أسسه شيوخ آل كمونة من عشائر بني اسد العريقة في منطقة المخيم الحسيني منذ العهد العثماني وكان منارا للعلم والثقافات والتربية والاخلاق ومنبرا حسينيا يصدح باصوات حسينية خالدة، توارثه الابناء من اجداد الاجداد الى الاباء، شهد الحياة السياسية وتفاعل معها وكان ملاذا للجميع وأسست فيه حكومات عدة ودعم ثورات وطنية وانطلقت منه حركات سياسية وحلت فيه نزاعات عشائرية ومناطقية كبيرة، مضى على تأسيسه قرنين وسبعون عاما من الزمان وما زال عامرا بكل ما يبني الانسان ويعمر الاوطان، انه ديوان آل كمونة الذي يعد من أقدم الدواوين في مدينة كربلاء المقدسة.
تاريخ عريق
يتحدث الشيخ علي عبد الحسين كمونة بفخر عن اجداده وديوانهم الواغل في القدم فيقول لوكالة نون الخبرية ان " ديوان آل كمونة يعد واحد من دواوين مدينة كربلاء المقدسة واسس في منتصف القرن السابع عشر اي قبل (270) عاما تقريبا، ومن اسسه هو الشيخ عيسى ابن ابراهيم ابن موسى بن مراد آل كمونه بتوصيه من المرجع الشيخ كاشف الغطاء (قدس سره) آنذاك على أثر هجمات عصابات الوهابيين المتتالية على مدينة كربلاء المقدسة والعتبات المقدسة وطلب منه ذلك لما يمتلكه من شجاعة وفروسية ولتواجد عشيرة بني اسد بشكل مكثف فيها ولتوفير الحماية للمراقد المقدسة وحضر الى منطقة المخيم الحسيني واسس الديوان وعرفت االمحلة التي يقع فيها الديوان بمحلة آل عيسى كما اكدت ذلك كثير من الوثائق"، مبينا ان "مفهوم الديوان في المدينة يختلف جذريا عن مفهوم المضيف العشائري لانه يعتبر منتدى ادبي وفكري وثقافي وانساني وعشائري يعالج كثير من القضايا بل ان سر نشاط الحركة الادبية والانسانية في كربلاء المقدسة هو امتلاكها لـ (48) ديوان لم يبقى منها الا ديوان آل كمونة".
واضاف ان "الديوان مرت عليه كثير من القضايا السياسية والاجتماعية والعشائرية والدينية ومنها ان تشكيل الحكومة لمساندة الثورة العربية ضد العثمانيين تشكلت في هذا الديوان بعد حضور كل زعماء الاطراف وكتبوا وثيقة وزعت فيها المهام والخدمات والسطات لتنظيم المعونة والدفاع عن المدينة والتموين واستمرت لمدة عامين حتى دخول القوات البريطانية، وكذلك اجتماعاتهم في ثورة العشرين وتظاهرات عام 1956 ضد حكومة نوري السعيد التي كان يقودها الشيخ منذر عبد المجيد كمونة وكثير من الحركات السياسية اسست في هذا الديوان، لاسيما ان الشيخ عبد المجيد آل كمونة كان عضوا في مجلس السيادة عام 1958 ثم اصبح رئيس مجلس السيادة بالوكالة لغاية مقتل عبد الكريم قاسم والحكومة المحلية بعد سقوط النظام المباد في العام 2003 تشكلت في ديوان آل كمونة، اما في جانب حل النزاعات العشائرية فحلت الكثير منها في هذا الديوان مثل خصومات في الفرات الاوسط وغيرها من المحافظات وكانت تحل دائما بالتراضي، وفي الجانب الانساني فقدم الديوان الكثير من المعونات والمساعدات للمحتاجين ودعم الفئات الضعيفة في المجتمع وفي اوقات مختلفة من اعوام كثيرة كون البلد مر بظروف سيئة جدا لاكثرة من مرة".
جلسات وفكر
من الامور البارزة في يوميات هذا الديوان يشير الشيخ علي كمونة الى "الجلسات الادبية والشعرية والثقافية مثلما ورد في كتاب المؤلف المحامي الفكيكي واصدر الشيخ احمد هادي كمونة الذي كان وزيرا للثقافة في العام 1962 نشرة صحفية من الديوان ساهمت برفع الشأن الاقتصادي والثقافي والفكري، وكان لابناء بيت كمونة قصب السبق في التصدي للعدوان على مدينة كربلاء المقدسة عندما تصدى الشيخ محسن آل كمونة وبمشاركة كل العشائر في كربلاء ومحيطها لحصار حمزة بيك العثماني وافشلوا هجمته على كربلاء وفكوا الحصار عنها، بعد ما استباح عاكف بيك العثماني مدينة الحلة لاربعين يوما، وكان الشيخ عبد الحميد كمونة قد اسس الكثير من المؤسسات وبعده جاء دور والدي الشيخ عبد الحسين كمونة وانتقل الامر الي بعد ستة اجداد واب وانا الآن سائر بطريق اسلافي واجدادي وآبائي في ابقاء هذا الديوان مصدر اشعاع وخير للمجتمع، لان ما يميز الدواوين عن المضائف انها مرتبطة بوقفيات صادرة من دائرة الاوقاف وقرار من محكمة كانت تسمى شرعية والان تسمى الاحوال الشخصية وهي اشبه بمؤسسة شبه رسمية، ويذكر فيها نوع الواجبات ومن يتولى ادارتها من العائلة بالتسلسل جيلا بعد آخر وتخصص ايراداتها ومنافذ الصرف وتنفرد كربلاء والكاظمية المقدستين بهذا الامر لذلك هذا ما يعطيها الديمومة والاستمرار وقد زارتها وفود كثيرة رسمية وبعثات دولية من الاتحاد الاوروبي وما زال ديوان آل كمونة مكان لجميع ابناء المدينة".
دواوين كربلاء
الاديب حسن الفتال قال لوكالة نون الخبرية ان " مدينة كربلاء معروفة انها مركز اشعاع حسيني حضاري وكانت الامكنة التي تعتبر ديوان كثيرة وبيوتات وعائلات تمتلك مثل تلك الدواوين، ولكن الاشهر بينها هو ديوان آل كمونة الذي عرفناه منذ نعومة اظفارنا، وهو ديوان انطلق منه موكب عزاء المخيم الذي كان يسمى موكب ال الشيخ ولم يكن الديوان مقتصرا على الشعائر الحسينية، بل عقدت فيه مؤتمرات مهمة وتجمعات وملتقيات"، فضلا عن "حل الكثير من النزاعات الفردية والمجتمعية، حيث تجد الحلول هنا في الديوان وتخمد فيه كل فتنة او مشكلة وقد ذكرت في كتابي عن حياة الرادود الحسيني كاظم المنظور وكيف لجأ المنظور الى هذا الديوان عندما حصل نزاع له حيث تم فض النزاع على الفور بالتراضي".
حضور عائلي
يقول حبيب الاسدي من مواليد مدينة كربلاء عام 1964 لوكالة نون الخبرية ان" والده كان يصطحبه منذ صغر سنه في سبعينيات القرن الماضي الى ديوان آل كمونة في منطقة المخيم في سوق الزينبية لنحضر المجالس الحسينية وتتلمذنا على ايدي فطاحل الخطباء والجلوس مع الوجهاء ورؤساء العشائر والادباء والمثقفين الذين تعلمنا منهم الكثير من الصفات الجيدة التي بنت شخصياتنا"، فضلا عن "تلقي النصائح والتعرف على كثيرة من الطباع لمختلف الشخصيات التي تحضر من المحافظات العراقية، واتذكر جيدا مجالس المرحوم الشيخ هادي الكربلائي التي يقام في هذا الديون وكذلك الامسيات الادبية، وكان ابي قد تعلم على الحضور الى هذا المجلس من جدي وانا تعلمته من ابي والان ابنائي يحضرون المجالس في الديوان، اي اننا ورثنا الاستفادة منه ابا عن جد".
دور العشائر
من جانبه اكد شيخ عام عشيرة بني اسد في بغداد الشيخ رعد لطيف الخيون ان "ديوان آل كمونة مضى على تأسيسه قرون عدة، وهو يقيم المآتم الحسينية ويقدم التوجيهات الدينية والعشائرية والاخلاقية، ونحن نعلم ان المجالس مدارس وهذا الديوان هو فعلا مدرسة خرجت اجيالا يملكون من الاخلاق الدينية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية الكثير، وهو ديوان عريق وقديم واتمنى من كل ابناء عشيرة بني اسد زيارته والاطلاع على ما قدمه من خدمات للمجتمع الكربلائي خصوصا والعراقي عموما، وما ارتبط بالامام الحسين (عليه السلام) مصباح الهدي وسفينة النجاة لابد ان ينجح ويفلح في مسعاه".
ابناء كربلاء
عبد الحميد ابن شيخ محمد سعيد ابن محمد رضا كمونه هكذا قدم واحد من قدماء زبائن هذا الديوان نفسه ليضيف لوكالة نون الخبرية قائلا انه " من ابناء الاسرة التي اسست هذا الديوان ويتذكر انه منذ كان طفلا كان يحضر بمعية جده وابيه الى هذا الديوان للاستماع للمحاضرات الدينية الحسينية والمجالس والشعائر في محرم وصفر ورمضان في محلة الزينبية التي امتازت بوجود شخصيات وقامات كبيرة مثل الشيخ فخري كمونة والشيخ عبد الحسين كمونة، وكانوا يحضرون في هذا الديوان ليحلوا نزاعات الناس بخبراتهم وحسن تصرفهم، وكانوا في كثير من الاحيان يحلوا نزاعات لمتخاصمين من محافظات اخرى مثل بابل وبغداد والنجف الاشرف، وتعقد جلسات حل النزاعات فتحل ويهتف الجميع بالصلاة على النبي وآله ويتصالح المتخاصمون ويذهبون لزيارة سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين واخيه ابي الفضل العباس (عليهم السلام)".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
أقرأ ايضاً
- توجيه للسوداني قد يجد لها حلا :مناطق البستنة في كربلاء يعجز الجميع عن بناء مدارس لابنائها الطلبة فيها
- آلاف الشركات الوهمية بالعراق مسجلة بأسماء "مغفلين" تهرباً من الضريبة
- جاء من ديترويت الى كربلاء المقدسة.. طبيب اميركي تطوع لعلاج زوار الامام الحسين في الاربعينية