حجم النص
بقلم عباس عبد الرزاق الصباغ يختزلُ الكثير من السياسيين العراقيين والمراقبين الاقتصاديين واقع حال الشأن العراقي وتصوراته الاقتصادية بلحظته الراهنة وبرؤية مبتسرة لاتخرج عن إطارين محددين ؛ الإطار الاول هو الاحتياطي الهائل للنفط والغاز (بحسب آخر إحصائية احتياطي العراق النفطي يقدر بـ 150 مليارَ برميل واحتياطي الغاز يصل الى 280 ترليونَ قدم3) يضاف اليه السعة التصديرية للنفط الخام عبر المنافذ المرتبطة أساسا بالمناخ الإقليمي والمزاج السياسي لدول الجوار،وبسعر البرميل الذي تحتكر مناسيب أسعاره منظمة أوبك المرتبطة بأسعار السوق العالمية وتقلباتها المتوقعة وبيانات العرض والطلب الدوليين، والإطار الثاني هو ان العراق بلد "نفطي" وهي ثيمة توارثتها الأجيال العراقية وترسخت كبديهية لاتقبل أي نقض في المخيال الجمعي / المجتمعي العراقي وهذا يعني وجود ميزانية كبيرة متأتية من واردات الريع النفطي ما يعطي سمة معيارية شبه ثابتة للدخل القومي العراقي وتصورا شبه ثابت ايضا بان العراق بلد نفطي فيكون النفط معيارا تقييما ثابتا لجميع الفعاليات السياسية والاقتصادية وغيرها، وقد تموضعت جميع مرتكزات الدولة العراقية وركائزها الحكومية والمجتمعية في جميع مراحلها التأسيسية على أساس هذين الإطارين آنفي الذكر بالتشرنق داخل الإطار الريعي المزمن الذي لا انفصام منظورا عنه، فيكون على هذا الأساس برميل النفط هو اللاعب الأساس في مقدرات العراق السياسية والاقتصادية والاستثمارية وحيويته الجيوستراتيجية مادام(95 %) من واردات العراق تتأتى من النفط وليس من غيره فيترتب على هذا المنوال ان الاقتصاد العراقي الريعي يكون معرضا للانهيار من أية "هزة" في سعر البرميل او تذبذب معياري في قيمته السوقية العالمية وان كانت بسيطة، أي ان الاقتصاد العراقي مكبل بالسياسة التي تضعها أوبك وهي بدورها محكومة بالسياسات الاقتصادية والمالية للدول الكبرى ومرتبطة بالكارتلات العملاقة المسيطرة على الأسواق العالمية انتاجا وتسويقا وتصديرا واستهلاكا، وهذا هو واقع حال الاقتصاد العراقي منذ ان تأسست الدولة العراقية الحديثة وسيبقى للمدى المنظور إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ان بقية القطاعات التي تُسهم في رفد الدخل القومي العراقي هي إما معطلة او غير موجودة اساسا، او انها لا ترقى الى أن تكون رافدا حيويا حقيقيا مثل النفط كالزراعة والصناعة والسياحة وبقية المعادن والثروات الطبيعية التي يزخر بها الأديم العراقي ولأسباب كثيرة ليس هنا محلها وهذا احد الأسباب الواردة في احتمالية انهيار الاقتصاد العراقي او إعلان إفلاسه في أية لحظة. ومن زاوية اخرى فان إقحام وإيلاج هكذا اقتصاد (ريعي/احادي) متذبذب في دوامة المشاكسات والمناكفات والتقاطعات السياسية والحزبية والكتلوية (يضاف اليه الفساد المالي والإداري المستشري في اغلب مفاصل وهياكل الدولة وضعف إقبال المستثمرين لأسباب أمنية واندثار البنى التحتية المطلوبة لإدامة عجلة الصناعة والزراعة والتنمية المستدامة يعرِّض هذا الاقتصاد الى هزات داخلية قد تفضي الى انهياره وإفلاسه ايضا،وما الجدل البيزنطي السنوي المصاحب لمشروع قانون الموازنة الاتحادية والسفسطات التي لاتنتهي حولها الا مثل بسيط على ذلك، فالكثير من الشركاء والفرقاء السياسيين في السلطتين التشريعية والتنفيذية لم يمتلكوا الحد الادنى من النية في تجاوز الخلافات التي تعرقل إقرار الموازنة التي هي عصب الحياة وديمومتها واستمرار دينامياتها فضلا عن التقارير المؤلمة والمسربة عن نسبة العجز في هذه الموازنة التي تبلغ العام الجاري 164 ترليون دينار باحتساب برميل النفط بقيمة 90 دولارا وبكمية تصدير تبلغ 2,6 مليون برميل يوميا وهو سقف سعري وتصديري غير مستقر. اضافة الى تراجع الإيرادات على حساب النفقات بحساب الفرق بينهما نجد ان الاولى ستبلغ اكثر من 139 ترليون دينار فيما ستبلغ الثانية 170 ترليون دينار وبعجز حقيقي يصل الى 30 ترليون دينار، وهو الفرق المالي الذي أوجده إقرار قانون التقاعد العام ومخصصات البترودولار. وهي مشكلة مزدوجة ومركبة في آن واحد أي انها مشكلة سياسية / اقتصادية تواجهها السلطات ناتجة عن تأخير إقرار الموازنة من جهة ومن جهة اخرى سد النقص الحاصل في العجز الذي سيتأتى من صرف مستحقات المتقاعدين ضمن قانون التقاعد العام ومنح المحافظات النفطية مبلغ الخمس دولارات في إطار مشروع البترودولار وغيرها ناهيك عن ان التأخر في اقرار الموازنة العامة للبلاد سيؤدي الى خسائر بحدود 1.5 مليار دولار شهرياً من جهة ثالثة مايهدد عصب الحياة بالشلل وحتى وإن تم إقرار هذه الموازنة التي صادق عليها مجلس الوزراء في كانون الثاني المنصرم بأية "أغلبية" كانت فان المعضلة ذاتها ولأي مشروع قانون مستقبلي ستبقى قائمة وللدورات التشريعية القادمة لان الأداء السياسي قد تأسس على افتعال الأزمات وتدويرها لاسيما الأزمات الاقتصادية ليبقى السؤال مطروحا وقائما وفق هذا "التأسيس" هل ينهار الاقتصاد العراقي ؟ ويبقى الجواب مفتوحا على جميع الاحتمالات. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!