حجم النص
بقلم :هادي جلو مرعي
كل الأمم والأمبراطوريات والمماليك الكبرى ، والجمهوريات الحديثة مرت بتجربة ضعف في أول نشوئها وقبيل زوالها ، وحتى في أسابيع وأشهر تحول سياسي تمر به دولة عظمى يمكن أن يكبل أيدي قياداتها ويعطلهم عن إتخاذ قرارات وإجراءات حاسمة . في الولايات المتحدة ترك الأمريكيون الصراع مع الخارج جانباً وأهملوا القضايا التي كانوا يدسون أنوفهم فيها عبر قارات العالم نزولاً عند رغبة الشعب الذي كان يكافح ليعرف ما هي الوجهة التي ستنطلق إليها عجلة الإهتمام الحكومي في الشؤون الداخلية.
وكان ذلك التساؤل في الحقيقة موجهاً الى معسكر الرئيس أوباما ومنافسه الجمهوري ، وكان التركيز على قضايا الإقتصاد ومنها (معدلات النمو ، وحجم البطالة ، وفرص العمل ، وطلبات الإعانة ، وتأهيل البنوك والشركات المفلسة والضرائب وسقف الدين العام) وكان للضمان الصحي والإجتماعي حضور لافت أيضاً ففي حين كان أعضاء الحزب الجمهوري يدفعون بإتجاه تخفيض الدعم الفيدرالي كان أوباما مصراً على تأكيد حصول مختلف الطبقات في المجتمع الأمريكي على المستلزمات الطبية الملائمة والعلاج الصحي.
كانت أمريكا أنموذجاً للدولة الجبانة المنكفأة على نفسها ، وتركت قضايا العالم دون معالجات حقيقية وإكتفت ببيانات خجولة وتصريحات خافتة وإتصالات لم تثمر عن شيء حقيقي يغير المعادلة في مناطق الصراع حول العالم.
حين تنهار منظومة قيمية وتكون دولة ما مفككة وقد إنهارت مؤسساتها التشريعية والتنفيذية فإن الوقت سيطول حتى تتعافى كما في بلدان الربيع العربي كمصر وتونس واليمن أو قد تحتاج الى بناء من الجذور والأساسات كما في ليبيا والعراق، وهذه الدول جميعها الآن دول جبانة ، فمؤسساتها التشريعية غير قادرة على صياغة قوانين ملزمة ونافذة ينقاد لها الجميع، وحكوماتها عاجزة عن تنفيذ التشريعات وإنجاز المشاريع وفرض هيبة الدولة ، وإلزام المواطنين بإحترام القوانين ، وكشف عمليات الفساد وملاحقة المتورطين في قضايا فساد واسعة في دوائرها الخدمية ولا تكون قادرة على جمع شتاتها وتنشغل في صراعات جانبية ، وتذهب بعيداً في التملق لمن يتهدد ويتوعد ، وحتى في وسائل الإعلام وهي لا تلتفت الى المصلحين والمنتقدين بإخلاص وتكون أبوابها مشرعة للمرتزقة ولعديمي المواهب وتبدأ بمنح المناصب لكل من هب ودب، وليس مهماً بعدها الى أين تمضي الأمور ،ويكون الجميع منشغلين بإنجاز ملفات شخصية ، وسعاة لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب المادية والوظيفية، ولا يعود أحد مطمئناً الى وضع الدولة لأن صفة الجبن تطبع سلوك المتصدين على المستوى التشريعي والتنفيذي، وفي سلك القضاء وأجهزة تنفيذ القانون وترسيخه وحتى في قطاعات الصحة والتربية والتعليم والشباب والاتصالات والكهرباء ، وسواها يعم الضعف وينتشر الفساد ويتسلط المفسدون ويحكمون ويتجبرون ولا يخشون شيئاً .
ملاحظة أخيرة : في بلاد الجبن العربي ، يكون السؤال ، كيف الحال ؟ ويكون الجواب ،ماشي الحال .
أقرأ ايضاً
- القوامة الزوجية.. مراجعة في المفهوم والسياق ومحاولات الإسقاط
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- إضحك مع الدولة العميقة