من منا لم يسمع ويردد من صباه الى الآن قصائد الشاعر كاظم منظور الكربلائي (جابر يا جابر ما دريت بكربله اشصار، التي اخذت من الشهرة مديات واسعة وصدى كبير وصدحت بها حناجر ابرز الرواديد من حمزة الزغير الى زماننا الحالي، حتى طبع منها ثلاثة ملايين وخمسمائة الف نسخة، ومثلها قصائد يابن امي على التربان وأه ياحسين ومصابه وكلي يالميمون وغيرها الكثير)، ورغم انه عاصر فطاحل الشعر الحسيني مثل عبود غفلة وهادي القصاب وعبد الامير الفتلاوي وكاظم البنا والحاج عبد الامير الترجمان، الا انه تميز باسلوبه الخاص وكتب كثير من القصائد في كل انواع بحور الشعر، في هذا اللقاء الخاص من بيت الشاعر كاظم المنظور الكربلائي ومن لسان نجله الكبير نسمع جوانب اخرى من حياة هذا الشاعر.
من هو كاظم المنظور
يقول حسين الابن الاكبر للشاعر المرحوم كاظم المنظور الكربلائي لوكالة نون الخبرية عن والده انه " كاظم ابن حسون ابن عبد عون ابن راضي ابن علي الشمري، وهو من مواليد عام (1892) حيث كان عمره في ثورة العشرين (28) عاما، وكان صديقه المقرب ورفيق صباه الرادود المرحوم حمزة السماك الاموي الذي سبق الرادود المشهور حمزة الزغير بقراءة القصائد الحسينية وحتى ان تسمية حمزة الزغير بهذا اللقب للتفريق بينه وبين السماك، وهناك قصائد لم تطبع ولم ترى النور الفها والدي وكان السماك يحتفظ بها، وبعد ان ظهرت مكائن الطباعة وفي حينها كانت المطبعة في النجف الاشرف وعملية الطبع تحتاج الى بقاء المؤلف في المطبعة لاسابيع عدة لتنقيح النموذج الاول من الطباعة الذي كان يسحب باليد بعد تنضيد الحروف لتصحيح الاخطاء، ولكبر سن والدي لم يستطع الذهاب الى النجف الاشرف للمطبعة فذهب بدلا عنه الحاج جاسم الكلكاوي الذي كان مصاحبا له، ويبقى في المطبعة لاسابيع وينقح الطباعة، الى ان تمكن الكلكاوي من انشاء مطبعة (اهل البيت) التي تعد اول مطبعة في كربلاء المقدسة وكان مقرها في شارع الامام علي (عليه السلام) في مقدمة سوق النعلجية في سرداب ومنها طبع كتاب المنظورات الحسينية على نوعين هما قصائد اللطمية وقصائد الكعدة ومواويل وابوذيات مدح ورثاء بحق اهل البيت وكان طبع الكتاب الواحد يستمر لمدة سنة حتى تكمل النسخ المراد بيعها بمبلغ (150) فلسا وطبع منها احد عشر جزءً كلها كانت تباع في الزيارة الاربعينية وتنفذ من السوق"، موضحا ان " اشخاص محبين لكاظم المنظور ومنهم الحاج اسماعيل جنتي قام بتكليف جماعة مختصة واشرف عليها احد الشعراء يعتقد انه الشاعر جابر الكاظمي فقاموا بتبويب قصائد المظورات الحسينية الى طريقة اخرى باربع مجلدات كبيرة وضعت القصائد الخاصة بالإمام الحسين (عليه السلام) بمجلد ومثلها لامير المؤمنين او ابي الفضل العباس(عليهم السلام)".
كاظم منظور الاب
خنقته العبرة ودمعت عيناه وهو يتكلم عن والده الشاعر كاظم منظور الاب بقوله ان" والدي كان ابا ومربي وصديق في وقت واحد بالرغم من فارق السن الشاسع بيني وبينه حيث وصل عمره الى السبعين حين بلوغي العاشرة من العمر، وكانت علاقته بعائلته وابنائه وبناته ابوية وروحية، واتذكر انه جاء في يوم شديدة الحرارة واضعا عباءته على عقاله ويهرول خلف عربة يدفعها حمال محمله بالفواكه والرقي والفرحة مرتسمه على محياه رغم شدة الحر لانه يعلم انها تدخل السعادة على عياله ورغم وضعه المالي الضعيف الا انه لم يقصر على عياله بشيء من مأكل او ملبس وكان يفضلنا على نفسه، ولم يكن يركز على العمل الربحي وكان ذائبا بالحسين وثورته الخالدة، ولم يجعل القصائد الحسينية مصدرا للربح المادي، وعمل في أكثر من مهنة مثل عامل في مقهى قرب صحن العباس (عليه السلام) يسقي الشاي للزبائن وعامل في محل عطارة وشارك اشخاص في (كورة) لصنع مادة الجص وشارك جماعة اخرى في بيع التمر الذي كان يشتريه من البساتين ويبيعه ويتقاسم الرزق مع اصحاب رأس المال، وكذلك عمل في تجارة بيع الاغنام".
امي ومتعلم ومثقف
من غرابة الامور في حياة المنظور ما شرحه ولده حسين عن حاله مع الامية والتعلم فقال ان" الهامه الشعري كان بارزا منذ نعومة اظفاره، وهو سريع التأليف والمعلومة حاضرة عنده وذكر حادثة حصلت معه عندما كان عاملا في المقهى وجاءت مواكب الحلة تردد الاشعار والردات الحسينية فكانت احد الربطات في الردة نصها يقول ( يحسين يحسين جتك مشاهيب الزلم) فترك العمل ووقف امام الموكب وصحح لهم العبارة وقال لهم قولوا ( يحسين يحسين جتك مشاهيب العلم) ولم يقبل الشباب منهم التغيير وطلبوا منه التنحي لكن كبار المواكب والشيوخ اثنوا على ما قاله وطلبوا من المشاركين بالعزاء ترديد عبارة والدي وقد عرفوا بعدها ان الزلم ممكن ان تأتي من كل مكان ولكن العلم تشتهر به مدينة الحلة، وبما يخص القراءة والكتابة والامية كلاهما صحيح وعلل ذلك بقوله " انه نشأ اميا لا يقرأ ولا يكتب، ولكن عندما عرف واشتهر اسمه كان يفتقد بعض الاحيان لشخص يكتب له القصيدة، فدخل في الكتاتيب الذين يحفظون القرآن للاطفال في الصحن الحسيني عند الشيخ عبد الكريم فاتفق مع الشيخ على ان يعلمه القراءة والكتابة بشكل منفرد مقابل مبلغ من المال، وهكذا استطاع تعلم القراءة والكتابة ولكنه لا يستطيع قراءة الكتب الا (القرآن الكريم) وكتابته التي لا يستطيع قراءتها الا القليل مثل حمزة الزغير وانا".
المنذور ام المنظور
وعن التباين في اسمه بين المنذور والمنظور قال ابو كاظم عن والده ان " الشاعر يمكن ان ينظم اي نوع من انواع الشعر مثل الغزل او الهزل او الابوذية والحسينيات، وكان سابقا ينظم انواع مختلفة من الشعر بينها الغزل والهجاء والابوذية وصدر له فيها كتاب اسمه (الاغاريد) لكنه طبع مرة واحدة وبكمية محدودة يضم تلك الانواع من القصائد الا انه ترك كل تلك الانواع من الشعر وتفرغ وتخصص بالشعر الحسيني ومدح ورثاء اهل البيت وكانت امنيته الا يعاد طبع هذا الكتاب بل فقد من السوق نهائيا وقد بحثت عنه كثيرا في العراق وخارجه فلم اجده، وفي ذلك الحين وصل الامر لاحد المراجع الكرام فقال فيه مقوله مشهورة مفادها ان "هذا الشاب الذي ترك كل انواع الشعر وتخصص في الشعر الحسيني قد وقع عليه نظر الحسين (عليه السلام) ومنها اطلق عليه لقب المنظور"، بينما في السجلات الرسمية اسمه المنذور وهو اسم تفرد به حتى من بين عائلاتنا".
مرضه ووفاته
اعتصر الالم مرة اخرى قلب ولده حسين وسالت دموعه وقال " في العام 1974 في شهر تموز تعرض لوعكة صحية شديدة واصبح طريح الفراش وكنت حينها جنديا ووحدتي العسكرية في بغداد فتلقفته ايدي محبيه ونقلوه الى بغداد وكان المقرب له "ابو ابراهيم" هو من اخذه الى بغداد في عيادة احد الاطباء وبعد التحاليل المرضية تبين انه مصاب بسرطان الكبد ونقل الى مستشفى الكرامة وساءت حالته الصحية، ورغم صعوبة حالته وتجمع العشرات من مختلف طبقات الشعب في المستشفى ما جلب انظار الاطباء، وارادوا نقله الى لندن للعلاج لكن الاطباء منعوا ذلك لان عمره وصل الى 82 عاما وحالته خطرة جدا، وكان يتعرض الى غيبوبة ويفيق منها، وفي تلك الحالة سألني اين انا فاجبته انت في المستشفى وفي غرفة خاصة فعرف ان هناك انفاق كبير عليه، فقال لي " في الليل انقلني الى ردهة المرضى وارسل مبلغ المكوث في هذه الغرفة الى والدتك لتنفق على البيت فهم احق مني بالانفاق" لان حرصه على عائلته سمة لازمته طيلة حياته، فاخبرنا الاطباء ان حياته ستنتهي ولا دواء له الا المغذي فعدنا به الى كربلاء المقدسة ولفظ انفاسه الاخيرة بعد ثلاثة ايام في السابع عشر من شهر تموز من عام 1974، ولم يوصي بشيء مهم لانه لم يكن يملك من حطام الدنيا شيئا ، وجرى له تشيع مهيب حضره رجال الدين والشيوخ والوجهاء وتم تغسيله وتكفيه في مغتسل المخيم وطاف به المشيعون في ضريح ابي الفضل العباس (عليه السلام) ثم في ضريح ابي عبد الله الحسين(عليه السلام) وكان الدفن فيه ممنوع حينها ولجأ شيوخ ووجهاء كربلاء المقدسة الى محافظ كربلاء عبد الرزاق الحبوبي الذي كان يسمى حينها (المتصرف) وطلبوا منه دفنه في الصحن الشريف ووافق فكان دفنه بجوار ضريح ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) في المقبرة الشيرازية واصبحت فيما بعد مقبرة لشخصيات خدمت الحسين وقضيته وأرخت اعوام ولادته ووفاته وعمره بابيات شعرية خطها الشاعر محمد زمان، واصبح المكان الذي دفن به محفلا قرآنيا وهو أمر لا يناله الا من يشمله الإمام الحسين (عليه السلام) ببركاته جزاء لما قدمته من الشعر نصرة لقضيته وثورته".
المنظور والزغير
اقترن اسم كاظم المنظور الكربلائي بالرادود حمزة الزغير كفريق عمل انتج من القصائد الحسينية ما تخلد منها رغم مرور عقود من الزمن وتوارثتها الاجيال تلو الاجيال .
ويقول حسين المنظور عن هذه العلاقة انهم " متفاهمين الى حد كبير والاثنين بسطاء ومحبين للحسين وقضيته، رغم فارق السن بينهم حيث كان والدي اكبر من حمزة بثلاثين عاما، لان الشاعر كان يعتبر استاذ الرادود حينها وهو من يكتب القصيدة وينظم لحنها فكان والدي يعامله كولده، وكان حمزة متخصص بالقراءة في صحن الامام الحسين (عليه السلام) وجاسم الكلكاوي في المخيم ومهدي الاموي في الصحن العباسي، وكان حمزة يعمل صاحب مكوى، وكنا نجلس انا ووالدي امام محله، وذكر نجل كاظم المنظور حادثه عن قصيدة (يردونه يردونه) حيث ناداني والدي وقال لي اسمع ما اقول ( يردونه يردونه ..والولد يردونه... للحرب والعازات... وبظلام الشدات....شمعة ويشعلونه... والولد يردونه) وظننت ان امرا جللا حصل او تعدي علينا او عراك ويحتاج مني الى الفزعة، لكنه طمئنني انها قصيدة من اثنى عشر بيتا شعريا بحق القاسم ابن الحسن (عليه السلام) خذها الى عمك حمزة الزغير، ولم تكن لديه اية اجواء خاصة لكتابة القصائد بل يكتب القصائد في كل مكان وزمان في العمل والبيت والسوق واحيان يستيقظ من النوم ليكتب قصيدة ولديه الهام عجيب بنظم قصائد معبرة جدا، ومنها ما يسكب عليها احر الدموع خلال قرائتها وتحديدا في ضرفها ومناسبة حصولها حتى وإن كان هو كاتبها، وكان يكتب بغزارة حتى انه في ليالي العشر الاولى من المحرم حيث تقسم الايام للعباس والقاسم والوداع وغيرها كان يجلس امامه اكثر من رادود ويملي على كل واحد منهم قصيدة او ردة تختلف عن الاخرى ولديه الهام واسع حتى انه اذا صعبت على رادود قصيدة كتب لها غيرها على الفور".
تيسير الاسدي ــ قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- بدعم كامل من العتبة الحسينية المقدسة اجراء (1701) عملية جراحية خاصة ضمن برنامج الاستقدام والاخلاء الطبي