كان آخر ما سمعته (حسنة علي يحيى حسين) عن زوجها، هو الانفجار المدمر الذي عصف بقوة بهواء الصحراء البارد في ليل العراق.
وكانت منكمشة على نفسها مرتعدة في الرمال على مسافة مئتي متر، حين سمعت قوات المغاوير الاميركية والعراقية تطبق على البيت، الذي كان زوجها مختبئا في قبوه.
وكان زوجها ابو ايوب المصري، وهو زعماء تنظيم القاعدة في العراق والمسؤول عن اثارة الحرب الطائفية في العراق لثلاث سنوات، قد ايقن انه احيط به. وفي الحقيقة فانه استعد لما سيحدث لاحقا عندما يقتحم الاميركان الابواب.
ووصل الانفجار الذي دوى في البيت الى الخندق الرملي الذي كانت السيدة حسنة واطفالها يرتعشون فيه ويشهدون موت المصري اذ نُسِفَ نسفا كاملا باداة تفجير انتحاري.
لكنه لم يكن لوحده في تلك اللحظة، بل قُتِلَ معه رجل آخر. والرجل هو ابو عمر البغدادي وهو الاخر شخصية رئيسية في القاعدة.
وما ان انحسرت موجة دخان الانفجار حتى كانت زوجة البغدادي (وضحة الجاسم) واطفالها يُنقلون على مروحيات الى عالم يصبح اكثر غرابة ورعبا مع كل يوم يمر.
وبعد ثلاثة شهور على تلك الليلة تم ايصال السيدة حسنة زوجة المصري الى بناية آمنة في قلب بغداد لمقابلة مع الغارديان. ومنذ موت زوجها، الذي اعلنه نائب الرئيس الاميركي جو بايدن بوصفه انتصارا وضربة شلت القاعدة، والسيدة حسنة تشعر بالضياع لكنها بقيت حذرة.وقالت لمراسل الغارديان \"انت اول رجل اتكلم معه بارادتي على انفراد منذ سبع سنوات عدا زوجي وابي\". وكشف وجهها غير المغطى عن نظارات على هيئة قاعدة قنينة الكولا وعن خدود كانها احترقت. وكانت السيدة اليمنية الصغيرة البنية امضت خمس سنوات تنتقل من بيت آمن الى آخر تلبية لطلبات زوجها، مع اطفالهما الثلاثة. وقامت بتربية الاطفال لوحدها وهم يشاركوها الان الزنزانة في سجنها في العاصمة بغداد. لكنهم قريبا سيُأخذون منها ليكونوا تحت الوصاية وهو امر لم يعتادوه. اما مصيرها فيبدو اكثر غموضا.
وتقول فيما دموعها تتدفق مقدمة رؤيةً نادرة كزوجة لرجل ارهابي \"انا لم يكن لدي خيارات في زواجي. ولقد ربيت اطفالي في الطارمية والموصل (منطقتان حاضنتان للتمرد)، بل اني لم اكن معه في البيت فقد كنت في الطابق الاول وكان هو في القبو\". وتضيف \"لم يكن يُسمح لي بالتكلم عبر الهاتف او سماع الموسيقى او مشاهدة التلفزيون. وكان هناك جهاز تلفاز واحد في البيت في غرفة خاصة يستخدمه زوجي فقط ومجموعته\".
وتدعي (السيدة حسنة علي حسين) انها لم تكن على علم بانشطة زوجها. لكنها ومنذ عام 2004 كانت تشعر انه انخرط في قتال الاميركان. وتقول \"لقد كنا وقتها في الفلوجة حين بدأ القتال اول مرة في تلك السنة وحينها بدأت الشكوك تساورني حول زوجي. وبعدها اعتقدت انه من المحتمل ان يكون مشاركا في قتال الاميركان\". وتقول انها دعمت فكرة الجهاد العنفي ضد جيش محتل.
وتضيف \"لكن عندما اخبروني خلال الاستجوابات في الشهر الماضي انه قد اشترك في قتل اناس ابرياء، كان ابني يصرخ قائلا: امي امي اصغي لما يقولون عنه، ان ذلك مستحيل\".
وتقول \"انا سأفقد اطفالي قريبا، ولأي سبب؟ وما الذي فعلته انا، وما الذي سيقوم به اولادي ليستأنفوا حياتهم من دون ام؟ ان كل ما اريده هو اعادتهم الى أبي في اليمن ونسيان العراق. نعم انا نادمة بالطبع انا اشعر بالندم\".
وفي العراق نادرا ما تسجن النساء لكن ان حصل ذلك، فان هناك القليل من الضمانات القانونية لهن. وتبدو فرضية البراءة، وهي امر لا يشكل دائما حجر الزاوية في النظام القضائي العراقي، غير واردة في عقيدة النساء الاربعمائة المسجونات في انحاء البلاد كافة. واولئك المرتبطات بجرائم ارهاب ليس لهن ضمانات قانونية ويبدو ان هناك اهتماما بسيطا بالتفريق بين افعال الزوجات وافعال ازواجهن من الارهابيين. والمسؤولون في البناية يؤكدون وببساطة ان المرأتين من المحتمل ان تواجها حكما بالاعدام بعد ما جرى في عملية التحقيق.
من جهتها، تقول زوجة البغدادي المسجونة مع السيدة حسنة زوجة المصري لصحيفة الغارديان انها احست ان زوجها قد تحول الى اكثر من ذلك التقي الفقير الذي اجبرت على الزواج به في بغداد. وتقول بحذر \"عرفت انه كان امير الدولة الإسلامية في العراق\". وبقي وجهها المنفوخ غير مغطّى أيضاً فيما كانت تلخص حياتها هاربة مفتقرة لجميع سبل المساعدة التي يمكن ان تنقذها من مأزقها.وقالت \"كنت ساتعرض للقتل انا واطفالي اذا حاولت القيام بشيء\". واضافت \"الاميركان والقوات العراقية والقاعدة كلهم يريدون قتلي ان هم تمكنوا من ذلك\". ومضت تقول ان \"اي شخص يفكر بترك هذا (العالم) سيعدم على الفور والنساء تُعدمْ هنا اذا قمن بالشكوى\".
ومع نهاية عام 2006 بدأت السيدة وضحة الجاسم تعتقد ان زوجها اصبح مركز العنف في العراق الذي انتشر وبات من غير الممكن السيطرة عليه.
وتقول \"لقد كان سائق سيارة اجرة قبل ذلك الوقت وعشنا في بغداد. لكننا انتقلنا للمناطق الملتهبة مثل الفلوجة وحديثة. وكانت ثلاث سنوات ونصف من الحياة القاسية جدا\". وتضيف \"لم يكن يصغي الى اي شخص وحتى زوجته\". وتضيف \"كان ينجز اعماله الخاصة به وكنت اقوم بتربية الاطفال واقوم باعداد الطعام\"، مؤكدة انها لم تغادر منزلها حتى قبل تسعة اشهر من الهجوم الذي قتل فيه زوجها.
وكلتا السيدتين عاشتا حياة عنيفة تشكلت من نظرة للعالم تقوم على ان المرتدين يستحقون الذبح لانهم لم يلتزموا بالتفسير الحرفي للقرآن وكونه مخططا مفصلا للحياة لاجدال فيه.
وظهر اصحاب هذه النظرة بكونهم يلتزمون بالنسخة السلفية الصارمة من الاسلام السني التي تتجنب كل البهارج الغربية. لكن كانت هناك بعض التنازلات لحساب العالم الحديث. وتقول السيدة حسنة \"كان هناك تلفاز وحاسوب في البيت. لكن لم يكن يسمح لي بمشاهدته وكان مستوى الصوت منخفضا عند سماع نشرات الاخبار بسبب مخاطر الاستماع الى موسيقى غير اسلامية\".
وعلى الرغم من البداية المشتركة، فان الزوجين (ابو ايوب المصري وابو عمر البغدادي) تدرجا في مراتب التمرد ومن المفترض ان لهما اليد الطولى في معظم الفوضى في بلاد ما بين النهرين منذ منتصف عام 2006. وكانا من اكثر المطلوبين في العالم بعد قيادة القاعدة في افغانستان. ويقول المحققون الاميركان ان هناك ادلة على صلات مباشرة بين هذين الرجلين واسامة بن لادن ونائبه في جنوب آسيا تم اكتشافها في الاقراص الصلبة للحواسيب التي صودرت من المنزل الذي شهد مصرع زعيمي القاعدة.
اما المحققون العراقيون والجهات القضائية فيحاولون سلوك مسلك اشد، مفسرين صمت الزوجتين بانه تواطؤ مع التمرد الارهابي الذي يشكل تهديدا مدمرا للأمن الهش في العراق.
وكلتا المرأتين عينت محاميا خاصا بها، وحتى الان فقد التقت كل منهما محاميها مرة واحدة فقط. والسيدة حسنة معها اطفالها الثلاثة محمد وماريان وفاطمة في زنزانتها والذين سيؤخذون منها قريبا.
تقول وهي تبكي بهدوء \"انا فقط اريد العودة الى اليمن لرؤية عائلتي، لكنهم يقولون باني يمكن ان ابقى هنا لعشرين سنة. واذا كان زوجي حقا شخصا يقتل النساء والاطفال فان ندمي عظيم. ولكن اطفالي كيف اعيش بدونهم؟\".
اما زوجة ابو عمر البغدادي فكانت اكثر توردا واستسلاما لمصيرها. وتقول \"انا عراقية واعرف مثل هذه الامور هنا. فمنذ تزوجت وانا اعيش حياة قاسية. وكانت حياتي كلها تهربا وضنكا. انا متعبة وحزينة على ما انتهت اليه حياتي. اما على زوجي فلست حزينة على الاطلاق\".
ترجمة عبد علي سلمان
عن الغارديان البريطانية
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- بركات الامام الحسين وصلت الى غزة ولبنان :العتبة الحسينية مثلت العراق انسانيا(تقرير مصور)
- القائم بالاعمال السفارة العراقية في سوريا: جوازات مرور وسمات دخول واقامات قدمها العراق الى مواطنيه وضيوفه