- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لمحات من السيرة العطرة لفاطمة الزهراء(ع) / الجزء الخامس)
حجم النص
بقلم : عبود مزهر الكرخي
والآن نستكمل بحثنا وندخل في تفاصيل هذا الزواج الميمون والمبارك من السماء والذي عقد رباطه الله ورسوله واشّهد عليه ملائكة السماء والذي عقد بين أشرف نسبين على وجه الأرض نسب نبينا الأكرم محمد(ص) ونسب أبي طالب فالمعروف عندنا أن يكون مثل هذا زواج فيه من البذخ والبهرجة والصرف الشيء الكثير وهذا ماعرفناه على مدى التاريخ في زواج الملوك والحكام ومالمسناه في زواج المأمون العباسي من زبيدة والذي كان تُنثر الدنانير الذهبية والفضية للناس في إسراف واضح وتبذير ما بعده تبذير وكان الحكام وعلى مدى التاريخ يفعلون هذه الأفاعيل والتصرفات التي لايقرها الله ولا دينه فهذا الصنم هدام قد ركب عربة مرصعة بالذهب والألماس في عيد ميلاده المقبور وغيرهم الكثير الذين لايسع المجال لذكرهم.
ولكن هذا الزواج بين النورين كان زواج بسيطاً ومتواضعاً وهو يعطينا الدروس في كيفية الزواج والتعامل بمبادئ ديننا الحنيف والذي يرفض ولايقبل بالمهور العالية التي تفرض على الزوج او صرف المبالغ الطائلة للزواج ولتكون مدرسة أهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين) هي خير مدرسة تربوية واجتماعية لتعليم الناس وهي من أرقى الجامعات التي يتعلم فيها الإنسان كل معاملاته وعباداته.
فأهل البيت لا يريدون منا فقط تذكر مواليدهم الشريفة واستشهادهم والبكاء عليهم وتوزيع الطعام بل هم يؤكدون على العمل بسيرتهم والالتزام بتعاليم ديننا الحنيف وهو مايعني اتخاذ سيرتهم العطرة دليل ومنهاج عمل لنا فهذا سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين(ع) قد صرح ومنذ خروجه إلى مسير الشهادة والتضحية أنه لخرج لطلب الإصلاح في أمة جده وليس لطلب الحكم والملك كما يحاول من الكتاب من عبيد الدينار والدرهم تصوير وتحريف الحقيقة وهذا أمامنا ومولانا جعفر الصادق(ع) وهو على فراش الموت يوصي عشيرته وشيعته بقوله ((لن ينال شفاعتنا من هو مستخفٌ بصلاته)) للدلالة على أن أئمتنا كانوا في كل حياتهم مؤكدين على التمسك بعصم ومبادئ ديننا الحنيف وذلك لأنهم هم القرآن الناطق والذين هم ترجمانه وأحسن من يعطوه حقه والمسير على السنة المحمدية المباركة.
ولنلج تفاصيل هذا الزواج ونسطره كالآتي :
زواج الإمام علي(عليه السلام) من فاطمة الزهراء(عليها السلام)
تاريخ زواجهما(عليهما السلام) ومكانه
1 ذو الحجّة 2ﻫ، المدينة المنوّرة.
مجيء الإمام علي(عليه السلام) للخطبة
عن عليّ عليه السلام. قال:خطب أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فأبى رسول الله صلى الله عليه.
عند ذاك جاء الإمام علي(عليه السلام) إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو في منزل أُمّ سلمة، فسلّم عليه وجلس بين يديه، فقال له النبي(صلى الله عليه وآله): «أتَيْتَ لِحاجَة»؟
فقال الإمام(عليه السلام): « فداك أبي وأّمي إنّك لتعلم أنّك أخذتني من عمّك أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد وأنا صبيّ ... فغذّيتني بغذائك، وأدّبتني بأدبك، فكنت إليّ أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد. في البرّ والشفقة وإنّ الله تعالى هداني بك وعلى يديك، واستنقذني مما كان عليه آبائي وأعمامي من الحيرة والشكّ، وأنك والله يا رسول الله ذخري وذخيرتي في الدنيا والآخرة يا رسول الله فقد أحببت مع ما شدّ الله من عضدي بك أن يكون لي بيت وأن يكون لي زوجة أسكن إليها، وقد أتيتك خاطباً راغباً أخطب إليك ابنتك فاطمة، فهل أنت مزوّجي يا رسول الله
نَعَمْ، أتَيتُ خاطباً ابنتك فاطمة، فهلْ أنتَ مُزوِّجُني»؟
قالت أُمّ سلمة: فرأيت وجه النبي(صلى الله عليه وآله) يَتَهلّلُ فرحاً وسروراً، ثمّ ابتسم في وجه الإمام علي(عليه السلام)، ودخل على فاطمة(عليها السلام) وقال لها: «إنّ عَليّاً قد ذكر عن أمرك شيئاً، وإنّي سألتُ ربِّي أن يزوِّجكِ خير خَلقه، فما تَرَين»؟.
فسكتت، فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو يقول: «اللهُ أكبَرُ، سُكوتُها إِقرارُها»، فأتاه جبرائيل(عليه السلام) فقال: يا محمّد، زوّجها علي بن أبي طالب، فإنّ الله قد رضيها له ورضيه لها.(1)
ومن طريف مايذكر أورد هذه الحادثة لأخذ العبرة وهي :
وورد عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان تقدموا إلى النبي فقال عبد الرحمن للنبي(ص) :يا رسول الله تزوجني فاطمة أبنتك،وقد بذلتك لها من الصداق مائة ناقة سوداء زرق الأعين محملة كلها قباطي مصر،وعشرة آلاف دينار!!
وقال عثمان : وأنا أبذل ذلك،وأنا أقدم من عبد الرحمن إسلاماً!!.
فغضب النبي(ص)من مقالتهما فتناول كفاً من الحصى فحصب به عبد الرحمن وقال له ((إنك تهول بمالك))فتحول الحصى دراً فقومت درة من تلك الدرر فإذا هي تفي بكل ما يملكه عبد الرحمن.وهكذا كان الفشل لكل من تقدم لخطبة الزهراء(ع)راجعين وقد ود علموا أن في أمر زواجها سر من الأسرار.(2)
إخبار الصحابة
أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنس بن مالك أن يجمع الصحابة ليُعلِن عليهم نبأ تزويج فاطمة للإمام علي(عليهما السلام).
فلمّا اجتمعوا قال(صلى الله عليه وآله) لهم: «إنّ الله تعالى أمَرَني أن أزوِّجَ فاطمة بنت خديجة من علي بن أبي طالب».(3)
خطبة النبي(صلى الله عليه وآله) عند تزويجهما(عليهما السلام)
قال: «الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيّه محمّد.
ثمّ إنّ الله جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمراً مفترضاً، وشجّ بها الأرحام، وَهُوَ الّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء)وألزمها الأنام، فقال تبارك اسمه، وتعالى جده: (بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً).(4)
ثمّ إنّ الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي، وإنّي أشهد أنّي قد زوّجتها إيّاه على أربعمائة مثقال فضّة، أرضيتَ»؟
قال(عليه السلام): «قد رضيت يا رسول الله»، ثمّ خرّ ساجداً، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «بارك الله عليكما، وبارك فيكما، واسعد جدّكما، وجمع بينكما، وأخرج منكما الكثير الطيّب».(5)
خطبة الإمام علي(عليه السلام) عند تزويجه بفاطمة(عليها السلام)
قال: «الحمد لله الذي قرّب حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنّة من يتّقيه، وأنذر بالنار من يعصيه، نحمده على قديم إحسانه وأياديه، حمد من يعلم أنّه خالقه وباريه، ومميته ومحييه، ومسائله عن مساويه، ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونستكفيه.
ونشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، شهادة تبلغه وترضيه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله(صلى الله عليه وآله) صلاة تزلفه وتحظيه، وترفعه وتصطفيه، والنكاح ممّا أمر الله به ويرضيه، واجتماعنا ممّا قدرّه الله وأذن فيه، وهذا رسول الله(صلى الله عليه وآله) زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم، وقد رضيت، فاسألوه واشهدوا».(6)
قدر مهر الزهراء(عليها السلام)
اختلفت الروايات في قدر مهر الزهراء(عليها السلام)، والمشهور أنّه كان خمسمائة درهم من الفضّة؛ لأنّه مهر السنّة، كما ثبت ذلك من طريق أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، والخمسمائة درهم تساوي 250 مثقالاً من الفضّة تقريباً.
جهاز الزهراء(عليها السلام)
جاء الإمام علي(عليه السلام) بالدراهم ـ مهر الزهراء ـ فوضعها بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فأمر(صلى الله عليه وآله) أن يجعل ثلثها في الطيب، وثلثها في الثياب، وقبض قبضة كانت ثلاثة وستين لمتاع البيت، ودفع الباقي إلى أُمّ سلمة، فقال: «أبقيه عندك».
وليمة العرس
قال الإمام علي(عليه السلام): «قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا علي، اصنع لأهلك طعاماً فاضلاً، ثمّ قال: من عندنا اللحم والخبز، وعليك التمر والسمن. فاشتريت تمراً وسمناً، فحسر رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن ذراعه، وجعل يشدخ التمر في السمن حتّى اتّخذه خبيصاً، وبعث إلينا كبشاً سميناً فذُبح، وخبز لنا خبزاً كثيراً.
ثمّ قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): اُدع من أحببت. فأتيت المسجد وهو مشحن بالصحابة، فاستحييت أن أشخص قوماً وأدع قوماً، ثمّ صعدت على ربوة هناك وناديت: أجيبوا إلى وليمة فاطمة، فأقبل الناس أرسالاً، فاستحييت من كثرة الناس وقلّة الطعام، فعلم رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما تداخلني، فقال: يا علي، إنّي سأدعو الله بالبركة».
قال علي(عليه السلام): «وأكل القوم عن آخرهم طعامي، وشربوا شرابي، ودعوا لي بالبركة، وصدروا وهم أكثر من أربعة آلاف رجل، ولم ينقص من الطعام شيء، ثمّ دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالصحاف فملئت، ووجّه بها إلى منازل أزواجه، ثمّ أخذ صحفة وجعل فيها طعاماً، وقال: هذا لفاطمة وبعلها».(7)
كيفية الزفاف
لمّا كانت ليلة الزفاف، أتى(صلى الله عليه وآله) ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة وقال لفاطمة(عليها السلام): «اركبي»، فأركبها وأمر سلمان أن يقود بها إلى بيتها، وأمر بنات عبد المطّلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة، وأن يفرحن ويرزجن ويكبّرن ويحمدن، ولا يقلن ما لا يرضي الله تعالى.(8)
ثمّ إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) أخذ علياً(عليه السلام) بيمينه وفاطمة(عليها السلام) بشماله، وضمّهما إلى صدره، فقبّل بين أعينهما، وأخذ بيد فاطمة فوضعها في يد علي، وقال: «بارك الله لكَ في ابنة رسول الله».
وقال(صلى الله عليه وآله): «يا علي، نعم الزوجة زوجتك»، وقال: «يا فاطمة، نعم البعل بعلك»، ثمّ قال لهما: «اذهبا إلى بيتكما، جمع الله بينكما وأصلح بالكما»، وقام يمشي بينهما حتّى أدخلهما بيتهما.(9)
ثمّ أمر(صلى الله عليه وآله) النساء بالخروج، فخرجن. تقول أسماء بنت عُميس: فبقيت في البيت، فلمّا أراد(صلى الله عليه وآله) الخروج رأى سوادي فقال: «من أنتِ»؟ فقلت: أسماء بنت عُميس، قال: «ألم آمرك أن تخرجي»؟
قلت: بلى يا رسول الله، وما قصدت خلافك، ولكن أعطيت خديجة عهداً. ثمّ حدّثته بما جرى عند وفاة السيّدة خديجة(عليها السلام)، فبكى(صلى الله عليه وآله) وأجاز لها البقاء.(10)
قال الإمام الصادق(عليه السلام): «لولا أنّ الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على الأرض».(11)
ولنأخذ ملاحظاتنا ودروسنا من هذه الدروس وهي كما يلي :
1 ـ صحيح أنّ هذا الزواج قد عُقد في السماء ويجب أن يتم ، إلاّ أنّ احترام حرية المرأة في اختيار زوجها عموماً ، وشخصية فاطمة ( عليها السلام ) خصوصاً تُحتّم على الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ، أن يتشاور مع فاطمة ( عليها السلام ) في هذا الأمر قبل البتّ فيه .
بعدها ذهب النبّي ( صلّى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام ) وقال لها : إنّ علي بن أبي طالب ممّن قد عرفتِ قرابته وفضله في الإسلام ، وإنّي سألت ربّي أن يزوّجك خير خلقه وأحبهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئاً ، فما ترين ؟ فسكتت ، فخرج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وهو يقول :
الله أكبر ! سكوتها إقرارها
بعدها تمّ عقد القران بواسطة الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) .
2 ـ مهر فاطمة :
والآن ، لنرى ما هو مهر فاطمة ؟
ممّا لا شك فيه أنّ زواج أفضل رجال العالم بسيدة نساء العالم وابنة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، يجب أن يكون مثلاً رائعاً ، مثالاً لكلَّ العصور والأزمنة ؛ لذا توجه الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) إلى أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) بالقول :
( يا أبا الحسن فهل معك شيء أزوّجك به ؟) فقال علي ( عليه السلام ) :
فداك أبي وأمي والله ما يخفى عليك من أمري شيء ، أَملك سيفي ، درعي ، وناضحي ، وما أملك شيئاً غير هذا .
فقال له رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : (يا علي ، أمّا سيفك فلا غنى بك عنه ، تجاهد به في سبيل الله ، وتقاتل به أعداء الله ، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك ، وتحمل عليه رحلك في سفرك ، ولكنّي قد زوّجتك بالدرع ورضيت بها منك ).(12)
ونقرأ في رواية أخرى أنّ الزهراء ( عليها السلام ) طلبت من أبيها ( عليه السلام ) ، أن يكون مهرها الشفاعة في المذنبين من أمّة محمد ( صلّى الله عليه وآله ) ، فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) على الرسول ( عليه السلام ) مخبراً بتلبية الله سبحانه وتعالى لطلب فاطمة ( عليه السلام ).(13)
3 ـ من الواضح أنّ جهاز العرس الذي يُهيّأ بهذا القدر من المال ، لا بدَّ أن يكون بسيطاً رخيص الثمن .
وقد ذكرت كتب التاريخ أنّ جهاز سيدة نساء العالمين قد تكوَّن من ثمانية عشر نوعاً من الحاجيات ، كلّها من ذلك المال ، ونذكر هنا أهمّها :
قطيفة سوداء خيبرية.
قميص بسبعة دراهم
سرير مزمّل بشريط
أربع مرافق من أُدم الطائف ، حشوها أذخر.(14)
ستر من صوف حصير هجير رحى يدوية سقاء من أدم
مخضب من نحاس قعب للبن وشن للماء جرّة خضراء ... وأمثال ذلك.(15)
فأي جهاز بسيط كان جهاز فاطمة (ع) وبهذه الدراهم المعدودة لكي توضح للجميع معنى الزهد والأنقطاع عن ملذات الدنيا والتبتل الى الله سبحانه وتعالى والتوجه أليه. وحملت جهاز الزواج ببساطته إلى الرسول(ص)،فلما عرض عليه جعلّ يقلبه بيده ويقول: ((بارك الله لأهل البيت، وفي رواية أخرى : اللهم بارك لقوم جلّ آنيتهم من الخزف)).
نعم هكذا كان جهاز سيدة نساء العالمين .
ولهذا كانت يجب أن تضع كل القيم الخاطئة من أرتفاع المهور والإسراف لتحل محلها القيم الصحيحة لأعظم زواج على وجه الأرض بزواج سيدة نساء العالمين من أفضل الرجال بعد نبينا الأكرم وهكذا تكون سيرة الشخصيات العظيمة من ذوي الأعراف والدين وهذه هي سيرة القادة الحقيقيين الذين نذروا لعبادة الله والعمل بشرائعه وتعاليمه ولتبقى خالدة في عقول الاجيال جيلاً بعد أخر.
ولتعطي درس في ومثال عالي القيم ولتسحق بهذه القيم السامية لهذا الزواج المبارك كل قيم الجاهلية وموروثاتها العفنة والتي ومع الأسف الشديد لازال الكثير يحمل ترسباتها البالية وفي الكثير من الممارسات والتصرفات ومنها تقاليد الزواج.
وفي الأخير ولأذكر هذه الحادثة والتي تبين عظمة الزهراء روحي لها الفداء والتي في زواجها اشترى لها أبوها (ص) ثوب جديد لأنه كان ثوبها قديم وهذه حياة الزهد التي كان يعيشونها أهل بيت النبوة والذين كانوا مفاتيح الخزائن والأرض بأيديهم ولكن استبدلوها بحياة الزهد تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى وعند الزفاف وجدها الرسول بنفس ثوبها القديم فسألها عن ثوبها الجديد عند ذلك قالت له أن امراة من المسلمين زوجت أبنتها وهي فقيرة فأهديتها ثوبي الجديد فأي إيثار وأي دروس وأي جامعة راقية نتعلم من هذه السيرة العطرة لسيدة نساء أهل الجنة والعالمين والتي فاقت كل ما موجود حالياً من بحوث ودراسات ونقاشات في أعظم الجامعات حول السلوك التربوي في هذا المجال.
4 ـ أن رفض النبي الأكرم محمد (ص) لكل المتقدمين لهو خير دليل على أن زواج فاطمة كان مرهون بأمر من الله تبارك وتعالى والذي في روايات أخرى أن الله أمر نبينا الأكرم وعلى لسان جبراائيل بقوله ((أن الله يقرئك السلام ويأمرك أن تزوج النور من النورة))ولهذا كان كل أهل المدينة تتداول زواج فاطمة ورفضها من قبلها ومن قبل النبي(ص) لمن تقدم لها وفجأة اذيع أن الرسول الأعظم لن يزوجها إلا من علي بن أبي طالب(ع).
والأمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) الذي خلت يده من المال ، ومن كلِّ ثروة دنيوية ، ولم يكن يتحلى بأيٍّ من الميزات التي تُقيم لها الجاهلية وزناً ، لكنّه كان يتمتع بإيمان وقيم إسلامية أصلية ، تملأ كيانه من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه .
الأمام علي وبيت الزوجية
أما الإمام(ع) فقد أقتصر إعداده لبيت الزوجية على ما يلي :
1 ـ فرش حجرة النوم بالرمل الناعم. 2 ـ نصب خشبة من حائط إلى حائط.
3 ـ أهاب كبش ومخدة ليف وضعها على الأرض. 4 ـ منشفة علقها على الحائط.
5 ـ وضع على الأرض قربة ماء ومنخلاً لنخل الدقيق.(16)
فهذه الصورة الناصعة من تزويج الزهراء تنقلنا إلى المبدأ الإسلامي في التخفيف عن كاهل الأزواج،وبهذه الصورة تم التزويج.
وبقت فترة الخطوبة شهر وكان الحياء يمنع علي من طلب زوجته من رسول الله وذات يوم اجتمعت نساء النبي(ص) عند الإمام(ع) وقلن له :إلا نطلب لك من رسول الله دخول فاطمة عليك؟،فقال لهنِّ :أفعلن.
فدخلن على رسول الله،فقالت أم أيمن: يا رسول الله لو أن خديجة باقية لقرت عينها بزفاف فاطمة،وأن علياً يريد أهله،فقر عين فاطمة ببعلها واجمع شملهما وقر عيونا بذلك.(17)
وما أن سمع النبي(ص) باسم خديجة حتى تغرغرت عيناه بالدموع وأنِّ لها أنة ثم قال: خديجة!!،وأين مثل خديجة؟!!صدقتني حين كذّبني الناس،وآزرتني على دين الله،وأعانتني عليه بمالها ـ أن الله عز وجل أمرني أن أبشر خديجة ببيت من الجنة من قصب الزمرد ولا صخب ولا نصب.
يا له من وفاء تام لزوجته التي قام الدين في أحد عماديه بمالها،وفي العماد الآخر على سيف ابن عمه علي(ع)!!.
وفي جزئنا القادم سوف نكمل أن شاء الله سيرة سيدة نساء الجنة والعالمين سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء روحي الله الفداء إن كان لنا في العمر بقية وذلك لأنها سيرة سامية وعالية المضامين تحتاج من الباحث أن يلقى الأضواء عليها ويسردها بكل حيثياتها لما شابها من تدليس وتزوير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين .سماحة آية اللّه العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازى تعريب: عبدالرحيم الحمراني. ص 42
2 ـ أعلام الهداية فاطمة الزهراء سيدة النساء (عليها السلام).المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام) ، المؤلف سماحة آية اللّه العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي تعريب : عبد الرحيم الحمراني، ص23
3. اُنظر: إحقاق الحق 4/475، الأمالي للطوسي: 39.
4. الفرقان: 54.
5. اُنظر: تاريخ مدينة دمشق 52/445، مناقب آل أبي طالب 3/128.
6. بحار الأنوار 43/112.
7. الأمالي للطوسي: 42.
8. اُنظر: مناقب آل أبي طالب 3/130.
9. اُنظر: بحار الأنوار 43/142.
10. اُنظر: المصدر السابق 43/138.
11. الأمالي للطوسي: 42.
14 ـ أذخر ، نبات طيّب الرّائحة.
15 ـ أعلام الهداية فاطمة الزهراء سيدة النساء (عليها السلام) ، المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام) ص 24-25
16 ـ فاطمة أم أبيها : المؤلف فاضل الحسيني الميلاني.مؤسسة الوفاء.بيروت .لبنان.الطبعة السادسة.
17 ـ اُنظر: بحار الأنوار 43/142.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول