لجأت الحكومة العراقية إلى إصدار سندات مالية وبيعها للمواطنين بهدف سد العجز المالي في الموازنة وأيضا لتعزيز إيرادات الدولة غير النفطية، وهو شعار رفعه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لحكومته، وفيما يشيد مختصون بهذا التوجه، يُشخّص آخرون عقبات لا تشجع على نجاح هذه التجربة بسبب قلة الفائدة المصرفية المتحققة من “تجميد” ملايين الدنانير مقابل عائدات لا تشكل إغراء لجذب المواطن.
ويقول الخبير الاقتصادي مظهر محمد صالح، إن “السندات المتداولة حاليا (إنجاز) والتي أصدرتها وزارة المالية مؤخرا، واحدة من أدوات الدين الحكومي متوسطة الأجل والتي تختلف عن حوالات الخزينة كأداة دين أيضا من حيث آجال الاستحقاق والفائدة الممنوحة أو المدفوعة، إذ توجه حوالات الخزينة بالغالب إلى الجهاز المصرفي، في حين سندات (إنجاز) وسيلة اقتراض إلى الجمهور بالغالب”.
وأعلن مصرف الرافدين في 15 نيسان الحالي 2023 عن إصدار سندات “إنجاز” للمواطنين، وطرحها بفئتين الأولى بمبلغ 500 ألف دينار بفائدة سنوية تبلغ 6.5 بالمئة تدفع كل ستة أشهر لأجل سنتين، والثانية بمليون دينار بفائدة سنوية 8.5 بالمئة كل ستة أشهر لأجل أربع سنوات.
ويضيف “هذه السندات تم إصدارها لأغراض تمويل جانب من العجز المخطط في الموازنة العامة الاتحادية للعام 2024، والتعاطي بالاقتراض المباشر من جمهور المقرضين ولاسيما ممن لديهم مدخرات أو فوائض مالية، ويمتلكون في الوقت نفسه الرغبة في استثمار أموالهم الفائضة بهذه السندات السيادية العالية الضمان، إذ تخضع سندات (إنجاز) للتصنيف الائتماني لجمهورية العراق الذي هو محدد حاليا من الدرجة B وعلى غرار قرابة 80 دولة في العالم”.
ويتابع “في اعتقادنا أن السندات تمول ما نسبته 7 إلى 10 بالمئة من العجز المخطط في الموازنة العامة السنوية، وذلك من خلال إسهام جمهور المقرضين باستثمار فوائضهم المالية المتاحة بحيازة تلك السندات لقاء حصول الحكومة بالمقابل على مبالغ نقدية تسهم في سد العجز في النفقات العامة خلال السنة المالية 2024”.
ويشير مظهر، إلى أن “فروع المصارف الحكومية تتولى عمليات بيع هذه السندات إلى الجمهور وتزويد الحائز على ذلك السند بوثيقة إلكترونية ابتداء، ثم يزود بوثيقة ورقية تظهر تفاصيل السند الواحد الذي سيكون بحيازته، كما يصدر السند بعدة فئات مثل فئة النصف مليون دينار وفئة المليون دينار وتختلف مدد الاستحقاق أيضا”.
ويشرح أن “السند من فئة مليون دينار يحقق فائدة سنوية نسبتها 8.5 بالمئة وتدفع كل ستة أشهر واستحقاقه أربع سنوات، أي تاريخ إطفائه، كما يلاحظ أن بيع السندات الذي بدأ منذ 15 نيسان أبريل الجاري سيستمر عرضه لغاية 15 آيار مايو المقبل”.
ويذكر أن “سندات (إنجاز) تعد الأعلى فائدة بعد سندات (إعمار) وسندات (بناء) التي طرحت في سنوات سابقة والتي وصلت نسبة الفائدة فيهما إلى 7 بالمئة سنويا، ويمكن للحائز على السند إعادة نقل حيازتها إلى حائز آخر، حيث تعد السندات الحكومية من الديون الممتازة في تحصيل الفائدة أو في موعد سدادها، لذلك يمكن رهنها كضمانات ممتازة، وبهذا فإن حائزي السندات الحكومية يمكنهم تسييل السند كأداة مالية وتحويلها إلى نقد حالا من خلال ترويجها للبيع في السوق المالية الثانوية وفي أي وقت قبل تاريخ استحقاقها واسترداد أصل المبلغ النقدي المدفوع إزاء حيازتها”.
وكانت وزارة المالية قد أعلنت سابقا عن طرح إصدار جديد من السندات الحكومية تحت مسمى “إنجاز” للاكتتاب العام، مبينة أنها سندات حكومية مقومة بالدينار العراقي من فئة 500 ألف دينار، لأجل سنتين بفائدة سنوية 6.5 بالمئة تدفع كل ستة أشهر، وسند فئة مليون دينار لأجل أربع سنوات بفائدة سنوية 8.5 بالمئة تدفع كل ستة أشهر.
من جانبه، يوضح الخبير الاقتصادي وأستاذ الإدارة والاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني، أن “هذا الإجراء طبيعي تتخذه معظم الحكومات في العالم والعراق ليس الدولة الأولى التي تقوم به عندما تحتاج إلى تمويل لسد العجز أو لمشاريع استثمارية، حيث تصدر أحيانا هذه السندات لتحقيق أهداف محددة مثلا بناء جسور أو سدود أو خدمات معينة، لكن غرض هذه السندات في العراق سد عجز في الموازنة العامة وإجراء لسحب السيولة من السوق”.
ويردف “هذه السندات لديها مدة إصدار، فمثلا سند النصف مليون دينار مدته لسنتين، وسند المليون دينار مدة إصداره لأربع سنوات، بعد ذلك فإن وزارة المالية ملزمة بأن تعيد مبلغ السند إلى المشتري أو تمدده في حالة وجود إقبال قوي عليها لكن تدفع الفائدة كل ستة أشهر من قبل وزارة المالية وبالتأكيد من الممكن بيعها عبر سوق العراق للأوراق المالية حالها كحال أسهم الشركات التي يتم بيعها في هذا السوق”.
ويبين المشهداني، أنه “عندما نتحدث عن العجز فإننا نتحدث عن 80 أو 92 تريليون دينار هي قيمة العجز في الموازنة وهذه الإصدارية من السندات بقيمة تريليوني دينار أو حتى لو كانت بقيمة أربعة تريليونات دينار فإنها لا يمكن أن تسد كامل العجز في الموازنة، لذلك هي محاولة لخلق نوع من الثقافة لدى الأفراد لكي يقوموا بالاستثمار في الأدوات المالية مثل الأسهم والسندات والمصارف لكي يحصلوا على الفائدة المالية”.
ويستدرك “هذه السياسات لا تعتبر ناجحة بشكل كبير وهذه الإصدارية يمكن أن تستفيد منها المصارف بالدرجة الأساس لكن الغالبية العظمى من المواطنين لا أعتقد أنهم سيستفيدون من شراء هذه السندات، فمثلا متوسط إمكانية العوائل العراقية أن يشتري المواطن مثلا 10 ملايين دينار بالسندات بما يعني 10 سندات بقيمة مليون دينار، لكي يحصل على فائدة 8.5 بالمئة وهي نسبة غير كبيرة ولا تشكل عائدا مجزيا مقابل ما تم استثماره”.
ويلفت المشهداني، إلى أن “العمل التجاري يمكن أن يحقق عائدا ربحيا أكبر بكثير من عوائد السندات الحكومية، فاستثمار مليون دينار في السوق مثلا يمكن للفرد من إعادة تدويره عده مرات في السوق على عكس والحصول على عوائد ربحية كبيرة بما يوازي المبلغ المستثمر أو يزيد عنه فطالما يوجد هنالك تضخم فأنه توجد أرباح عالية من عوائد الاستثمار في الأسواق التجارية”.
وكان مجلس النواب العراقي قد صوّت في 12 حزيران 2023، على قانون الموازنة الاتحادية للأعوام 2023 و2024 و2025، في بادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد من حيث حجم الموازنة وكذلك عدد السنوات المالية، بقيمة 197 تريليونا و828 مليار دينار، بعجز مالي قدره 63 تريليون دينار، أي ما يقارب ثلث الموازنة.
بدوره يتفق الخبير الاقتصادي همام الشماع، مع المشهداني، في أن “الهدف من إعلان بيع السندات الحكومية للمواطنين والمؤسسات هو سد العجز من جهة وتوفير السيولة المادية من جهة أخرى، كون مجموعة الإنفاق الشهري في الوقت الحاضر تزيد على ثمانية تريليونات دينار بين ما مبيعات البنك المركزي من نافذة بيع العملة لا تتجاوز خمسة تريليونات دينار شهريا”.
ويكمل “بالتالي فهم يحتاجون إلى سيولة لتغطية النفقات وهذه السيولة مكلفة والعجز كبير جدا يصل إلى 35 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وهي كلفه تقع على عاتق الأجيال المقبلة فالإنفاق الحكومي يتم الآن على حساب المستقبل وهذه السنة الذات يجب أن تسجل وهي سياسة مالية غير دقيقة ذات أبعاد سياسيه أكثر من كونها أبعاد اقتصادية”.
يشار إلى أن وزارة المالية أصدرت مؤخرا سندات حكومية في مساهمة المجتمع في تنمية الاقتصاد العراقي، حيث تساهم أموال الاكتتاب في تمويل مشاريع التنمية الاقتصادية وتحقيق الاستقرار المالي في البلاد.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- السياسيون يتبارون بـ"التسريبات".. والحكومة تشكو "الاستهداف"
- تـخصص لها اكثر من تريليوني دينار :ماهي الـ (37) مشروع التي خصصتها الحكومة الاتحادية لمحافظة كربلاء؟
- البرلمان "غاضب" والحكومة صامتة.. من يوقف الزحف التركي؟