بات التهريب الضريبي في العراق يتخذ أشكالاً عدة، منها تسجيل شركات وهمية بأسماء أشخاص "مغفلين وسذّج" لا علم لهم بما يجري، وبطرق التوائية واحتيالية على مؤسسات الدولة، ما يؤدي الى خسائر فادحة تقدر بمليارات الدولارات سنوياً.
العراق، ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك بعد السعودية، بمتوسط إنتاج يومي 4.6 ملايين برميل في الظروف الطبيعية، ويعتمد على عائدات تصدير الخام لتوفير 90% من المداخيل المالية للدولة، فيما تشكل باقي الايرادات، ومنها الضرائب، نحو 10% من ايرادات الخزينة.
وبيّنت دراسة في جامعة بغداد، مؤخراً، أنه تم قياس الطاقة الضريبة كمتوسط في الفترة بين 2005 - 2020، وتبين أن السياسة الضريبية في العراق تتميز بتدني مستوى أدائها وعدم قابليتها على احداث آليات الإصلاح الضريبية خلال الفترة السابقة.
صندوق النقد الدولي يوجّه مطالب للعراق
توسيع نطاق الوعاء الضريبي، وضبط الأوضاع المالية العامة، وفاتورة أجور القطاع العام، وزيادة الإيرادات غير النفطية، تعد مجموعة من مطالب قدمها صندوق النقد الدولي الى الحكومة العراقية خلال اجتماعات عقدت في العاصمة الاردنية عمّان مع مسؤولين ماليين واقتصاديين عراقيين في شهر شباط الماضي، والتي تهدف إلى إجراء تحقيق استقرار اقتصادي، والابتعاد شيئاً فشيئاً عن الاعتماد شبه المطلق على الايرادات النفطية.
الصندوق، قال إنه ولتجاوز تقلبات أسعار النفط، يجب على العراق تحقيق نمو اقتصادي مرتفع لاستيعاب القوى العاملة المتزايدة، وتعزيز الصادرات غير النفطية وضبط فاتورة الأجور.
لكن، ورغم أن الضرائب تعد واحدة من ممولات الخزينة العراقية، الا أنها لازالت بعيدة عن السيطرة الحكومية وتتعرض لعمليات فساد وتهرب واحتيال، سواء من مسؤولين أو شخصيات متنفذة، وبالتالي يتعرض العراق الى خسائر كبيرة.
ومثّلت قضية الأمانات الضريبية التي تم الكشف عنها نهاية عام 2022، والتي بطلها "نور زهير" وجرى خلالها اختلاس وسرقة أكثر من 5 مليارات دولار، فيما يقول نواب إن المبلغ الكلي قد يصل الى 10 مليارات دولار، ضربة لقطاع الضرائب على المستوى المحلي والدولي.
شركات تلجأ للاحتيال على الدولة
ويقول عضو لجنة الاقتصاد النيابية سوران عمر، "لدينا ملف آلاف الشركات التي لم تقدم الضرائب بعد تراكم عدة سنوات والتي بذمتها مبالغ كبيرة"، موضحاً أن هذه الشركات "تقدم مبالغ متواضعة جداً لأشخاص مغفلين مقابل فتح شركة بأسمائهم، بينما هذا الشخص الساذج لا يعلم بالتفاصيل، من حيث كونه مؤسس شركة أو مدير مفوض ولديه بصمة وتواقيع".
وينوّه عمر الى أن "مبالغ كبيرة بذمة هذه الشركات الاحتيالية، وصدرت أوامر قبض بحقهم، كما قطعوا مفردات البطاقة التموينية على هؤلاء الأشخاص السذج، وعند مراجعته دائرة البطاقة التموينية يشكو من ذلك لكونه فقير الحال، وليس لديه مصدر رزق وراتبه محدود كموظف أو عامل، أو قد يكون بلا عمل".
الجهات الرسمية وبعد استدعاء رؤساء هذه الشركات "السذج" يخبرونه بأنه تاجر ولديه رأس مال كبير وعليه مليارات الدنانير من الضرائب متراكمة، لكنه يستغرب من ذلك، وفقاً لسوران عمر.
ويشير عضو لجنة الاقتصاد النيابية الى أن "هذه الشركات الوهمية تدخل الى مزاد العملة أو تستورد مواد مختلفة، لكنها وهمية وباسم شخص مغفل وعليه قوائم من الضرائب التراكمية"، مبيناً: "لدينا ملفات بخصوص الأشخاص المغفلين".
شركات وهمية بأسماء 5 آلاف شخص من السليمانية
ويضيف أن "نحو 5 الاف شخص فقط في السليمانية وأطرافها تم تسجيل شركات وهمية بأسمائهم، وعليهم ضرائب بمبالغ خيالية، ولم يقدموا ديناراً واحداً الى دوائر الضريبة"، مردفاً أن المحتالين يقنعون الأشخاص "السذج" بمبلغ ربما لا يتجاوز 200 دولار مقابل التوقيع وتقديم أوراقه الرسمية ليتم تسجيل الشركات الوهمية بأسمائهم.
ويلفت سوران عمر الى أن "هنالك من يؤسسون الشركات بهذه الطريقة بأسماء مغفلين، ويدخلون لمزاد العملة وكذلك استيراد مواد بفاتورات مزورة"، مستدركاً أنه "عندما يحين موعد تقديم الضريبة ينادون مدير الشركة، والذي يتفاجأ مما يجري دون علمه".
شركة برأسمال 11 مليار دينار باسم منتسب راتبه 500 ألف
كما يكشف سوران عمر عن أن "رأسمال احدى الشركات 11 مليار دينار، وهي تعمل بكل المجالات، لكنها مسجلة باسم عنصر من البيشمركة لا يتجاوز راتبه 500 ألف دينار"، موضحاً أن "هذا الملف أحيل الى النزاهة، كما أن هنالك شركات يتم تسجيلها بأسماء أشخاص متوفين".
ويتطرق النائب سوران عمر الى وسيلة أخرى من وسائل الاحتيال، بالقول إن "هنالك من يطلبون منهم فتح حساب بمصرف الشرق الاوسط في السليمانية واقناعهم بالاستفادة من مبلغ شهري مقابل تقديم أوراقه الثبوتية وتوقيعه، ويتم فتح حساب باسمه، ومن ثم يقومون بتزوير الأختام والتواقيع لمحامين ويفتحون الشركات بأسمائهم"، مضيفاً أن "الاف الشركات تلجأ الى هذا الأمر لتبيض الأموال وغيرها".
ويبين أيضاً: "عملت على موضوع ضريبة شركات الاتصالات، ولدي ملف بخصوص هذا الموضوع، حيث لم يقدموا الضرائب التي بذمتهم الى الدولة، والتي تقدر بمليارات الدنانير، لذا حوّلت الملف الى وزير الاتصالات".
هدر 26 مليار دولار نتيجة التهرب الضريبي
في السادس من كانون الاول الماضي، عُقدَ مؤتمر "إصلاح النظام الضريبي في العراق" برعاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والذي أعلن خلاله عن هدر بقيمة 26 مليار دولار نتيجة التهرب الضريبي في البلاد.
وقال في كلمةٍ له إن "إجمالي الواردات بحسب بيانات وزارة التخطيط، يؤشر إلى الاستيراد بقيمة 42 مليار دولار من آلات وسلع ومنتجات"، لافتاً إلى أن "بيانات الجهاز المركزي للإحصاء تفيد بوجود واردات بنحو 16 مليار دولار، ما يعني أن 26 مليار دولار لم تخضع للرسوم الكمركية والضريبية".
مؤتمر الإصلاح الضريبي، الذي عقد في كانون الاول الماضي، تمخض عن تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ الإصلاح الضريبي بموجب قرار مجلس الوزراء في الخامس من شباط 2024.
هيئة النزاهة تتحرى عن التهرب الضريبي
لكن هيئة النزاهة، تؤكد أنها تتحرى عن التهريب الضريبي من خلال متابعتها للقضايا المتعلقة بهذا الصدد، حيث يقول مدير المكتب الاعلامي بهيئة النزاهة علي محمد، إن "أي جريمة تعتبر هدراً للمال العام في الدولة، سواء التهرب الضريبي أو غيره، تتحرك الهيئة وتتحرى عنها".
ويؤكد أنه "إذا ثبت هذا الشيء تحيله هيئة النزاهة الى قاضي التحقيق، ومن ثم تتحول الى قضية، وبعدها يتم اتخاذ الاجراء القانوني بحق المخالفين".
بخصوص مصادر تلقي هيئة النزاهة للملفات، يشير علي محمد الى أن "للهيئة عدة منافذ لتلقي الإخبارات بهذا الصدد، منها الخط الساخن والبريد الالكتروني وصندوق الشكاوى أو عن طريق النواب أو عن طريق الرصد الصحفي".
18 دائرة للمنافذ تتابع ملفات التهرب
من جانب آخر، تؤكد هيئة المنافذ الحدودية، أن لديها أكثر من 18 دائرة تتابع هكذا أمور احتيالية، حيث يقول المتحدث الرسمي باسم الهيئة علاء الدين القيسي، إن "الاجراءات المتخذة من قبل هيئة المنافذ الحدودية بهذا الصدد هي أن الهيئة دائماً تؤكد على تدقيق كافة الاجراءات في الدوائر العاملة لديها، والبالغ عددها أكثر من 18 دائرة".
ويوضح القيسي أن "جهود هيئة المنافذ واضحة في الرقابة والاشراف والتدقيق على كافة المعاملات الكمركية والضريبية، وحتى موضوع العجلات دون الموديل والأدوية والمواد الغذائية التي تدخل بيوميات المواطن، وتؤكد الهيئة على تاريخ الانتاج ونفاذية المواد".
وينوّه الى أن "اجراءات الهيئة صارمة بهذا الصدد، وندقق كل ما يصدر من هذه الدوائر وندقق تواريخها وندقق صحة صدورها، لغرض حماية المواطن والمحافظة على أمن وسلامة البلد".
ويشدد القيسي على أن "أي تلكؤ أو أي عملية تزوير لمواد غير صالحة تدخل تحت غير مسمى أو تغيير وصف البضاعة، يتم إحالة جميع الموقوفين أو الدائرة العاملة المسؤولة عن هذا الملف الى القضاء، من خلال اتخاذ الاجراءات القانونية بحقهم ومن ثم إحالتهم الى القضاء".
في العراق، تعد نسبة مساهمة الإيرادات الضريبية في تمويل الموازنة العامة ضعيفة، قياساً بما تسهم به الضريبة في الدول الإقليمية والدول الأخرى.
وكان رئيس هيئة الضرائب العامة علي وعد علاوي، تعهد بالتحرك لمواكبة الأنظمة الضريبية بعد تحقيق الاستقرار الأمني في العراق، مؤكداً أن الهيئة تمكنت من تحقيق نسب نمو عالية في الإيرادات الضريبية. ففي الربع الأول من عام 2023 تمكنت الهيئة من تحقيق نسبة نمو بلغت 149%، وأيضاً زيادة النمو في إيرادات العقارات في بغداد والمحافظات بما يقارب 75% مقارنة بالعام الذي سبقه.
المصدر: رووداو ديجيتال + المراصد
أقرأ ايضاً
- الصناعة الوطنية بالعراق بين الاهمال و التهميش المقصود و منافسة المستورد
- تحقيق :الاعتداء على الكوادر التدريسية بالعراق ظاهرة مريبة ومؤشر خطير
- تقرير:عالم صناعة (الكعك) بالعراق واسرار المهنة وتنافس ازلي على الجودة بين اصحاب الحرفة