حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ يستشف من التسلسل الدراماتيكي للأحداث التي رافقت مذبحة مجلة شارلي ايبدو الفرنسية اليسارية الأسبوعية الساخرة إن الاستقراء الخاطئ والتصور المبتسر لوقائع أحداث التاريخ الإسلامي الذي كتب بمداد وعاظ السلاطين او مرتزقة البلاط ابتداء من بداية عصر الحكومة الأموية وامتداداتها العباسية ومن ثم العثمانية وغيرها ذلك التاريخ المشوّه والمحرف والمليء بالمغالطات والافتراءات المذهبية والعنصرية الشوفينية او حمال الأوجه.... قد أوحى لواضعي الخطوط العريضة لهذه المجلة بالاستمرار بذات النهج الساخر التسقيطي والمثير للجدل ولنخب ـ بحسب اعترافها ـ لا تعلم شيئا عن الإسلام او الرسول محمد(ص) وقد تقف وراء هذا التوجه خلفيات عنصرية وشوفينية كون فرنسا تضم اكبر جالية مسلمة في أوربا ومن أصول أكثرها مغاربية وافريقية (حوالي 5 ـ 6 ملايين مسلم في فرنسا) والكثير منهم ذوو منحى سلفي متشدد والغريب في الأمر ان حادثة شارلي ايبدو حفلت بجملة من التناقضات وفي ظرف زماني بسيط منها ان شارلي ايبدو وقعت بذات المطب الذي وقعت فيه سابقا والذي أدى الى وقوع المذبحة التي ارتكبها إرهابيون من أصل مغاربي أسفرت عن مقتل 12 من طاقم المجلة وذلك بتكرار نشرها للرسوم التي عدت مسيئة للإسلام والمسلمين من خلال المس الواضح بشخصية الرسول محمد (ص) وهو الشخصية المركزية لعموم المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وبذلك تكون قد فقدت الدعم المعنوي والتعاطف غير المسبوق المتجلي بسيل الإدانات العارمة التي اجتاحت العالم بأسره تعاطفا مع الشعب الفرنسي الذي خيل للمجتمع الدولي غداة مذبحة شارلي ايبدو ان سيناريو الحادي عشر الإرهابي من سبتمبر قد أعيد إحياؤه من جديد بنسخة فرنسية ما أثار مخاوف الأسرة الدولية من ذلك السيناريو وخاصة مخاوف المجتمعات الأوربية التي تحتضن أعدادا كثيرة من الجاليات المسلمة كفرنسا وان بدرجة اقل منها كبريطانيا وألمانيا والسويد وغيرها ومن المتوقع ان تكون هذه الرسوم وليدة احتقان عنصري من قبل المجتمعات الأوربية خاصة الفرنسي بالذات تجاه المسلمين الوافدين إلى تلك المجتمعات وتولد ايضا الاحتقان ذاته تجاه تلك المجتمعات من قبل المسلمين الطارئين عليها والدخول في دوامة الفعل ورد الفعل التي تنتهي عادة بسقوط ضحايا من كل الأطراف. ولكن مذبحة شارلي ايبدو فتحت الباب مشرعا أمام الديالكتيك القديم ـ الجديد حول مسالة حرية التعبير والى أي مدى ممكن أن تذهب هذه الحرية وفي المجتمعات العلمانية بالذات وما مدى تقبل الرأي العام للانفتاح الزائد عن الحد في حرية التعبير لاسيما من قبل الأوساط التي تُستهدف رموزها التي تحظى بالتقديس والتبجيل وتعد هذه الرموز خطا احمر لايجوز العبور فوقه بحجة حرية التعبير وهو مايفسر بعض "التراخي" في التعاطف مع الشعب الفرنسي غداة مذبحة شارلي ايبدو التي حظيت باستنكار إسلامي واسع خاصة من قبل الأزهر وشخصيات إسلامية اخرى. وأثير جدل حرية التعبير داخل فرنسا نفسها حيث أبدى أكثر من 42 بالمائة من الفرنسيين امتعاضهم من الانفتاح الزائد عن الحاجة في حرية التعبير وان حرية التعبير لا - تعني الإساءة للآخرين مع تأييدهم المسبق كمجتمع علماني متنور لحرية التعبير كونها مطلبا أساسيا من متطلبات المجتمعات الحرة مع العلم ان القوانين الفرنسية تكفل حرية الكتابة والنشر والتعبير والكلام، حيث صادقت باريس على الصكوك الدولية الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تكفل المادة 19 منه حرية التعبير، إضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 في المادتين 19 و20. كما جوبهت مسالة الرسوم استهجانا أوربيا نسبيا تمثل في استنكار بابا الفاتيكان لها وامتناع عدد من وسائل الإعلام الاوربية عن نشر هذه الرسوم ربما بسبب الخوف من تكرار هجوم إرهابي مماثل عليها كهجوم شارلي ايبدو او الخوف من الاتهام المجاني بالاسلامفوبيا وتجنب الخوض في سفسطات لاطائل وراءها حول حرية التعبير و السقف المقبول لهذه الحرية في ظل مجتمعات علمانية متنورة وقد تفتح الباب مجددا امام سيناريوهات دموية اخرى تغذيها العنصرية والكراهية قد تشكل الملامح الاولى لصراع الحضارات والثقافات كما بشر المفكر الأمريكي صاموئيل هنتنجتون. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- هل ماتت العروبه لديهم !!!
- هل يستحق المحكوم ظلما تعويضًا في القانون العراقي؟
- هل سيكون الردّ إيرانيّاً فقط ؟