هذه ليست دعاية لعنوان رواية ستصدر قريبا, بل عنوان لحكومات مابعد التاسع من نيسان من العام 2003, عنوان للفساد الذي خيم على العراق فجعله الدولة رقم واحد في تسلسل الدول الاكثر فسادا في العالم.
في السابق اي: (في العهد الملكي وما تلاه من عهود) كان يضرب المثل بضابط الجيش العراقي، فيُقال اذا اردت ان تصبح ملكا فكن ضابطا في الجيش العراقي حيث الجنود المساكين يقومون مقام الخدم عند الضابط الذي كان يتمتع بامتيازات الامراء والملوك.
ومن مفارقات السياسة والحكم في العراق أبان العهد الملكي وما بعده هو صيرورة ضباط الجيش وزراء ورؤساء للحكومات، فنوري سعيد باشا والذي كانت له حصة الاسد في تشكيل الحكومات كان ضابطاً والحال ذاته مع طه الهاشمي وجعفر العسكري وياسين الهاشمي وبكر صدقي وغيرهم من الضباط الذين كانوا في خدمة الاحتلال العثماني ثم خلعوا جلودهم واستبدلوها بجلد انكليزي ليفوزوا بالسلطة والحكم بعد الاحتلال البريطاني .
وللأمانة والانصاف نقول ان الحال لم يكن باحسن منه في العهد الجمهوري الذي ابتدأ بانقلاب عسكري نفذته مجموعة من الضباط ليرثوا الحكم من ضباط وليفتحوا علينا عصر الانقلابات والمؤامرات لينتهي المطاف بان يتربع على عرش العراق ضباط من ورق امثال حسين كامل وعبد حمود وعلي كيمياوي وقبل هذا وذاك المهيب الركن صدام والذي تقول سيرته الذاتية انه لم يؤد يوما واحدا في خدمة العلم واذا به يصبح ضابطا يهب الاوسمة لضباط الحروب الطاحنة.
لم يكن صدام ساذجا حينما منح نفسه اعلى رتبة عسكرية يصلها ضابط في الجيش , ولم يفعـل ذلك بدافع شعوره بعقدة النقص التي كانت تلاحقه من فشله في دراسته الاكاديمية فحسب بل لانه يعلم جيدا ماذا يعني ان تكون ضابطا في مجتمع يرى الضابط ملكا , فهو اراد ان يكون ملكا من دون ان يعلن العراق نظاما ملكيا.
هذا التخبط وهذه المأساة التي شهدها عراق مابعد العهد الملكي جعلت مفكرا ليبراليا من جذور يسارية شيوعية يترحم على الملكية ذلك هو كنعان مكية صاحب كتاب (جمهورية الخوف).
ونعود لعراق مابعد التغيير اي مابعد التاسع من نيسان لنجد ان الوزير حل محل الضابط ليكون ملكا ولكن ليس بالحشم والخدم الذين من حوله, ولا بالحمايات التي تحيط به, ولا بالامتيازات التي يحظى بها بينما ابناء الشعب يعيشون البؤس والفقر ونقص الخدمات الاساسية, لا بهذا ولا ذاك فقط بل بالصفقات المشبوهة التي يجريها جهارا نهارا والتي تجعله مليونيرا ان لم يكن مليارديرا في اقل من عام ودونكم ماحدث من اختلاسات مالية وسرقات مليونية في الحكومة التي شكلها الاخضر الابراهيمي والتي تحول بسببها حفنة من الوزراء الى مليونيرية في غضون ستة اشهر فقط.
ما حدث مع وزراء حكومة الابراهيمي يبدو انه فتح شهية من اتى من بعدهم من زملائهم الجائعين والتواقين وبشدة الى دخول عالم الثراء بأقصر مدة ممكنة لاسيما وانهم يرون بـأم اعينهم ان من سرقوا من قبلهم لم يطلهم اي عقاب وحتى وزير الكهرباء السابق الذي أدين بالفساد بتهمة سرقة ملايين الدولارات في صفقات شبه وهمية تم على اساسها توقيفه على ذمة التحقيق لأيام معدودات بعدها تكفل أبناء العم سام الذين يحمل جنسيتهم بإطلاق سراحه من دون الرجوع الى السلطات العراقية الحائرة في أمرها.
واذا كان الضابط في عهد ما قبل التغيير عنوانا للتعجرف والتكبر ولحياة البذخ والتسلط والاستبداد فأن الوزير في العهد الجديد _والى حد ما معه النائب في البرلمان_ اصبح عنوانا للثراء الفاحش والمشبوه على حساب جياع الشعب العراقي وفقرائه الذين انتخبوه. فيكفي لكي تصبح مليونيرا في عام واحد فقط ان تكون وزيرا في العراق وان تجعل من اشقائك وأصهارك وأقربائك مدراءً لمكتبك حيث يقومون وبالنيابة عنك بأخذ العمولات (الكوميشن) عن كل صفقة او عقد يراد تنفيذه , طبعا هناك استثناء فليس كل الوزراء أو النواب فاسدين.
اختم بذكر قصة احدهم حيث كان مربيا يعلم الصبية القرآن واللغة العربية في أحد المساجد وبالكـاد يدبر أمر عيشته , أبتسم له الحظ فأصبح وزيرا بالمحاصصة الطائفية وبعد عام من تعيينه في احدى الوزارات الخدمية سأله ذات مرة زميله الذي كان معه في المسجد والمشغـوف ببرنامج من سيربح المليون عن سر ثرائه المفاجئ فأجـابه بعد ان استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وبعد ان قرأ المعوذتين بالقول: مولانا ان الله يرزق من يشاء بغير حساب, ففغر زميله فاه .
لا ادري لماذا لم يرزقه الله طيلة العشرين عاما التي قضاها في المنـفى ورزقه في عام واحد قضاه في المنطقة الخضراء؟
الجواب ربما لانه كان لاجئا هناك اما الآن فهو وزير وأين؟
في العراق.