- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لمحات من السيرة العطرة لفاطمة الزهراء(ع) / الجزء الثاني
حجم النص
بقلم:عبود مزهر الكرخي
نستكمل في بحثنا عن السيرة العطرة لسيدة نساء العالمين روحي لها الفداء والتي هي سيرة كلها عبر ودروس ومدرسة تعلم الأجيال جيلاً بعد أخر عن ماهية وكيف تكون المرأة المسلمة من ناحية الفضيلة والعفاف والحياء وفي نفس كيف تكون لها دور مؤثر في الأحداث والتي بحق كانت لها أهلاً لها الزهراء(ع).
كيف لا وهي التي بنت خير خلق الله وحبيبه والتي تربت في حجر الرسالة والتي نهلت العلم والدين من المنهل الصافي لنبينا الأكرم محمد(ص) الذي يمثل مدينة العلم والحكمة ثم انتقلت لتتزوج من باب مدينة العلم والحكمة لتتزوج من أبن عمها وأخي رسول الله(ص) ووصيه وخليفته سيدي ومولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) سيد البلغاء ويعسوب الدين وقسيم الجنة والنار والذي لم يكن أهلا وكفؤاً لهذه المرأة العظيمة إلا أمير المؤمنين والتي سنورد ذلك في بحثنا لاحقاً أن شاء الله.
ولنكمل مقامها (عليها السلام)لكي نكمل ونعرف مقامها السامي حيث من المعلوم ليس المهم أن نعرف تاريخ استشهادها وولادتها وكل الأمور الخاصة بها وذرف الدموع عليها فقط بدون معرفة التفاصيل لكل أئمتنا من أهل البيت وخصوصاً لسيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(ع).
والحقيقة لقد استمعت إلى البرنامج الخاص بأية الله المحقق السيد كمال الحيدري من قناة الكوثر الفضائية وكانت فيه مداخلة من قبل احد الأساتذة الجامعيين في العراق والتي أشار فيها إلى الحقبة التاريخية والتي بدأت منذ وفاة الرسول الأعظم محمد(ص) والى إجبار الناس الأمام علي (ع) ودليلنا في أرغام الأمام علي على الخلافة هو ماقاله في خطبته((أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم، وَلا سَغَبِ مَظْلُوم، لاََلقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلاََلفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز!))(1)
إذن الخلافة لم تكن مشكلة ألامام علي عليه السلام كما يتصور البعض , بل تألم الامام لما يعلم أن من تقدمه لم يكونوا مؤهلين لقيادة البشرية ولم يكونوا أهلاً للإمامة التي هي تنصيب من الله عز وجل ........
وهذه الفترة لم تدرس دراسة منهجية علمية ولو لاحظنا أنها قد مورس بحق هذه الفترة أبشع أنواع التضليل والتعتيم وكلنا يعرف أن الخليفة الأول أبو بكر والثاني عمر قد منعوا تدوين الحديث ومحاسبة كل من يعمل ذلك حتى وصل الأمر بالتنكيل وإقامة الحد على كبار الصحابة من أمثال أبو ذر الغفاري وأبن مسعود وحتى عمار بن ياسر(رض) ليصل حتى إلى نفي أبو ذر الى الصحراء ومات فيها وجلد قبل ذلك ومن هنا على الكتاب والعلماء دراسة هذه الحقبة الزمنية والتي شابها الكثير من الغموض ومحاولة الكل التدليس وعمل الضبابية على هذه الحقبة والتي هي مهمة ليست فقط بالنسبة للشيعة بل للمسلمين عامة وهي فترة مهمة يجب أماطة اللثام وتبيان الحقيقة كاملة والتي تضافرت كل الجهود من حكام ووعاظ سلاطين وكتاب من عبدة الدرهم أن يزيفوا الحقائق وعدم التركيز على هذه الفترة ونسج الأكاذيب حولها.
وأردت من هذه المقدمة توضيح بعض الأمور لكي نسترسل في بحثنا ولنرجع إلى صلب الموضوع ونكمل مقام فاطمة الزهراء (ع) ولنقول :
مقامها (عليها السلام) عند الأئمة
ولنأتي إلى أبو البلغاء سيدي ومولاي أمير المؤمنين(ع)وماذا قال لها بعد استشهادها ودفنها
فدفنها أمير المؤمنين (عليه السلام) وخفي موضع قبرها.. (والتي سوف نورد الأسباب والغرض من أخفاء قبرها ونحلله بالتفصيل) فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خدّيه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " السلام عليك يا رسول الله منّى والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك، وقرّة عينك، وزائرتك، والبائتة في الثري ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك.. قلّ يا رسول الله! عن صفيّتك صبري، وضعف عن سيّدة النساء تجلّدي، إلاّ أن في التأسّي لي بسنّتك والحزن الذي حلّ بي لفراقك موضع التعزي، ولقد وسّدتك في ملحود قبرك، بعد أن فاضت نفسك على صدري، وغمّضتك بيدي، وتولّيت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب الله أنعم القبول ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ )(2) قد استُرجِعَت الوديعة وأُخذت الرهينة وأُخلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء.
يا رسول الله! أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي دارك الّتي فيها أنت مقيم، كمد مقيّح، وهم مهيّج، سرعان ما فرّق بيننا وإلى الله أشكو..
وستنبئك ابنتك بتظاهر أُمّتك عليّ وعلى هضمها حقّها فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول و ( يَحْكُم اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ )(3).
سلام عليك ـ يا رسول الله! ـ سلام مودّع، لاسئم ولا قال، فإنْ أنصرف فلا عن ملالة، وإنْ أقم فلا عن سوء ظنّي بما وعد الله الصابرين الصبر أيمن وأجمل، ولو لا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند، قبرك لزاماً، والتلبّث عنده معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزيّة فبعين الله تدفن بنتك سرّاً.. ويهتضم حقّها قهراً.. ويمنع إرثها جهراً.. ولم يطل العهد، ولم يخلق منك الذكر، فإلى الله ـ يا رسول الله! ـ المشتكى، وفيك أجمل العزاء.. فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته ".(4)
وهذا هو دحض لكل من يقول ان كانت هناك مشاكل بين الأمام علي(ع) وفاطمة الزهراء(ع) من خلال هذا الكلام والذي يدل على كلامنا انه لم يتزوج بأخرى طيلة حياتها بل كانت نعم الزوجة الحنونة والصالحة لزوجها والبارة له وهذا هو جزء من النيل والتشويه لسيرة أهل بيت النبوة والتي يتقولون زوراً وبهتاناً حول هذه المسألة.
والتي أردت أن أوردها لنبين مدة التحريف وأقوال الزور التي أطلقت على عترة النبي الأكرم محمد(ص) والتي سوف نوردها أيضاً في ظلامة الزهراء ودفنها.
وفي مقامها ماورد عن أئمتنا المعصومين(سلام الله عليهم أجمعين) هي : ـ
ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال : (( نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا )) وهذا الحديث من الأحاديث العظيمة الذي أعطى لفاطمة عليها السلام وعلى لسان حفيدها الحسن العسكري عليه السلام أكبر شهادة عظمى بحقها.
ويظهر من خلال حديث أخر عظم منزلة ومقام فاطمة عند الأئمة عليهم السلام حيث خرج من الناحية الشريفة عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أنه قال : ((وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله لي أسوة حسنة... )) فأي مقام يظهر لنا من خلال هذا التوقيع الشريف والذي بين فيه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف أن له أسوة حسنة بفاطمة أي اتخذها قدوة له يتأسى بها في المعضلات والمصائب.(5)
وليراجع ما اذكرناه آنفاً حول حديث سيدي مولاي جعفر الصادق(ع) عن فغاطمة الزهراء ولنذكره فقط للتذكير وهو قوله ((لأنّ الزهراء كانت زاهرةً كالنور ، فإذا وقفت في محرابها للصلاة كانت تزهر لأهل السموات ، كما تزهر النجوم لأهل الأرض ، ولهذا سًميت بالزهراء))
مقامها (عليها السلام) في الشفاعة
وأيضاً لنرى حديث أخر :
إن أفضل مقام تعطى فاطمة عليها السلام يوم القيامة هو مقام الشفاعة الكبرى والذي من خلال هذه المنزلة يظهر قدر ومقام فاطمة عند الله تعالى يوم القيامة وأمام الخلائق جميعاً، فلقد ورد في تفسير فرات... فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله عزوجل : يا بنت حبيبي، ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي ؟
فتقول : يا رب ! أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم، فيقول الله : يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة .
قال أبو جعفر عليه السلام : والله.. يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء. فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا فيقول الله عز وجل : يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي ؟
فيقولون : يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم ؛ فيقول الله : يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة، خذوا بيده وأدخلوه الجنة.
قال أبو جعفر عليه السلام : والله.. لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات، نادوا كما قال الله تعالى : { فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم }(6) فيقولون : {فلو أنّ لنا كرة فنكون من المؤمنين}.(7)
قال أبو جعفر عليه السلام : (هيهات هيهات منعوا ما طلبوا ) {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وأنهم لكاذبون}.(8)
مقامها (عليها السلام) عند الكتاب والمحدثين
فلنقرا ماذا يقول عنها جملة من الكتاب والمحدثين والتي أخذت منها عينة لا الحصر لتبيان عظمتها وقدرها عن خؤلاء الناس والذين هم من المذاهب الأخرى وأنقلها بالنص وكما يلي :
الأستاذ توفيق أبو علم يقول :
"أوتيت الزهراء رضوان الله عليها كسائر أهل البيت حظاً عظيماً من الفصاحة والبلاغة. فكلامها متناسب الفقر، متشاكل الأطراف، تملك القلوب بمعانيه، وتجذب النفوس بمحكم أدائه ومبانيه، فهي في البيان من أغزر القوم مادة، وأطولهم باعاً، وأمضاهم سليقة، وأسرعهم خاطراً، وإنه ليتبين ذلك خاصة في خطبتها وكلامها في بيعة أبي بكر، وخلافها معه بشأن فدك. (ثم نقل الخطبة من (بلاغات النساء)، وقال بعد تمام الخطبة): والمشهور عن السيدة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ إنها كانت قوية العارضة، خطيبة بارعة، إذا ما انتبرت المنابر هزت القلوب والمشاعر، وإن خطبتها على جمهرة من المهاجرين والأنصار آية على ثبت بديهتها وحضور ذهنها."(9)
العلامة الإربلي (ره) قال :
فلنذكر خطبة فاطمة عليها السلام فإنها من محاسن الخطب وبدايعها، عليها مسحة من نور النبوة، وفيها عقبة من أرج الرسالة، وقد أوردها المؤالف والمخالف، ونقلتها من كتاب (السقيفة) عن عمر بن شبة تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري من نسخة قديمة مقروة على مؤلفها المذكور، قرأت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، روى عن رجاله من عدة طرق: أن فاطمة عليها السلام لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها وأقبلت في لميمة من حفدتها ـ الخ.(10)
قال المؤرخ المعاصرالدكتور علي إبراهيم حسن :
وحياة فاطمة هي صفحة فذة من صفحات التاريخ ، نلمس فيها ألوان العظمة ، فهي ليست كبلقيس أو كليوبطرة ، استمدت كل عظمتها من عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر . وهي ليست كعائشة نالت شهرتها لما اتصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش ، وتتحدى الرجال ، ولكنا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلى العالم وحولها هالة من الحكمة والجلال ، حكمة ليس مرجعها الكتب والفلاسفة والعلماء ، وإنما تجارب الدهر الملئ بالتقلبات والمفاجآت ، وجلال ليس مستمدا من ملك أو ثراء ، وإنما من صميم النفس . . .(11)
قال الأستاذ عباس محمود العقاد المصري :
في كل دين صورة الأنوثية الكاملة المقدسة يتخشع بتقديسها المؤمنون ، كأنما هي آية الله فيما خلق من ذكر وأنثى ، فإذا تقدست في المسيحية صورة مريم العذراء ، ففي الإسلام لا جرم تتقدس صورة فاطمة البتول...(12)
ويقول أيضاً في كتاب فاطمة الزهراء والفاطميون :
وبهذه النزهة الموروثة أطرق باب الكلام في حياة الزهراء فإنها ـ سلام الله عليها ـ قد تكتب لها ترجمة لأنها بنت محمد ، او تكتب لها ترجمة لأنها زوجة عليّ ، او تكتب لأنها أم الحسن والحسين وبينهما الشهداء ، ولكنها مع هذه الكرامة قد تكتب لها ترجمة لأنها هي فاطمة ، ولآنها مصدر من مصادر القوة التاريخية التي تتابعت آثارها في دعوات الخلافة من صدر الإسلام إلى الزمن الأخير.
ونعود إلى الوراثة فنقول : إن أول ما نضيفه إلى بيان قوة اليقين ، أو بيان القوة الإيمانية في نفس الزهراء ، أنها ورثتها من أم وأب ، وقد غطى ميراثها من أبيها على كل ميراث ، ولكنه اقترن بالميراث من امها فقد بلغت أصالته مدى متصل الآثار فيما ورثته هي ، وفيما تورثه الأعقاب من بعدها ن وما أخلده من ميراث.(13)
قال العلامة الإربلي :
فلنبدأ الآن بذكر فاطمة عليها السلام التي زاد إشراق هذا النسب بإشراق أنوارها ، واكتسب فخراً ظاهراً من فخارها ، واعتلى على الأنساب بعلوّ منارها ، وشرف قدره بشرف محلّها ومقدارها ، فهي مشكاة النبوة التي أضاء لألاؤها ، وتشعشع ضياؤها ، وسحت بسحب الغرّ أنواؤها ، وعقيلة الرسالة التي علت السبع الشداد مراتب علا وعلاء ، ومناصب آل وآلاء ، ومناسب سناً وسناء ، الكريمة الكريمة الأنساب ، الشريفة الشريفة الأحساب ، الطاهرة الظاهرة الميلاد ، الزهراء الزهراء الأولاد ، السيدة باجماع أهل السداد ، الخيرة من الخير : ثالثة الشمس والقمر ، بنت خير البشر ، اُم الأئمة الغرر ، الصافية من الشوب والكدر ، الصفوة على رغم من ججد أو كفر ، الحالية بجواهر الجلال ، الحالّة في أعلى رتب الكمال ، المختارة على النساء والرجال ، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبينها السادة الأنجاب ، وارثي النبوة والكتاب ، وسلّم وشرّف وكرّم وعظّم.(14)
قال عبد الحميد ابن أبي الحديد :
وأكرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنُّونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم حتى خرج بها عن حدّ حبّ الآباء للأولاد فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّة واحدة وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد انها سيدة نساء العالمين وإنها عديلة مريم بنت عمران وإنها إذا مرّت في الموقف في الموقف نادى مناد من جهة العرش: يا أهل الموقف غضُّوا أبصاركم
لتعبر فاطمة بنت محمد وهذا من الأحاديث الصحيحة وليس من الأخبار المستضعفة.(15)
وأنشد ابن أبي الحديد أبياتا في تفضيل فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال :
وخير خلق الله بعد المصطفى * أعظمهم يوم الفخار شرفا
السيد المعظم الوصي * بعد البتول المرتضى علي
وابناه ثم حمزة وجعفر * ثم عتيق بعدهم لا ينكر
المخلص الصديق ثم عمر * فاروق دين الله ذاك القسور
وبعده عثمان ذو النورين * هذا هو الحق بغير مين وذكر.(16)
قال العلامة محمد بن طلحة الشافعي : اعلم ـ أيّدك الله بروح منه ـ أن الأئمة الأطهار المعدودة مزاياهم في هذا المؤلّف ، والهداة الأبرار المقصودة سجاياهم بهذا الصنّف لهم برسول الله زيادة على اتصالهم به بواسطة فاطمة عليها السلام. فبواسطتها زادهم الله تعالى فضل شرف وشرف فَضْل ، ونيل قدر وقدر نيل ، ومحلَّ علوّ وعلوّ محلّ ، وأصل تطهير وتطهير أصل ... فانظر بنُور بصيرتك ـ أمدّك الله بهدايتها ـ إلى مدلول هذه الآية(17)وترتيب مراتب عباراتها وكيفيّة إشارتها إلى علوّ مقام فاطمة الزهراء في منازل الشرف وسمو درجتها ، وقد بيّن ذلك وجعلها بينه وبين عليًّ تنبيهاً على سرّ الآية وحكمتها ، فإن الله عزَّ وجل جعلها مُكتَفةً من بين يديها ومن خلفها ليظر بذلك الاعتناء بمكانتها . وحيث كان المراد من قوله « وأنفسَنا » نفس عليًّ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعلها بينهما إذا الحراسة بالأحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأنباء في دلالتها.(18)
ونلاحظ هنا وجود الكم الهائل من الذين يشيدون بمقام فاطمة الزهراء ولكن ارتأينا الاستشهاد بهذه العينة من الكتاب والمحدثين لأنه لو أردنا أن نطلع على ذلك لأعددنا كتب ومجلدات حول الموضوع.
ولننتقل الآن موضوع مهم وهو الآتي .
هي ونساء العالمين :
عن عائشة ، قالت لفاطمة ( عليها السلام ) : ألا اُبشّركِ ؟ إنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يقول : "سيّداتُ نساء أهل الجنّة أربع : مريم بنت عمران ، و فاطمة بنت محمد ، و خديجة بنت خويلد ، و آسية بنت مزاحم إمراة فرعون " .(19)
عائشة و غيرها عن النّبي ( صلى الله عليه و آله ) ، أنّه قال : "يا فاطمة أبْشري فإنّ الله اصطفاكِ على نساء العالمين و على نساءِ الإسلام و هو خيرُ دينٍ " .(20)
عن عائشة أن النّبي ( صلى الله عليه و آله ) قال و هو في مرضه الّذي توفّي فيه : " يا فاطمة ألا ترضينَ أن تكوني سيّدةَ نساء العالمين ، وسيّدةَ نساء هذه الاُمّة ، و سيّدة نساء المؤمنين " . (21)
المقام السابع :كراماتها الخارقة للعادة :
قالت عائشة : كنّا نخيط ، و نغزل ، و ننظم الأبرة باللّيل في ضوء وجه فاطمة ( عليها السلام ).(22)
دخلت عائشة على أبيها فقالت : يا أبتاه إني رأيت من فاطمة أمرا عجيباً ( عجباً ) ، رأيتُها وهي تعمل في القِدر ، والقِدر على النار ، يغلي وهي تحرِّك ما في القِدر بِيدِها 0
فقال لها : يا بنتاه أُكتمي هذا الأمر ، وإنه لأمرٌ عظيم.(23)
عبادتها وشدة اجتهادها :
عن عائشة : ولقد وضعتِ(24) الحسنَ بعد العصر وطهرت من نفاسها وصلتِ المغربَ ، ولذلك سميت الزهراء.(25)
وفي جزئنا القادم سوف نستكمل أن شاءالله باقي سيرة فاطمة الزهراء(عليهاالسلام )إن كان لنا في العمر بقية والذي نريد إن نستكمل كل جوانبها ومن كافة الأوجه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ باب المختار من خطب ملانا أمير المؤمنين الخطبة المعروفة بالشقشقية ص 46.
2 ـ البقرة : 156]
3 ـ [ يونس: 109].
4. أمالي المفيد: 281 ; بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): 258 ; الكافي: 1/458 ; أمالي الطوسي: 1/107 ; (ط النجف) ; دلائل الإمامة: 47 ; بحار الأنوار: 43/193، 211، وله مصادر أُخرى يأتي مع الإشارة إلى موارد اختلاف النُسخ.
5 ـ الأسرار الفاطمية من تأليف محمد فاضل المسعودي ص99 ـ 100.
6 ـ [الشعراء : 106].
7 ـ [الشعراء : 100 ، 101 ].
8 ـ [ الأنعام : 28] . المصدر : الأسرار الفاطمية من تأليف محمد فاضل المسعودي ص 107 ـ 106.
9 ـ الأستاذ توفيق أبو علم، قال في كتابه القيم (أهل البيت)، ص157.
10 - كشف الغمة: ج1، ص479
11 ـ فاطمة الزهراء عليها السلام للعلامة دخيل : 171.راجع أيضاً فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى : 21.
12 ـ أهل البيت لتوفيق أبو علم : 128.
13 ـ عباس محمود العقاد فاطمة الزهراء والفاطميون.نهضة مصر للطباعة والنشر ص 4،5
14 ـ كشف الغمة : 1 | 484.
15 ـ شرح نهج البلاغة : 9 / 193.
16 ـ وهذا الشعر مروى عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي عن المفضلة البغداديين.
17 ـ يعني قوله تعالى : قل تعالوا نَدْع أبناءنا وأبناءَكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكُم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين : [آل عمران 61 ].
18 ـ مطالب السؤول : 6 و 7.
19 ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم،ومجمع الزوائد للهيثمي ، وكنز العمال للمتقي الهندي الحنفي .
20 ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي .
21 ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري وكنز العمال للمتقي الهندي الحنفي .
22 ـ أخبار الأُول وآثار الدول لأحمد بن يوسف الدمشقي .
23 ـ ثاقب المناقب لمحمد بن علي الطوسي.
24 ـ أي وضعت فاطمة الزهراء .
25 ـ أخبار الأول وآثار الدول لأحمد بن يوسف الدمشقي .
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول