ذبابة كافٍ في نجاة الفرد، وإن غرق في بحر الذنوب والمعاصي. فهذا الرأي يرى أنّ قطرة دمع تُذرف على الإمام الحسين عليه السلام كافية لأن تغسل كُلّ ذنب!
إن ّهذه الآراء ـ في تقديرنا ـ لم تنطلق من رؤية واضحة وتحليل صحيح جامع للروايات الواردة في عظم ثواب العزاء، والواقع أنّهم عجزوا عن إدراك فلسفة العزاء من خلال قراءة الروايات قراءة علميّة دقيقة. لذا سنقدّم فيما يلي عرضاً لبعض الرؤى في بيان فلسفة البكاء.
1ـ نيل الثواب وشفاعة أهل البيت عليهم السلام
وهذا التحليل فيه من الضعف والوهن ولكن ننقله لعرض الآراء المختلفة حول شعيرة البكاء، حيث أن إقامة مجالس العزاء والبكاء هو لنيل شفاعة الأئمة الأطهار(عليهم السلام). وهذا التحليل فيه ضعف واضح حيث أن العمل في ضوء هذا التحليل فإن المسلمين يُقيمون مجالس العزاء من أجل الحصول على الثواب ونيل شفاعة الأئمّة الأطهار عليهم السلام. وضعف هذا التحليل واضح؛ ففرض الثواب على عمل ما فرع وجود حكمة ومصلحة في نفس ذلك العمل، فالعمل لا يستبطننّ أيّ ثواب ما لم تكن فيه مصلحة وحكمة معقولة. والذي ننشده في هذا البحث فلسفة إقامة العزاء، أي: مصلحة العمل وحكمته. طبعاً الكلام عن الثواب في إطار معلولات الحكم، لا محلّ له في هذا المجال.
أضفْ إلى ذلك: هل يمكن إثارة عواطف ملايين الأفراد وإبكائهم طيلة التاريخ لغرض تحصيل الثواب؟! ثم هل يسع هذا الوعد ـ على الرغم من أهميته ـ إثارة العواطف ما لم يكن هنالك عشق وقلب مُفعم بالحُبِّ والحماس؟! (7).
2ـ شُكر الإمام الحسين عليه السلام
يستند هذا التحليل على إن الإمام الحسين(عليه السلام) قد ضحى بنفسه واهل بيته وهذه التضحية هو غفران لهذه الأمة، ولهذا كان أبو عبد الله الحسين(عليه السلام)يمثل كفارة معاصي الأمة، وهو يقابل ونظير لما يقوله المسيحيين بأن صلب المسيح هو يمثل تطهير لذنوبهم، و يستندون في تحليلهم إلى بعض العبارات التي قيلت عن الحسين(عليه السلام) وهي : يا باب نجاة الأُمّة ليخلصوا إلى أنّ الحسين عليه السلام بنيله الشهادة كان سبباً في غفران ذنوب فسقة الأُمّة، وبالتالي فهو سبب لنجاتهم. وبالمقابل فإن الأُمّة بإقامتها مجالس العزاء إنّما تشكر الإمام عليه السلام وتستحقّ بذلك النجاة.
وبالتالي هو يقال بعبارة أوضح : أن قتل الحسين وصحبه(عليهم السلام)ليكون أحرار لعمل المعاصي والذنوب، وبالتالي أن التكليف الديني ساقط عنهم.
ولهذا برز معتقد ومفهوم يتبناه العديد من عامة الشيعة وحتى من يدعون أنهم من الخواص، بأن النجاة والخلاص كل من يبكي على الإمام الحسين(عليه السلام)مهما كانت ذنوب الشخص، وهذا المفهوم قد ترسخ في عقول وأوساط الحكام والسلاطين الطغاة الظالمين، الذين أرسوا دعائم حكوماتهم على أساس الظلم والجور وتلطّخت أيديهم بدماء الأبرياء، فأخذوا يُقيمون مجالس العزاء، أو ينخرطون في هيئات العزاء يلطمون صدورهم؛ ليعتبروا ذلك من سُبل النجاة!
وهذا المفهوم هو مفهوم لا يستطيع كل عاقل ولبيب أن ينكره لأن شفاعة ابي عبد الله الحسين(عليه السلام) ولكنها وفق شروطها وشرائطها أي تتماشي مع الدين الإسلامي الحنيف واصوله المسلمة، لأن ما ثار وما قام به من نهضة الإمام هو كان من أجل تصحيح الانحراف الحاصل في الدين وما قاموا به من لعناء بنو أمية في عودة الأمة إلى الجاهلية الأولى واللعب بالدين المحمدي، وأن يكون كما وصفه شيخ اللعناء أبو سفيان بقوله " يا بني أُميّة، تلقَّفوها تلقّف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان، ما من عذاب، ولا حساب، ولا جنّة، ولا نار، ولا بعث، ولا قيامة!» (8).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ مطهري، مجموعة آثار، دار نشر صدرا، ج25، ص338.
2 ـ محدثی، فرهنگ عاشورا، 1417هـ، ص382.
3 ـ الخميني، صحيفة الإمام، 1429هـ، ج8، ص388.
4 ـ الشيخ الصدوق، الأمالي، 1376هـ، ص73.
5 ـ ابن نما، مثير الأحزان، 1406هـ، ص14.
6 ـ القمي، منتهی الآمال، 1379ش، ج2، ص1060.
7 ـ للوقوف على المزيد راجع كتاب حماسه حسيني بالفارسية، الملحمة الحسينية للشهيد الشيخ المطهري رحمه الله: ج1، الفصل الثاني عوامل التحريف.
8 ـ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة:ج9، ص53. الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٢٧٨. منشورات مكتبة الشيعة.