- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
قيم الحق في النهضة الحسينية / الجزء الثالث
بقلم: عبود مزهر الكرخي
يقول مبينا الأكرم محمد(ص): { إذا رأيتـم معاويـة على منبري فاقتلوه وأطال في ذلك وأمر أن يقال ذلك في البلاد ولعن معاوية على المنابر }.(1)
هذا الحديث الشريف لنبينا الأكرم محمد(ص) وهو حديث مسند ومن قبل كل الفرقاء ولكن تم التعتيم عليه والمصادر التي ذكرتها في أسفل المقال تشير على صحته ولكن من الذين لديهم اهواء أموية قد بدلوا متن الحديث من أمثال الذهبي حيث قالوا (ذا رأيتم فلانا يخطب على منبري فأقتلوه).(2)
وحتى الذهبي الذي حاول حرف الحديث ليصف الشيخ الصدوق بأنه " من غلاة الشيعة ورؤوس البدع لكنه صادق الحديث"(3).
يعني الحديث صحيح. لقد حاول البعض من القوم تحريف الحديث ولكن رد عليهم بني جلدتهم قبل غيرهم قال ابن جوزي في الموضوعات: وقد تحذلق قوم لينفوا عن معاوية ما قذف به (أقول: لقد ظهر صحة هذا الحديث مما مضى وأن من رواه لم يقذف معاوية) في هذا الحديث ثم انقسموا قسمين, فمنهم من غير لفظ الحديث وزاد فيه ومنهم من صرفه إلى غيره.. ولها فهو حديث صحيح ومسند وهو يبين ان الخلافة والحكم لمعاوية وآل أبي سفيان محرمة جملة وتفصيلاً وهذا ما امرنا به الرسول الأعظم محمد(ص) وهو أمر آلهي ان لا ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى وامتثالاً لقول الله سبحانه في محكم كتابه حيث يقول {... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.(4)
ومن هنا كن التكليف الشرعي للأمام الحسين(ع) وبحكم أنه أمام زمانه هو الأمين على الرسالة المحمدية ان يقوم بهذه النهضة ليجتث كل بؤر الباطل والظلم ويرفض مهادنة أي نوع من أنواع الباطل والظالمين ولهذا كان من ضرورة النهضة هو تبيان انحراف سلطة معاوية عن مسار الإسلام الصحيح، ولهذا كان يستدعي النهضة لتصحيح المسار لعدة أسباب وأمور لامجال لبحثنا ان نتعمق فيها ولكن فقط ذكر أسم معاوية كحاكم كانت كل مرتكزات حكمه قائمة على الظلم والجور وقتل خيرة الصحابة واخذ البيعة بالإكراه ليزيد وحتى كان يسم خصومه بالعسل للتخلص منهم وهو صاحب مقولة (أن لله جنوداً من عسل)(5)، المعروفة وفيها قتل الصحابي الجليل مالك الأشتر بدس السم له. وقاتل حجر بن عدي وعبد الرحمن بن ابي بكر وخيرة الصحابة.
"ونتيجة لكل ذلك نجد أنّ الحسين عليه السلام كان يشعر بضرورة الخروج والثورة على سلطان معاوية والحكم الأموي المنحرف عن خط الإسلام ونواميس الحق والعدل، لولا التزامه وتقيّده بتنفيذ صلح أخيه الحسن عليه السلام، ورعايته للعهد الذي أعطاه أخوه الحسن عليه السلام لمعاوية ضمن شروط منها أن لا يخرج عليه لا هو ولا أحد من أهل بيته مادام حيا، وفي نفس الوقت كان ينتظر تفاقم النقمة العامة على معاوية وعلى الأمويين بصورة عامة لتكون الثورة أكثر شمولاً وأقرب إلى فرص النجاح، وهكذا كان.
فان نبأ هلاك معاوية كان أعظم بشارة تلقاها العالم الإسلامي بالفرح والسرور، وشعروا بأن كابوسا خانقا قد زال عن صدورهم حتى قال يزيد ابن مسعود مبشرا بموته « إن معاوية مات فأهون به واللّه هالكا ومفقودا، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الجور... »(6). وقال الحسن البصري: « أربع خصال كنّ في معاوية، لو لم يكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت مُوبقة: انتزاؤه على هذه الأمّة بالسفهاء حتى ابتزّها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصّحابة وذو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكّيرا خمّيرا، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادّعاؤه زيادا، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: الولد للفراش، وللعاهر الحجَرُ، وقتلهُ حُجْرا، ويْلاً له من حُجْر! مرّتين » (7)".(8)
وهذا يعطي جواب لكل من الكتاب الذين يجادلون في أن الإمام الحسين(ع) لماذا لم يخرج على معاوية كما فعل مع يزيد(عليه لعائن الله)ولكن صلح الحسن أخر القيام بالنهضة المباركة للإمام الحسين(ع)وانتظار الظروف الممهدة للقيام بنهضته. وللدلالة على سمو ورفعة الامام الحسين(ع) ورفعته نذكر هذه الحادثة التي يشهد بجلال وقدر ابي عد الله روحي له الفداء حيث تقول الروايات "وقد حاول يزيد أن يستفزّ والده ويحرشه لاتخاذ موقف قاس من الإمام عليه السلام أو يرد عليه برسالة استنقاص فأجاب معاوية ما عسيت أن أعيب حسيناً والله ما أرى للعيب فيه موضعاً"(9).
ومن هنا كانت عاشوراء تحمل كمال الأخلاص والوفاء للإسلام والحق والامامة العادلة المتمثلة في الحسين(ع) كانت تحمل النصرة لله في أنصاره ونصرة للإسلام ونصرة للنبوة والامامة والخلافة الشرعية. ولهذا كان انصار الامام الحسين خير الانصار وخير الاصحاب والصفوة كما وصفهم هو (عليه السلام) وقال فيهم «إن أصحابي خير الأصحاب. وما رأيت أصحاباً أبر ولا أوفى من أصحابي أنهم يستأنسون بالمنية استئناس الطفل بمحالب أمه» وكان أصعب منظر حينما رآهم نياماً شهداء حيث يعبر عن لسانه الشاعر العربي بقوله:
احباي لو غير الحمام أصابكم*** إلى الله اشكو لا إلى الناس اشتكي
عتبتُ ولكن لا على الموت معتب*** أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهـب.(10)
كذلك قال صاحب كتاب «الامام الحسين في حلّة البرفير» الاستاذ سليمان كتاني «ما أروع الحسين يجمع عمره كله ويربطه بفيض من معاناته ويجمعه إلى ذاته جمعاً معمقاً بالحسّ والفهم والأدراك. فإذا هو كله تعبير عن ملحمة قائمة بذاتها صمّم لها التصميم المنبثق مع واقع إنساني عاشه وعاناه وغرق فيه. إن الملحمة التي قدمها على خشبة المسرح في كربلاء هي الصنيع الملحمي الكبير، ما أظن هوميروس تمكن من تجميع مثله في الياذته الشهيرة»(11)
كذلك قال هربرت سبنسر: «إن أرقى ما يأمل الوصول إليه الرجال الصالحون هو المشاركة في صناعة الإنسان الآدمي، أي: الاشتراك في خلق جيل صالح، بين مدرسة الحسين ليست فقط مدرسة تنبذ المذنبين ولا يمكن لها أن تكون من صانعيهم، بل إنها مدرسة لا تكتفي بكونها تسعى لخلق جيل صالح، أنها مدرسة لتخريج المصلحين»(12).
وهذا هو الأمام الحسين(ع) قد خلق مدرسة كاملة هي مدرسة الحق ضد الباطل وانتصار المظلوم على الظالم وانتصار الدم على السيف والخير على الشر فكانت مدرسة إنسانية قد تجمع فيها خيرة خلق الله بعد نبينا الأكرم محمد(ص) والأمام علي وفاطمة الزهراء والحسن(عليهم السلام) وكان خير خلق الله من حيث الحسين وأهل بيته وفي مقدمتهم أخيه أبي الفضل العباس(ع) وخيرة النساء من ناحية الحوراء زينب(ع) واهل بيته وأصحابه المنتجبين فكانوا يمثلون معسكر النور والحق ضد معسكر الظلام والكفر والطغيان ليؤسس فكر إنساني عظيم وليشكل رافد مهم وعظيم في بناء الحضارة الإنسانية والتي كان سفك الدم الطاهر لأبي عبد الله الحسين ومعه الثلة المؤمنة هي من اهم اللبنات الأساسية في بناء الإنسان وإصلاحه ومنع الانحراف بالدين المحمدي ووقوعه في حبائل الشرك والكفر والعودة إلى الجاهلية الأولى وامتهان الكرامة الإنسانية بكافة اشكالها وصورها في عهد الجاهلية الأولى.
وجاء حديث الأمام الحسين(ع) في وصف الحاكم الجائر والظالم حيث يقول: أيها الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال «من رأى سلطاناً جائرًا مستحلاً لحرم الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالأثم والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود وأستأثروا بالفئ وأحلوا حرام الله وحرقوا حلاله...»(13).
واستطاع الإمام الحسين (عليه السلام) أن يوقظ الضمير الإنساني ويؤثر فيه باتجاه القيم الحقة، والانتصار لها، وتحقيقها على أرض الواقع، كونها لم تحدّد بدين أو مذهب أو قومية معيّنة، بل كانت للإنسانية جمعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ الطبري - تاريخ الطبري - الجزء: (8) - رقم الصفحة: (186)الذهبي - ميزان الإعتدال - الجزء: (1 و
2) - رقم الصفحة: (571 و 613). البلاذري ((أنساب الأشراف 3: 121 في ترجمة معاوية). ورواه الكثير من الرواة والمصادر من اهل الجماعة. حديث يونس (العلل 2: 414) ورواه محمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) بطريق شريك عن إسماعيل عن الحسن البصري (مناقب أمير المؤمنين: 305).
2 ـ الذهبي (سير أعلام النبلاء 4: 76 ترجمة معاوية)
3 ـ ميزان الاعتدال 2: 379.
4 ـ [الحشر: 7].
5 ـ لبداية والنهاية ـ الجزء السابع. أبن كثير. فصل قتال علي رضي الله عنه لأهل النهروان سنة ثمان وثلاثين.
6 ـ مثير الأحزان: 17، لواعج الأشجان: 40، اللهوف: 26.
7 ـ تاريخ الطبري 6: 140، حوادث سنة احدى وخمسين.
8 ـ كتاب أبعاد النهضة الحسينية. عباس الذهبي. دار الرسالة، سلسلة المعارف الإسلامية(28) شبكة الحسنين ص81 ـ 82.
9 ـ كتاب أبو الشهداء: الحسين بن علي .،عباس محمود العقاد ص 14. بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج44، ص214. المجالس السنية ـ الجزء الأول، المجلس السادس عشر. نتائج البحث. كتاب الاحتجاج (ج2) للشيخ الطبرسي (ص 22).
10 ـ من مقال الفكر العاشورائي وثقافته وأثرهما في تفجير الصحوات الإسلامية. دراسة بحثية في جذور الصحوات وتأثرها بالفكر والثقافة العاشورائية. ثانياً: الفكر العاشورائي متجذر في الوجدان العقائدي والإنساني. موقع جهاني تقريب مذاهب إسلامي.
11 ـ كتاب الإمام الحسين فی حِلَّة البرفير.سليمان كتَّاني. ص 152 – 153.
12 ـ ابو الشهداء الحسين ـ العقاد ص 36. عن الملحمة الحسينية هربرت سينر ـ 32 – ص 66.
13 ـ ابو الشهداء الحسين مصدر سابق ص 273.عن الكامل في التاريخ 3/ 323 – 324.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول