حجم النص
بقلم: جسام محمد السعيدي مرة أخرى تقود المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف زمام التغيير الايجابي في العراق، وتحافظ على ريادتها فيه، وتنقذ البلاد والعباد من أعدائهما في الداخل والخارج، وتخيب آمال الكثير من دعاة الحكم الديني، والعلماني الذين لم يعوا منهجها منذ البداية، فظنها العلمانيون أنها تريد حكماً دينياً، وظنها الاسلاميون أنها ستترك الساحة للعلمانيين بإرجاع أخطاء الماضي الى المربع الأول. لم يدري العلمانيون ان المرجعية تريد منذ مطلع القرن العشرين، وليس الآن، قبل أن يولد آباء أكثرهم، وعند اندلاع ثورة العراق الكبرى عام 1920م، تريد دولة مدنية تحترم الدين ولا تخالف ثوابت أحكامه.. لا تريد المرجعية – مع غياب المعصوم - دولة دينية، أولا لأنها غير ممكنة فقهياً وفقاً لمبانيها العلمية، وثانياً لأنه بسببها ستلصق أخطاء الساسة بالدين، ظنا من عوام الناس ان الخلل فيه وليس فيهم.. ولا تريدها علمانية فتشوه أخطاء البشر وأحكامهم القاصرة دين الله، وتضيع حقوق عباده، فيقع الظلم والتقصير ويحل غضب الرب على عباده لمخالفتهم سنن التشريع، بل والتكوين احيانا.. تريدها دولة من نظام ثالث لم يولد في العالم بعد، واختارت العراق ساحته الأولى لتكون له الريادة كما كانت في الحضارة والتدين والصناعة والزراعة والأدب واللغة و و و و... أرادتها المرجعية دولة مدنية يحكمها التكنوقراط كلاً باختصاصه، وزير الصحة طبيب يجيد فن الادارة، ووزير الصناعة مهندس يجيد فن الادارة، ووزير العلوم والتكنولوجيا مخترع يجيد فن الادارة، ووزير الوقف الشيعي رجل دين يفهم أحكام الفقه وأصوله وفقاً للمذهب الجعفري ويجيد فن الإدارة، وهكذا للوقفين السني والأديان الأخرى كلاً حسب اختصاصه وفقهه، والكل متعايش مع الآخر بسلام ومحبة، تريد القاضي في الأحكام الجنائية والحدود والديات فقيها، وفي الجزائية محامٍ... الخ. المرجعية لا تريد قيام الدولة العلمانية لأن الأخيرة تريد من الاداري الذي يجهل احكام الدين قيادة كل مفاصل الدولة!!! حتى الدينية منها!!! في الأوقاف والقضاء والأحكام المدنية والجزائية!!! فيقع - بهذا الحكم الخاطئ - المحذور في تلك المفاصل وتخلق المشاكل الاجتماعية وما اكثرها، وليس أقلها زواج المطلقات - من خلال المحاكم المدنية فقط - حيث يكون الزواج باطلاً فيحرم زوجها عليها مؤبداً، ويصبح ابنائه من وطئ شبهة، فيحصل المحذور ويتهدم كيان الاسرة والمجتمع.. وأيضا مشكلة إدارة الأوقاف الشيعية بأحكام الفقه السني أو العكس، مما يخلق مشاكل طائفية ومالية لها أول وليس لها آخر، وما زلنا ندفع ثمنها بسبب الحكومات العلمانية، وكذا احكام الارث والدّيات والقضاء المعوّج الذي لم يقض على الجريمة والخطأ والفساد، الأمر الذي يسمح ببقاء العرف العشائري لحل النزاعات بديلاً للشرع المغيب بسبب غباء القيادات العلمانية، رغم أنه يساعدها في البقاء وتقوية نفوذها لو سمحت للدين بأخذ دوره المهني المناط به، وبالتالي الغاء سلطة العشائر في حل النزاعات وغيرها، والمساعدة في بناء دولة مؤسسات. المرجعية لا تريد قيام الدولة الدينية لأن الأخيرة تريد من رجل الدين او من ينصبه رجل الدين الذي يجهل كل شيء في الوزرات غير الدينية قيادة هذه الوزارات، وبالتالي تخريبها، والصاق الجهل بالدين، رغم ان الدين كامل لكن بعض رجاله ممن يتدخلون فيما لا يعنيهم هم الجهلة. آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني قبل دقائق يصف ما قامت به المرجعية في الاسابيع الأربعة السابقة يؤازرها الشعب العراقي، يصفها بـ (معركة الاصلاحات)، ويدعو الحكومة والشعب إلى عدم الانشغال بها عن معركتنا مع داعش. الملفت في النظر في هذه الخطبة وحسب خبرتي لحوالي 12 سنة في تحليل خطبها، النقاط التالية: 1. المرجعية تضع الحكومة في زاوية حرجة وتذكرهم بأن لا خيار في معركة الاصلاحات إلا المضي بها حتى تحقيق كامل أهدافها، فقالت (ليس للمسؤولين في السلطات الثلاث خيار سوى المضي قدما في الإصلاحات الضرورية) يعني بلغة أخرى، أما تمضون بها وتنجحون أو....(تحذير ووعيد) 2. المرجعية تدعو الشعب والحكومة لعدم نسيان معركتنا مع داعش وتؤكد وليس للمرة الأولى أنها معركة وجود، ونحن فيها يجب أن نكون إما منتصرين أو منتصرين بإذن الله. فمرة أخرى تصف معركتنا مع عصابات داعش المدعومة من تركيا وقطر وأمريكا والصهيونية وغيرهما، تصف هذه المعركة بأنها مسألة وجود للعراق، ومرة أخرى تدعو الشعب والحكومة لتذكر ذلك. حيث وصفتها بأنها "أشرفُ المعارك وأحقّها لأنّها تجري دفاعاً عن وجودنا ومُستقبلنا وعزتنا وكرامتنا كشعب ". مذكرة العالم بجرائم داعش، ومبرئة الاسلام منها "ولقد تابعَ الجميعُ ما جرى وما يجري في المناطق التي يسيطرُ عليها الإرهابيون من أعمالٍ وحشية لا تمتُ بصلة لا إلى الإسلام ولا إلى الإنسانية من القتل والرق والاغتصاب والتشريد وهدم الشواهد الحضارية العراقية العريقة" لتبلِّغ بوصفها هذا رسالة إلى شعوب الأرض مفادها ان الاسلام دين الرحمة والتعايش وما يدعيه داعش والقاعدة لا صلة له بالاسلام. واصفة هذه المعاركُ بالضاريةُ "التي يخوضها أبنائنا من القوات المسلحة والمتطوعين الأبطال ومَن معهم من المجاهدين وفي مختلف الجهات ضد عناصر تنظيم داعش الإرهابي". داعية لدعم الجيش والحشد الوطني المقدس ماديا ومعنوياً من قبل الشعب والحكومة بقولها "وإنَّ أبنائنا الميامين الذين يستبسلون في جبهات القتال ويضحون بدمائهم , يستحقون منا ومن الحكومة والشعب كل الإسناد والدعم والتقوية والرعاية لعوائلهم". محذرة " فلا ينبغي أن ننساهم في معركة الإصلاحات وأنْ ندعمهم تسليحا وتدريباً وتنظيماً وهذا من أهم الإصلاحات، مؤكدة "فالمعركة مع الإرهابيين الدواعش هي معركة مصيرية بكل ما للكلمة من معنى، وإنما ما ننعمُ به من أمنٍ واستقرار في مدننا ومناطقنا هو نتيجة جهودهم وتضحياتهم ". 3. المرجعية تدعو العبادي للمرة الثالثة الى صفحة من الاصلاحات من بينها، "بعض الخطوات الإصلاحية تتطلب تعديلا وتشريعا جديدا"، داعية الحكومة الى "تقديم طلب للبرلمان من أجل تشريعها وتعديلها"، وأكدت المرجعية على اصدار قرارات تصاغ بشكل قانوني غير مخالف للدستور تضع الأمور في نصابها في محاسبة ما وصفتهم المرجعية بـ (كبار السراق والمفسدين) حتى لا تترك مجالاً لهؤلاء بالالتفاف على هذه القرارات وتفرغها من محتواها، فقالت على لسان ممثلها السيد أحمد الصافي اليوم 21آب2015م (لابد من التركيز على ان الخطوات الاصلاحية يجب ان تتم وفقا للإجراءات القانونية حتى لا يبقى مجال للمتضررين من التقدم بالشكاوى لإبطالها بذريعة مخالفتها الدستور والقانون فتتحول هذه الخطوات الى حبر على ورق)و وواضح أن هذه الدعوة مقصودة بشأن مسالة الشخصيات التي بدأت تحاول التملص من تبعات تقرير احتلال الموصل، فضلا عن تقارير الفساد التي بدأت تصل تباعاً لمجلس الوزراء. 4. المرجعية تستمر في تأكيدها وخطابها على اللغة الوطنية غير الدينية عند الحديث عن خطر داعش والفساد الاداري فتستخدم عبارات مثل (معركة الاصلاحات، وجودنا، مستقبلنا، شواهد حضارتنا العراقية العريقة، حياة مواطنينا...الخ). 5. المرجعية تنسب المعركة لنفسها (معركة الاصلاحات التي نخوضها) وهذا خطاب جديد، أي ان حربها ضد الفساد قد استُكملت أسبابه، وهي حربها هي شخصياً والشعب معها (التي نخوضها)، والتي اُعلنت شرارتها في خطبة الجمعة قبل أربع أسابيع وقبل ساعات من أول تظاهرة في ساحة التحرير، وحسب اطلاعنا فإن المرجعية الدينية لا تدخل حرباً اصلاحية او عسكرية الا وقد تأكدت من وجود ادواتهما وكونها تحتمل النصر فيهما وتحقيق الأهداف بنسبة لا تقل عن 80%. 6. استخدام عبارات ذات لهجة صارمة -وللاسبوع الرابع على التوالي - تدل على ان المرجعية تريد ايصال رسالة للسياسيين بأنها تعني ما تقول ولن يسلم من طوفان تغييرها أحد، وان الحرب ضد مفسديهم مستمرة. 7. المرجعية وللمرة الثانية توجه المتظاهرين ببعض ما عليهم طرحه في التظاهرات ليكونوا عوناً لها وسندا لتحقيق مطالبهم التي لن تتحقق بصورة كاملة بالتظاهرات فقط دون ضغط المرجعية، والعكس صحيح. 8. لفتت الى أن "معركة الاصلاحات التي نخوضها في هذه الايام هي ايضا معركة مصيرية تحدد مستقبل بلدنا"، مشددة "لا خيار لنا الا الانتصار فيها". 9. شددت على كبار المسؤولين - وهو تشديد يرد على من يقول بأن البعض يريد التملص من التقصير مستندا على توافقات - فقالت "ضرورة الاسراع بالقيام بالخطوات اللازمة لمحاسبة كبار الفاسدين من سراق المال العام"، مؤكدة على ضرورة حماية القضاة والمدعين والجهاز الأمني الذي ينفذ، فقالت "يجب دعم المكلفين بهذه المهمة وحمايتهم من احتمال تعرضهم لأي اذى وتهديدات من قبل هؤلاء الفاسدين وأتباعهم". 10. دعت الناس لأعطاء الفرصة لتنفيذ ما صدر والمراقبة فقالت ان الاصلاح "انما يحتاج الى صبر وتضافر الجهود كل المخلصين من ابناء هذا الشعب"، مؤكدة "لا يمكن الوصول الى الاصلاح المنشود بايام قلائل". 11. جددت دعوة الحكومة الى "اصلاح الجهاز القضائي، بعد تكاثر الفاسدين من لصوص المال العام، وشيوع ثقافة الابتزاز والرشاوى في كافة مفاصل الدولة والمجتمع"، مشيراً إلى "تخلف الكثير من المسؤولين في هذا الجهاز عن اداء واجباتهم القانونية".
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- المرجعية الدينية العليا والعتبة الحسينية تقدّمان تجربةً رائدةً في مجال إسكان الفقراء مجاناً
- هل تحدث فرقاً؟.. جولة تراخيص جديدة للغاز العراقي