- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل يستخدم الاستفتاء لتحميل العراق ديون كردستان المهولة؟
بقلم:صائب خليل
سبق أن ذكرنا في مقالات عديدة أن خير ما يشرح العلاقة بين بغداد وكردستان هو أنها سلسلة من حلقات "كالبريث" تتوالى مع الزمن، وتدفع كل حلقة بتلك العلاقة إلى المزيد من الابتزاز، لتكون منطلقاً للحلقة التالية التي ترفع الابتزاز إلى مرحلة أعلى وهكذا.
وتتكون كل حلقة من حلقات كالبريث من جزئين مميزين، أولهما يمثل اختلاق "أزمة" ويمثل الثاني "حلها" بشكل يضمن ابتزازاً جديداً وعلى مستوى أعلى من السابق، لتحويل ثروات الشعب العراقي الى قادة كردستان ومن يقف وراءهم. وقد شرح كالبريث خطته تلك في كتابه "نهاية العراق".
.
إن حللنا "ازمة" الاستفتاء وما تلاها من مؤشرات على ضوء هذه الاستراتيجية، فعلينا أن ننتظر كارثة ابتزازية جديدة يتم الإعداد لها، ولم تتضح تفاصيلها بعد. ومن المتوقع، في ظل حكومة تم اختيارها من قبل كردستان وأميركا على بغداد، ومن خلال حجم الجهد المميز لهذه "الأزمة" أن يكون الحل "الكالبريثي" بحجم مناسب، وكارثي على العراق. ومن الاحتمالات الممكنة احتمال أن يكون هدف الخطة القاء الديون الكردستانية الهائلة، على عاتق الشعب العراقي!
.
ويمكننا تقسيم الديون الكردستانية إلى ثلاثة اقسام.
الأول هو: الديون المتفرقة الحديثة التي أعلن عنها مؤخراً والتي تجمعت منذ سنة 2014 وحتى اليوم، والتي ننشر تفاصيلها ادناه.
والثاني هو: المبالغ المترتبة على ذمة الإقليم لنقص تسليم النفط لسنتي 2013 و2014.
والثالث، وهو الأكثر غرابة، عبارة عن مدفوعات قدمتها الجهات الحكومية المختلفة لكردستان زيادة عن حصتها، وتجمعت منذ عام 2005 وحتى الآن وقد أعلن عنها ديوان الرقابة المالية في تقريرين كشفتهما للعلن النائب حنان الفتلاوي(1).
ويبلغ مجموع هذه الديون الكلي حوالي 65 مليار دولار، وهي المبالغ الرسمية المعترف بها فقط، بعيدا عن ابتزاز الـ 17% وتهريب النفط ومبالغ الكمارك وغيرها، وما قد يكشف عنه مستقبلاً.
.
دعونا نلقي نظرة على تلك الديون، ولنبدأ بالديون الحديثة الخاصة بالجزء الأول.
القسم الأول: ديون كردستان الحديثة المتفرقة
الديون ادناه لا تشمل ديون الحكومة الاتحادية على الاقليم نتيجة تهريبه النفط قبل وبعد اكمال خط التصدير، إنما هي ديون لسنتي 2014 و2015، والمتعلقة فقط بالنقاط المبينة إزاءها، (الأرقام بـ "المليون دولار"):
5790 مبالغ تعود للبنك المركزي في كردستان في 2014
1790 اقترضتها حكومة الاقليم من البنوك المملوكة للإقليم في 2014
1489 اخذتها حكومة الاقليم من البنوك الاهلية في كردستان
1150 قروض من الحكومة التركية
1400 مبالغ مستحقة للمقاولين في كردستان
3700 مبالغ مستحقة للبيشمركة و الموظفين لنهاية 2015
250 مبالغ مستحقة عن معدات مشتراة من قبل حكومة الاقليم
2000 استحقاقات متأخرة لشركة “كار” النفطية الكردية
800 استحقاقات شركة ماس “كلوبال”
600 ديون لشركة “قيوان”
600 ديون لشركات و تجار مختلفين في كردستان
1100 صكوك لمقاولين و تجار بدون رصيد
1000 ديون الى شركة “دي ان او” النرويجية لنهاية 2015 عن نفط الربح في عقود المشاركة
900 ديون لشركة “جنيل انيرجي” عن نفط الربح في عقود المشاركة
200 ديون لشركة “كيستون لنفس” عن نفط الربح في عقود المشاركة
1700 ديون لشركات التجارة النفطية العالمية كدفوعات مسبقة
2080 خسارة التحكيم امام شركة “دانه كاز” في نهاية 2015
ـــــــــــــــــــــــــــ
26,540 مليار دولار المجموع الكلي للديون اعلاه لنهاية 2015.
.
وازدادت الديون في سنتي 2016 و2017 كما يلي:
* ازداد دين شركة دانا غاز الى 3080 مليون دولار إثر الاتفاق معها الشهر الماضي.
* ديون الموظفين والبيشمركه المتأخرة لسنتي 2016 و2017 وتصل الى الضعف عن السابقة.
* ازدادت ديون المقاولين والتجار ايضا الى اكثر من الضعف.
* أجرت حكومة الاقليم تسوية لديون شركتي “دي ان او” و “جنيل انيرجي”، بأن الغيت الديون مقابل تنازل الإقليم عن كل حصته في أسهم الشركتين والبالغة 20% في كل شركة إضافة إلى زيادة حصة الشركتين في الارباح.
وإذا قمنا باحتساب زيادات الديون لنهاية 2016 ستصل الى 32 مليار دولار، وسوف تصل الى أكثر من 35 مليار دولار إن حسبناها إلى هذا اليوم. (الأستاذ فؤاد الأمير في مراسلة خاصة).
القسم الثاني من الديون:
ويمثل المبالغ المترتبة على ذمة الإقليم لسنتي 2013 و2014، والتي استلم فيها الإقليم حصته دون ان يسلم من النفط المطلوب منه والمتفق عليه معه بالنسبة لعام 2013 إلا جزءاً ضئيلا (6 ملايين برميل من أصل 64 مليون برميل) ولم يسلم أي برميل إطلاقاً عام 2014، وكان المالكي قد سلم كردستان "مستحقاتها" لمدة شهرين دون مقابل نفطي، واحتسبت مبالغ النفط غير المستلمة "ديوناً" عليها. وقد حسب الأستاذ فؤاد الأمير تلك المبالغ حسب أسعار النفط في وقتها فكان المجموع بحدود 11,25 مليار دولار.
.
القسم الثالث من الديون:
ويتكون من المبالغ التي كان قد أعلنها ديوان الرقابة المالية في تقريرين رسميين (5445 صادر في 26 آذار 2014، و13510 في 17 تموز 2014) وملخصهما أن في ذمة الإقليم مبالغ للحكومة الاتحادية كانت قد صرفت زيادة عن حصة الإقليم من قبل جهات مختلفة، تابعة للحكومة الاتحادية، زيادة عن حصته المخصصة في الموازنة... بسبب "خطأ" بعض الوزارات (أو تعمدها!).
وتوزعت هذه "الأخطاء" على بنود: الحصة التموينية، مخصصات الأدوية، مخصصات استيراد الطاقة الكهربائية، التعداد السكاني، دعم المزارعين، شراء الحنطة والشلب، الرعاية الاجتماعية، إزالة الألغام، الحج، استيراد الوقود للمحطات، حل نزاعات الملكية، واستيراد الوقود.
وبلغت المبالغ المتجمعة منذ 2005 ولنهاية 2012 فقط، 21 ترليون و309 مليار دينار، أي حوالي 18,5 مليار دولار.
.
وشرحت النائب حنان الفتلاوي، التي كشفت تلك المبالغ علناً لأول مرة، كيف حصلت هذه "الأخطاء" فقالت: "في كل من هذه البنود يشير تقرير ديوان الرقابة المالية إلى أن المبلغ المصروف فعلياً لكردستان كان يتجاوز المبلغ المخصص، مثلا أن يكون المبلغ المخصص لها في الميزانية على أحد البنود 3 مليار، ليجد ديوان الرقابة المالية ان المصروف لها كان 5 مليار. وبالتالي فما صرف للإقليم (كان) بدون وجه حق بسبب خطأ او تعمد من قبل بعض الجهات...." وقد أكد هذه الأرقام رئيس اللجنة المالية النيابية، مشيراً إلى أن الإقليم "لا يحب الاعتراف بهذه الأرقام"!(2)
.
نحن نرى أن هذه الأرقام، لا يمكن أن تكون "أخطاءاً" فالأخطاء لا تتراكم باتجاه واحد، بل يمحي أحدها الآخر. فهي لا يمكن أن تكون "صدفة" في صالح جانب واحد، لكننا نرى هنا أن "الخطأ" يتجه دائماً لحساب الإقليم! إنها إذن عملية اختراق واسعة النطاق لمؤسسات الدولة العراقية وتنظيم عمليات سرقات كبرى مؤمنة من الكشف والحساب من خلال قدرة الرئاسات الكردستانية وبدعم أمريكي لا شك فيه، على تمريرها واخفائها ومنع إعلامها من الحديث عنها. وبالطبع فأن حكومات بغداد المتتالية المتواطئة، لم تجر أي تحقيق بشأن هذه "الأخطاء".
.
وبجمع الأجزاء الثلاثة للديون: الديون المتفرقة الأخيرة وديون "الأخطاء" السابقة وديون عدم تسليم النفط والتي يمكن مراجعة تفاصيلها في المقالتين السابقتين المخصصتين لتفنيد كذبة "قطع الرواتب عن كردستان"(3) و (4) يصبح مجموع ديون كردستان الرسمية حوالي 65 مليار دولار. ولا يستبعد أن يكون هناك المزيد، فكل ما يتعلق بالإقليم غامض وخفي ويتم في الغرف المظلمة.
.
كذلك هناك نقطة تم تجاهلها حتى اليوم، والتي هي بمفهوم واقعي نوع من الدين، وقد يستفاد من الأزمة لحلها لصالح كردستان، وتتمثل بفقرة تم ادراجها في نصوص الموازنات منذ 2013، وتقول بأن دفع الـ 17% يعتبر مؤقتاً حتى إجراء تعداد للسكان، على أن تصحح تلك النسبة حسب نتائج الإحصاء. وبما ان الإقليم كان يتراوح حول 11% في أفضل تعداداته التاريخية فليس هناك أي مبرر لاعتباره قد ازداد عن هذه النسبة. وأكثر من هذا ان برلمان كردستان كان قد أصدر إحصاءا بين فيه ان نسبة كردستان هي 12,6%. وبالتالي فمن المنتظر ان تكون هناك عشرات من المليارات التي تدين بها كردستان للحكومة الاتحادية إن تم قرار اعادة تلك الأموال حسب الدستور الذي ينص على ان يتم توزيع الميزانية حسب نسبة السكان. ولا يستبعد ان يشمل أي اتفاق تصفية هذه الفقرة أيضا، والتي قد تبلغ قيمتها لطول فترة تطبيقها، بين 15 إلى ما يزيد عن 30 مليار دولار!
لماذا كل هذه الديون الهائلة؟ إنه موضوع آخر، يستحق الكثير، لكننا الآن بصدد ما يخطط له قادة كردستان، بشأن هذه الديون.
.
لا ندري إن كان الاستفتاء له اهداف أخرى، أم أنه كله مصمم من أجل مسرحية تمثل الجزء الأول من حلقة ابتزاز “كالبريثية” جديدة لتكوين "ازمة" ضخمة بشكل غير معتاد، استعداداً لـ "حلها" بكارثة جديدة للعراق. لكنه إن لم يكن كذلك، فلا شك انه سيستخدم لهذا الأمر كـ "أزمة" مفيدة، كما كان شأن حلقات تعامل كردستان مع بغداد. فكل تكوين حكومة وكل مناقشة ميزانية وكل ما يتطلب التعاون من برلمانيي كردستان كان "أزمة" مفيدة لحلقة كالبريثية، فكيف بـ "أزمة" بهذا الحجم، وبهذا الظرف العراقي الصعب؟ لا شك أنه سيكون هناك سعي من أجل ذلك، وعندها قد يكون القاء هذه الديون أو جزء مهم منها على عاتق بغداد واعترافها الرسمي بها، الهدف.
ولا حاجة للقول بأن الموقف "الحاسم" الحالي للعبادي، قد لا يكون إلا تحضيرا ليكون أكثر قدرة على تقديم التنازلات، ولا يختلف كثيراً عن موقف صاحب مسرحية "ولي الدم" الذي كان يشغل الناس بها، ليغفلوا عن عمله في تبديد ثروة العراق لحساب كردستان بأمل توليته ولاية ثالثة، قبل ان يكتشف انهم وجدوا من هو انسب منه لهذه المهمة.
.
لقد بدأت علائم "الحلقة" تتكشف من خلال وساطة رجل السي آي أي الأول في العراق أياد علاوي والآخر أسامة النجيفي ومحادثاتهما (على أساس انهما يمثلان العراق!) مع مسعود البرزاني، والتي تمخضت عن أربع نقاط تتحدث أحدها عن "مفاوضات بدون شروط مسبقة"، رغم ان نقطة أخرى تضع "شرط" – "رفع العقوبات فوراً" على حكومة بغداد! ولا يمكننا ان نتوقع أية نتائج من "مفاوضات" لا يمتلك الشعب العراقي فيها من يمثله، إلا المزيد من الإغراق في الوحل.
.
وبالطبع فأن كردستان تستطيع لاحقاً، وفي أي وقت، بعد إكمال هذه "الحلقة"، أن تعود للمطالبة بالاستقلال وقد تخلصت من ديونها، وأدت دورها المكلفة به من هدف تحطيم العراق، بإغراقه بثقل يؤمل أنه لن يقوم منه.
.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- هل ماتت العروبه لديهم !!!