حجم النص
بقلم: الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
قليل هم من كان يقرأ التاريخ، بل أن الذين يحسنون القراءة منهم هم الندرة، فلو تعلم أودولف هتلر من التاريخ لما قرر مهاجمة روسيا (الاتحاد السوفياتي وقتها) قبل الشتاء بقليل، ليهزمه الثلج، كما فعل بنابليون حين قرر مهاجمة الروس، ولو تعلم اليهود قبلها من الغزو البابلي الاول لما اضطروا لمواجهة الغزو البابلي الثاني، ولو قرأ صدام التاريخ لعرف ان ماكيافيلي كان مجرد مستشاراً طماعاً وخائبا ًلا ينظر الى البعيد ليكتشف الحقيقة، ولو فهم حكام العراق الحاليين ما جرى على صدام وهم ليسوا منه ببعيدين لما مارسوا الطغيان والفساد وتهريب الاموال وتجاهل المرجعية وخدمات المجتمع. ولما كان حال العراق بهذا الشكل من السوء حتى ان المواطن الذي يغادر منزله في الصباح لا يضمن عودته، وان الام تودع ابنها الذاهب للعمل او الدراسة وكأنها تودعه وهو ذاحب الى جحيم المعركة.
كلا إنهم لم يقرأوا التاريخ، وإن قرأوه غضوا ابصارهم عن الحقيقة لان المال الذي حشوا به جيوبهم قد علا حتى اعمى أبصارهم، وأصاب عقولهم بالشلل التام. لو قرأوا التاريخ لاكتشفوا اخطاء من سبقهم من الحكام والملوك والجبابرة وطواغيت الارض. ولكنهم شابهوهم لانهم اعتبروا أخطائهم مميزات خاصة تحدد شخصياتهم، اعتبروا فسادهم قيمة عليا والاخلاص للمجتمع والدين قيماً سفلى.
لم يتعلموا ان لعبة الكراسي الموسيقية إنما هي مجرد لعبة للاطفال، ولا يجوز ممارستها في الشأن السياسي، لم يتعلموا من التاريخ، ان راس عبيد الله بن زياد نصبه المختار في نفس المكان الذي نصب فيه ابن زياد رأس الحسين (ع)، وانه حتى المختار نصب رأسه في ذات المكان.
هل قرأوا ان النمرود إنتهى لانه حارب نبياً وإن فرعون إنتهى لانه حارب نبياً وان صدام إنتهى لانه حارب المرجعية، وانهم سينتهون لانهم حاربوا الانسان والمرجعية. وانهم مثلهم.
تمنيت لو انهم قرأوا!! تمنيت لو انهم أعملوا عقولهم وتخلصوا من نزواتهم!! وأنهم جعلوا الحق فوق المال وليس المال فوق الحق!!، تمنيت لو ان رقابهم اطول من رقبة البعير كي لا تخرج الكلمات من افواههم الا بعد التمحيص كما قال الامام علي عليه السلم الذي يدعي البعض منهم انهم من اتباعه ولكن هيهات!! تمنيت لو ان أفواههم اصغر من حبة العدس كي لا يكثروا من الكلام الزائف، وان عيونهم أكبر بعشرات المرات من الصحون التي يأكلون بها كي يروا الحقيقة!! تمنيت لو ان آذانهم كآذان الفيلة كي يسمعوا صراخ اليتامى والجياع والنساء اللواتي يخرجن قبيل شروق الشمس ليبعن بعض الاغراض لاطعام الافواه الجائعة!! تمنيت لو أن جيوبهم خيطت فلا يدخلها المال الحرام كما حاولوا خياطة افواه من يكشف الحقيقة!! تمنيت لو أن الاعلام صار أكثر نزاهة وأنه إعلام في مصلحة المواطن وليس عبدأ مقيداً بجلباب الحكومة!!
يا عبدة الطاغوت، هل تدرون ان الطاغوت هو ليس الحاكم الظالم الجائر فقط؟! هل تعلمون أن الرجل الذي يحب منصبه وكرسي الحكم حباً يخرجه عن طاعة الله فان هذا المنصب والكرسي يصير طاغوتاً له؟! هل قرأتم أن من أحب المال والاولاد حباً يخرجه عن طاعة الله يصير ماله وولده طاغوتاً له؟! هل علمتم أن من أحب أهله والحياة الدنيا حباً يبعده عن طاعة الله ومعرفته، تصير أمرأته وحياته الدنيا طاغوتا له؟! هل علمتم أن من رضي بالفساد والافساد وشارك بهما تصيران طاغوتاً له. فيا لسوئتكم.
ولكنكم لا تعلمون لأنكم لا تقرأون وإن قرأتم لا تفهمون، وإن فهمتم تنكرون، يا ُعبَّاد الدنيا قليلاً من التبصر في ما بين أيديكم فالمال يزول والولد يزول والزوجة تزول والدنيا باسرها تزول ولن يبقى إلا عوراتكم التي تلطخ وجه التاريخ.
فإن أصررتم على أن لا تقرأوا التاريخ، وإن تبجحتم إنكم غير اؤلئك وان الزمان غير الزمان، فلماذا لم تتغيروا؟ ولماذا لم تتبدلوا؟ ولماذا صار جاهلكم يدعي العلم؟ ولماذا صار العالم مغيباً عن موقعه الحقيقي فإمتلأت الجامعات بانصاف المتعلمين، وإحتل الوظائف الهامة الاقارب ومقبلي الايادي لا لعلم ولا لخبرة ولكنهم لانهم من طينتكم خبثاً وفساداً.
لو كنتم تقرأون التاريخ!! إن لفي التاريخ لعبرة!! وأن فيه لكشف عن ما في ضمائر الحكام واصحاب السلطة والباحثين عن الشهرة على حساب الحق والعدل.
لو كنتم تقرأون التاريخ لعلمتم أن بلداً يمتلك حضارة تعود الى سبعة آلاف عام لا يمكن ان يقاد بامثالكم، ولا يجوز أن يشابه في فقره تنزانيا وجيبوتي، بدلاً من ان يتفوق في غناه على اليابان والولايات المتحدة والاتحاد الاوربي مجتمعاً!! لو كنتم مخلصين كما تدعون لكانت الكهرباء شيء لا يفكر فيه الانسان لانه موجود على الدوام مثل الهواء، ولكان الماء الصالح للشرب قضية لا تحتاج الى نقاش أو جدل، لو كنتم مخلصين حقاً لكان الانسان العراقي اغنى من اغنى فرد في العالم، ولكانت بعض دول الخليج ستبدوا مجرد دويلات فقيرة تابعة تتقبل صدقات اهل العراق، كما كانت قبل الستينات من القرن الماضي، لو كان ثمة احساس بالمسؤولية الاجتماعية لكانت العائلة العراقية الاكثر غنى وأمناً وراحة.
آهٍ!! آهة تطلقها الصدور الحرى، في وطن يكون في دم الانسان أرخص من دم البعوضة، وكرامة الانسان أذل من كرامة الذبابة، وحياة الانسان أخقر من حياة الديدان. ولكن هيهات لأنكم لا تقرأون.
الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
[email protected]
المملكة المتحدة – لندن
أقرأ ايضاً
- هل ماتت العروبه لديهم !!!
- هل يستحق المحكوم ظلما تعويضًا في القانون العراقي؟
- هل سيكون الردّ إيرانيّاً فقط ؟