في مطلع السبعينات كانوا اطفالا يصطحبهم ابائهم الى العزاء الحسيني في الصحن المقدس ارتدوا السواد، وشاركوا في ركضة طويريج، وشاهدوا اعتقال المشاركين، واحيوا الشعائر باصرار رغم الخوف والبطش الصدامي، ولم يخافوا او ينثنوا، فاصبحوا خداما يعملون مع صليل سيوف الطف على رؤوسهم، ليتحولوا الان الى هيئة تقدم مختلف انواع الخدمات للزائرين وتطعم حوالي (45) الف زائر سنويا.
يبين مسؤول الهيئة السيد "رضا الموسوي" المولود في العام (1966) لوكالة نون الخبرية بشرح يفصل فيه اهم ما تقدمه الهيئة خلال المناسبات الخاصة بأئمة (عليهم السلام) بالقول "بحكم كوننا من اهالي كربلاء المقدسة ولنا قرب السكن عند ضريح أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وفي زمن حكم النظام المباد كانت مجالسنا تقام في البيوت وبشكل ضيق وبدعوات لاشخاص محدودين بشكل يشبه اقامة "الوليمة" وبحرص شديد، لان المنع والتضييق والاجراءات التعسفية هي الحاكمة حينها، ومنذ طفولتي كان والدي يصر على اصطحابي انا واخوتي الاكبر سنا مني معه الى العتبتين المقدستين، وخاصة في شهر محرم حيث نحرص كثيرا على المشاركة في اقامة العزاء في الصحن الحسيني، وكذلك نقيمه في بيتنا، ويفعل اعمامي مع اولادهم نفس الشيء، واخبرنا ان جدي كان يفعل نفس الامر معه ومع اعمامي، وبالرغم من المخاطر التي طالت كثير من العائلات الكربلائية التي تقيم مجالس العزاء واللطم تقديم الطعام وما تسبب لهم من مداهمات من قبل جلاوزة النظام البعثي المباد واعتقالات وحبس مشدد، بل وصل الامر الى اعدام الكثير منهم، لكن التضحية على طريق الامام الحسين (عليه السلام) لم تردعنا بل اعطنا حافزا للاستمرار بالسير في هذا الطريق والعمل بنهج التضحية الحسيني".
واضاف الموسوي اننا" نقيم مختلف انواع الشعائر من بعد صلاة الفجر ونتنقل في المجالس من بيت المرحوم "جعفر ابو لحية" ومن بعده في بيت "سيد علي الصايغ" ومن ثم في بيت "سيد اسماعيل" لغاية الساعة التاسعة صباحا، وتنقلنا يكون في مناطق باب الطاق والجمعية وحي الموظفين، وهناك بيوت اخرى تقيم مجالس العزاء لكن الوقت لا يسعفنا بالحضور، ويقتصر اعداد الطعام للمشاركين في العزاء داخل البيت الذين تتراوح اعدادهم من (50 ــ 100) مشارك دون توزيع علني او للخارج، ويبقى داخل ابواب مغلقة حتى لا تكشف عيون النظام القمعي مكان اقامة العزاء، وهذا زرع في نفوسنا ان الامام الحسين (عليه السلام) هو قدوتنا ويبقى امامنا ضد كل ظلم وارهاب، وعرفنا بيقين اين يقف الحسين واين يقف معسكر يزيد اللعين واتباعه ومن يحارب الحسين واتباعه، وكانت طفولتنا وصبانا وشبابنا في ملحمة الطف الخالدة وعشنا ارهاصاتها، وشاركنا في عزاء طويريج المميز فنصلي عند "الكنطرة" ونركض مع المعزين من مختلف الاعمار، ونشارك والمواكب التي تطوف كربلاء المقدسة، وكنا نشاهد بم اعيينا كيف يقوم عناصر الامن الصدامي بايقاف عجلات الاسعاف لاعتقال الشباب واخذهم بها الى دوائر الامن، ورغم ذلك كان الاصرار يزيد الاعداد المشاركة ولا ينقصها، وكثيرا ما اعتقل شاب فجاء اخوه ليشارك في العزاء بمجرد سماعه بخبر اعتقال اخيه، لان هذه الركضة تولد ثورة في نفس المشارك".
ولفت الى ان" بيوت الكربلائيين بأجمعها تصبح مجالس عزاء ولا يخلوا بيتا واحدا من اقامة العزاء الرجالي او النسوي، وكانت فترات الصباح والليل محددة لفعاليات الرجال العزائية، اما من الساعة العاشرة صباحا الى قبل حلول المغرب فكانت النساء كخلايا النحل تتنقل بين البيوت للمشاركة في العزاء الحسيني مع مشاركتها في خدمة المجالس من اعداد الطعام وغيرها، وبعد ان زال النظام الدكتاتوري وانفرجت الامور كنا في منطقة "باب الطاق"، فاجتمعنا وتداولنا في كيفية توسيع احياء الشعائر من جهة وتقديم الخدمة من جهة اخرى لا سيما اننا شاهدنا دخول الملايين الى كربلاء المقدسة لاحياء الشعائر لان سقوط النظام المباد تزامن مع قرب الزيارة الاربعينية، وكانت المجالس موزعة في بيتي وبيوت "حجي علاء" و"علي كليجة" و"سيد علي"، فقررنا تشكيل الهيئة وتقديم الخدمة بشكل جماعي، فخرجنا الى الشارع والعمل بشكل علني واستمرينا منذ (20) عاما بالخدمة، فنقيم صباحا مجلس عزاء ومحاضرة دينية في الهيئة قرب صحن العقيلة زينب (عليها السلام)، ويتميز بحضور كبار السن من اهل المنطقة ونقدم الفطور الصباحي حوالي (500) وجبة مع الشاي والماء، ثم نسير موكب الزنجيل انطلاقا من مقر الهيئة الى صحن ابي الفضل العباس (عليه السلام)، ثم نختم المسيرة في صحن الامام الحسين (عليه السلام)، ثم يعود اعضاء الموكب ليتحولوا الى خدمة لتوزيع طعام الغداء "التمن والقيمة" على اهالي كربلاء المقدسة والزائرين العراقيين والعرب والاجانب ونطبخ (5) اكياس رز، ونطعم خلالها (5000) شخص في وجبة واحدة يوميا".
ونوه الموسوي الى ان " الهيئة تقدم ايضا طعام العشاء "تمن ودجاج"، ونقيم ممارسة اصحاب الحسين وهي عرض تمثيلي على شكل دراما و" تجسيد لما حصل من حوار بين السيدة زينب والامام الحسين (عليهما السلام) عن اختبار اصحابه قبل وقوع المعركة، ودرجت العادة على تكفل مواكب وهيئات كربلاء بإقامة العزاء في العشرة الاولى من محرم ومعها في الثالث عشر منه "دفن الاجساد"، ايضا والخامس والعشرون من المحرم في استشهاد الامام زين العابدين (عليه السلام)، وفي هذه الايام تقيم كل محافظة عزائها في محافظاتها، ثم تصبح في الاربعينية العزاء والخدمة لجميع المحافظات على طرقات سير الزائرين وفي مدينة كربلاء وتتفرغ هيئات ومواكب كربلاء للخدمة الحسينية فقط، وتطعم هيئة بطلة كربلاء خلال احيائها للشعائر من الاول من شهر محرم الى الثالث والعشرون من شهر صفر حوالي (43) الف زائر".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- يجريها فريق طبي عالمي مكون من (24) متخصص.. قلب الطفل "ايمن" من كركوك يعالج في مستشفى زين العابدين الجراحي
- اسكنوا اعداد اضافية وقدموا خدمات :اصحاب فناق سوريون يثمنون مبادرات العتبة الحسينية ويتعاونون معها
- الفساد يقضي على هور الصليبيات جنوبي العراق