حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ من الايجابيات التي تُحسب للعملية السياسية رغم تعثراتها وكبواتها إن بوصلة السياسية الخارجية العراقية قد تموضعت في الاتجاه الصحيح مبتعدة عن سياسة التمحور والتكتل والانحياز والاستقطاب وأصبح العراق ينتهج الاعتدال كإستراتيجية تسيِّر سياسته الخارجية وتُمنهجها مع جميع دول العالم لاسيما دول الجوار التي تشكل المجال الحيوي للدبلوماسية العراقية كسياسة راهنة ومستقبلية، وايضا من دون الانخراط في أية منظومة إقليمية على حساب المصالح العليا للشعب العراقي والأمن القومي العراقي والسيادة العراقية فضلا عن عدم التورط او الانزلاق في الملفات الإقليمية الساخنة او المستعصية والشائكة وعدم التدخل في شؤون اية دولة والحرص على إقامة علاقات ثنائية تقوم على أسس مشتركة وتكافؤ في مستوى العلاقة الثنائية والتمثيل الدبلوماسي الفاعل مع جميع الدول والاهم من كل ماتقدم ان العراق صار يتبع سياسة عدم الانجرار وراء المحاور الطائفية والسياسية المؤدلجة ادلجة سلبية ومعادية، فان العراق يقف على مسافة واحدة من جميع شعوب المنطقة والعالم في مسالة حرية تقرير المصير واختيار تلك الشعوب ما يناسبها من حكومات او قادة فهذا شأن داخلي صرف، وقد أثبتت مآلات الأحداث الدامية والمؤسفة الجارية في سوريا صواب سياسة الاعتدال التي يتبناها العراق تجاه هذا الملف الخطير وتداعياته على المنطقة عموما وعلى العراق خصوصا فضلا عن لبنان، فقد كانت الرؤية العراقية ناجعة وناجحة تجاه الأتون السوري الملتهب والشائك وسط تخندق اغلب دول المنطقة (منظومة دول الخليج العربية، تركيا، اسرائيل) ضد نظام بشار الاسد وتدخلها السافر في الشأن السوري وتورطها في الوقوف مع الجماعات والفصائل التي تقاتل ضد هذا النظام والتي يطلق على مجمل نشاطاتها بـ"الثورة " السورية وهي نشاطات كشف العراق عن مآربها السيا/ طائفية البعيدة عن اقنوم الثورة أسبابا ونتائج، والتوجه ذاته بالنسبة للملف النووي الإيراني في اعتباره شأنا داخليا إيرانيا وبقية الملفات المأزومة والمتأزمة كالملف اللبناني والمصري. وقد دفع الشعب العراقي أثمانا باهظة بسبب السياسات الخارجية الخاطئة للأنظمة المتعاقبة التي لم تكن تتصف بالاعتدال او الاتزان او وضع المصلحة الوطنية العليا في المقام الأول باستثناء توجه حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم الوطني فهذه حالة لم تتكرر في التاريخ العراقي المعاصر، أما في العهود التي سبقته او تلته فقد كان توجه السياسة الخارجية العراقية توجها مؤدلجا ومتذبذبا مابين المحاور الدولية والتكتلات الاقليمية والارتماء في أحضان جهات على حساب مصلحة الشعب العراقي بحجة التوجه القومي للدولة (حكومة الأخوين عارف) والانبطاح أمام جهات اخرى بذات الحجة في مسعىً ليس للشعب العراقي فيه ناقة او جمل ولم يحصد منه سوى الشعارات "القومية" الفارغة والخراب كما حصل طيلة العقود التي حكم بها البعث المنحل، حيث كانت السياسة الخارجية العراقية تنحو منحيين؛ الاول ممالأة أطراف على حساب أطراف أخرى، والثاني مشاكسة او معاداة أطراف على أطراف اخرى فلم تكن هذه الممالأة وهذه المشاكسة مبنيتين على قواعد وأعراف القانون الدولي في تنظيم العلاقة بين الدول او وفق حسابات المصالح المشتركة (او العداوات إن حصلت) وإنما كانت السياسة الخارجية العراقية تدار حسب مزاج الديكتاتور وعقليته البدوية وعقلية حاشيته وبطانته الفاسدة، وكانت الحرب العراقية واحتلال دولة الكويت والعقوبات الدولية التي فرضت على الشعب العراقي وغيرها الكثير إلا أمثلة بسيطة على سوء التخطيط في العلاقات الخارجية والتخبط الفاضح في إقامة تلك العلاقات مع جميع الدول والمنظمات الدولية والأممية في اندفاع سياسي دوغمائي اهوج والنتيجة كوارث شمولية وعزلة دولية خانقة وتدهور كبير في الأهمية الجيبولوتيكية العراقية الفائقة وضياع فرص إستراتيجية كثيرة في التقدم وصعود أطراف إقليمية كثيرة جراء ذلك التدهور على أكتاف محورية العراق وتقدم ورفاهية الشعب العراقي. ان سياسة الاعتدال التي ينتهجها العراق ليست بالإجراء السهل او اليسير لأسباب منها ان طبيعة العلاقات الخارجية ولعقود كانت مصابة بالتشنج والتعسر والتخبط وعدم الاستقرار مع محيطه الخارجي خاصة دول الجوار ولم يكن يضبط ايقاع تلك العلاقات ضابط عدا التخبط السياسي ما أنتج حالة من التقاطع (او العداوة المبطنة) مع العراق دولة وحكومة وشعبا ليس من السهولة بمكان ان تزول آثارها، وثانيا ان تجربة التغيير والديمقراطية في العراق وكما هو معروف لم تكن مُرحَّبا بها او تحظَ بمقبولية اقليمية ٍ وكان ومايزال المناخ الإقليمي العام ضد العراق وتجربته الديمقراطية الفتية وتمثلت تلك عدم المقبولية بالتدخل السلبي في الشأن العراقي والتعاطي غير المدروس معه لأسباب سياسية وطائفية واقتصادية (الإرهاب بكافة أشكاله وحرب الاستثمار والاقتصاد والرياضة وحرب المياه والحروب الدبلوماسية العلنية والمبطنة وغيرها)وكأن العراق هو عبارة عن جزيرة وسط بحر متلاطم الأمواج من المؤامرات والدسائس والفتن والتدخلات غير المبررة في شؤونه الداخلية،ولهذا كانت المهام الملقاة على عاتق أصحاب القرار في رسم خارطة طريق آمنة للسياسة الخارجية ليست بالسهلة وسط حقول مليئة بالدوغمائيات السيا/طائفية المتكلسة. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- تأثيرات العوامل الداخلية و الخارجية لازمة المياه
- التدخلات الخارجية في العراق هاجس قلق عند السيد السيستاني !
- خطاب الاعتدال... خطبة 8/11 انموذجا