- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حديث يوم الأثنين: الحلقة 18. إلى بعض الساسة:
حجم النص
الدكتور:طلال فائق الكمالي لم أكن يوماً منتمياً لحزب معين، على الرغم من أني عملت مع معظم الحركات الإسلامية حباً وطاعة لله، وتلبيةً لنداء إحقاق الحق وكسر شوكة الجبابرة والطغاة، وكان من بين قيادي تلك الحركات اصدقاء لي قبل سقوط الطاغية وبعده، وما زال البعض منهم ممن بقي على قيد الحياة نتواصل ونتزاور في بعض الأوقات. كنت اراقب ضمور تلك الأحزاب بحكم دموية النظام الصدامي البائد، كما اشاهد مئات آلاف من المجاهدين كيف يُزجون في غياهب السجون ــ إذ كنت أحدهم ــ فضلاً عن الذين يُساقون إلى مقاصل الإعدام، على حين كانت قوافل بعض المجاهدين تهاجر إلى أقاصي البرية شرقاً وغرباً، كل ذلك أمام نظر الشعب العراقي والعالم أجمع، لا أبالغ حين أقول إن التأريخ قد تشرف وهو يسجل لتلك الحركات ورجالاتها أروع الثوابت العقدية وأبسل المواقف البطولية أمام أعتى جبروت عرفه العصر الحديث. هكذا استمرت ماكنة الزمن تدور وتدور حتى تناقصت أعداد رجالات تلك الأحزاب ما بين شهيد وسجين ومهاجر وكادت نجوم مسميات الحركات يخفت بريقها ويتلاشى رجالها ويتوارى اسمها على الرغم من المحاولات المتعددة من هنا وهناك لإنعاشها، إذ قاربت على الموت لولا لطف رب العالمين حين هيأ مقدمات أسباب سقوط الطاغية بيد صانعيه أنفسهم. حينها بدأت مرحلة جديدة للساسة آنذاك، كنا نشاهد كيف دبت الروح في أجساد بعض منهم قبل وبعد مؤتمر لندن وكيف قوي عودهم، كنا نراقب ذلك بشغف ونحن نمد أنظارنا نحو بريق نجوم جديدة من الساسة، وهكذا تزايد هذا الحراك في مؤتمر الناصرية وعندما سخن طبق العراق أخيراً أبّان عام 2003 عام سقوط الصنم. خرجنا جميعاً نُهلل لتلك الأرقام السياسية؛ بل ونغض النظر عن مواقف لم نكن نقتنع بها من قبل، كل ذلك بسبب ثقتنا ــ العرجاء ــ بعراقة تاريخ البعض منهم، مما دفعنا إلى أن نحسن الظن بهم ونعلق إخفاقاتهم جميعها على شماعة المؤامرات الداخلية والإقليمية والدولية، إذ كان ذلك من قبيل (وعينُ الرِضا عن كلَّ عيبٍ كليلة). كان الأمر يسوء يوماً بعد يوم فبدلاً من أنْ يجمعنا التاريخ والتآمر الإقليمي وجراحات العراق اخذت الصراعات الداخلية مساحتها فتمخض منها التشظي والفرقة، وتناسى الجميع تلك الأحلام الوردية على الرغم من أنَّ الحكم آل إليهم، هكذا اصبح حال بعض الساسة ما بعد صدام، زُجَّ الشعب في لعبة سياسية كان الثمن فيه اغتيال تاريخ حركات على أيدي رجالاتها تارة، وأخرى بفعل أياد رسموا سيناريو المنطقة التي يجب أن تكون خالية من تلك الحركات، فكانوا أدواتهم. لم يكن ما عرضته مسعاه تقليب الأوجاع وصفحات التأريخ عبثاً، بل أسعى من خلاله أنْ اقف وقفة صحوة مع الساسة قائلاً: بحكم قراءة المستقبل واستشرافه إننا امام محك صعب، ومفترق طريق يكاد يكون الفيصل والحاكم لسنين طوال، لا لأحزابكم فحسب بل لكل الحركات الوطنية، إذ لا يخفى أننا في طريق مهب الريح، فالكل يدرك حراجة الموقف، والجميع ممن يبغضون العراق وشعبه قد تكالب في ليلة ليلاء لاغتيال الدين والوطن والإنسان، فلا تغضوا الطرف عن أهم مرحلة يمر بها العراق وشعبه، عن تقسيم العراق وتاريخه العريق، وتجذير الطائفية التي باتت زيتاَ تؤجج الحرب، عن شعب امسى يحلم بحاكم يهودي ليسد رمقه ويشبع بطنه، عن ذئاب خلف الحدود تترقب ساعة الصفر لتنهش بجسد العراق، عن غربان طالما حلّقت من دول جوار لتغرس مخالبها بطفل، أو امرأة، أو عجوز، أو شاب، وعن كثير وكثير. أقول: وقولي على الله تعالى لا أبغي منه إلا وجهه، وحب الإنسان أين ما كان، وحب العراق: لقد حرقتم أنفسكم بأيديكم وحرقتم كل منْ يأتي من بعدكم. فما السبيل لأزمة كنتم وقودها؟ ومن سيملئ الفراغ بعد أن تعزف الأصوات عنكم؟ وما حيلة من لا حيلة له؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أقرأ ايضاً
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- ازمة الكهرباء تتواصل وحديث تصديرها يعود الى الواجهة