- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الخطاب المنبري وإشكاليات العصر
يعتبر المنبر الحسيني الأداة ألأهم لنشر الوعي والثقافة الدينية لدى المسلمين الشيعة, وقد مر بأدوار ومراحل مهمة منذ نشؤه الى تحوله الى مؤسسة لها تقاليدها ومناهجها وأصبح له روَّاد يرفدونه بكل أسباب البقاء والأستمرار .وأكتسب خطابا ً مميزاً عن باقي المنابر الإسلامية , ولهذا التميز أسبابه وخلفياته, حيث أن هذه المؤسسة تستمد قيمَّها ومبادئها من ثورة ٍ استمرت جذوتها قرون عديدة وما زالت مشتعلة ومتجددة, وسبب ديمومتها إنسانية أهدافها ومنطلقاتها,بالاضافة الى كونها قضية وليست مجرد ذكرى كما يقول الشاعر :
في كل عام ٍ لنا في العشرِِ واعة ***** تطبق الارض والأرجاءَ والسككا
هذه المؤسسة منذ نشأتها على يد أئمة أهل البيت عليهم السلام أبتكرت أسلوباًً خاصا ً بها إعتمد على المزاوجة بين العقائد والحياة العملية فقد وجدت لتكون مشروعا ً تعبويا ً تنويريا ً يغطي مساحة واسعة من طموحات المضطهدين والمقهورين في الارض, لذا كان خطابها يستلهم روح العصر الذي يعيش فيه والارض التي ينمو عليها , ومن هنا نرى إختلافا ً واضحا ً في لغة الخطاب من بلد ٍ الى آخر وإن توحَّد في النهاية في عرض المأسآة. وما من شك أن هذا الخطاب قد تطوَّروترقى فمن إقتصاره في البداية على عرض المأسآة الحسينية التي وقعت في كربلاء, والتي أصَّل لها (الشيخ حسين صاحب كتاب الروضة ) والذي إشتق اسم الخطيب الحسيني منه أي ( الروزَخون – قارئ الروضة) بقلب الضاد في كلمة روضه الى الزاي, حتى دخول عنصر الأدب والتاريخ والتفسير وغيرها من العلوم الإسلامية , ودخول العنصر الفني في الخطابه من لحن وإلقاء وملكة حضور يتمتع بها بعض الخطباء الذين كان لهم القدح المعلى في هذا المجال . ولكن و مع تطور وسائل الإتصال, وفي ظل ثورة المعلومات من خلال الإنترنيت والقنوات الفضائية والموبايل , بدا وكأن الخطاب المنبري يواجه إشكالات كبيرة وتحديات كثيرة على جميع الصعد , خصوصا ونحن في خضم تهافت المصطلحات الفكرية والثقافية والفلسفية والسياسية , والتي تحتاج الى مزيد من التطور والارتقاء لمواكبة الأجيال التي تنهل من هذا المعين الثر . إن إيجاد حالة تفاعلية بين الخطيب والمتلقي هي ضرورة ملحة من أجل الاستمرار والنهوض .و إن تعدد أغراض الخطاب المنبري هو من أوصله لنا غضا ً طريا ً وأن وجود ثلة من الخطباء المثقفين الذين يمتلكون حسا ً فنيا ً بالاضافة الى تسلحهم بالعلم والعقيدة هو الكفيل في ديمومة هذه المؤسسة, وجعلها ملتقى الأجيال المختلفة, لأن الخطيب الحسيني يمثل نقطة التماس بين الشارع والمؤسسة الدينية, ولهذا إن أي فعل أو تصرف ٍ من الخطيب ينعكس على المؤسسة الدينية سواء كان هذا الفعل إخلاقيا أو فكريا ً , ولا شك أن الخطيب هو العين المراقبة والناقدة للمجتمع وبمثابة السلطة الأخلاقية لأن الدور الذي يقوم به هو دور إعلامي و توعوي, وحتى لا يتحول الخطيب الى حكواتي أوقاص يجب عليه أن يقوم بهذا الدور وهو دور المراقب والناقد , والمثقف والعارف بأدوات العصر لكي يكون مقنعا ً لمستمعيه .
للأسف لقد ظل المنبر منذ فترة يراوح في مكانه ولم ينزع للتجديد والتحديث بالاضافة الى تخليه عن بعض الأدوار التي كان يقوم بها سابقا ً كالدور النقدي والرقابي , فلو القينا نظرة على الشعر كنموذج لما نقول , فالقصائد التي تتلى في مقدمة المجالس والشواهد الشعرية يتضح لنا أنها بالاغلب قديمة تنتمي الى عقود العشرينات والثلاثينات وحتى نهاية الستينات , ناهيك عن الشعر القديم جدا ً, وكأن الفيض الشعري قد توقف والانفعال قد تلاشى, ونرى أن هناك معالجات شعرية ضمن هذه القصائد هي معالجات لفتراتها الزمنية لا تصلح للزمن الحالي , ورغم ذلك فالبعض متمسك بها ولا يحاول ان يفتش او يبحث عن شواهد وقصائد أخرى.ولعل تكرار مثل هذا الأمر يجعل المنبر في خانة التراث والفلكلور, وهذه واحدة من الاشكاليات فلو أتى الخطيب مثلا ً بشاهد شعري لنزار قباني أو بدر شاكر السياب او أمل دُنقل أو مظفر النواب أو غيرهم او شاهد قصصي حديث يزاوج به القديم والحديث لكان أكثر مقبولية من قبل الجمهور, وهناك مسألة أخرىوهي تتعلق بالضعر الشعبي الذي يرافق عادة ً القصيدة الفصيحة يكون بالاغلب غير مفهوم لأنه يحتوي مفردات شعبية مستغرقة بثقافة المنطقة التي خرجت منها على سبيل المثال لا الحصر : (طلعت من الخيمة تعدي زينب و عالتل أوجبت) و وفي موضع آخر في القصيدة يقول ( لمن سمعها أبن النفل بيه الحمية شرعبت ) فكلمة أوجبت وشرعبت صعبة على المتلقى الآن وغيرها الكثير من المفرداتوهذا المثال ينطبق على الشعر الفصيح أيضاً .
ثانياً:
لقد كان الخطيب الحسيني في الفترات الماضية يلقِّي على مستمعيه خطبته وموضوعه وكان أغلب الجالسين من الأميين أو ذوي الثقافة المحدودة فكان الخطيب يمثل لهم قناة المعلومة الوحيدة والرئيسة, ولا يناقشه أحد من الجمهور , بأعتبار أن فاقد الشئ لا يعطيه, بالاضافة الى كونه المثقف و العارف المسلَّم به من قبلهم , كما يقول – ز.ج. زجلر(سواء رضينا أم أبينا .. فإن الذين يُحسنون الحديث أمام الناس يعتبرهم الآخرون أكثر ذكاء .. وإن لديهم مهارات قيادية متميزة عن غيرهم .) , وأما اليوم وبعد هذا التطور الهائل في نشر المعلومة وتعدد وسائله,اصبحت الحاجة ملحة لتطور صيغة الخطاب ورقيِّه.
إن الارتقاء بالمنبر يتم بتطوير مضمون الخطاب، بأن يكون أكثر علمية ومواكبة للعصر، وأقرب إلى قضايا الساعة ومشاكل المجتمع، وأيضاً بتطور أساليب الطرح، ببلاغة لغة الحديث وسلاستها، وباستخدام لغة الأرقام والإحصائيات، وبتركيز الموضوع ومنهجيته، واستحضار الشواهد من الواقع المعاش، وليس من التاريخ الماضي فقط, لقد جمعني مع بعض المثقفين مجلسا حسينيا ً في بيت أحد الأخوة وكان المدعو لألقاء المجلس خطيبا معروفاً ومشهورا ً فبعد المجلس دار نقاش حول إمكانية تطوير الخطاب المنبري , فتوجهت لذلك الخطيب بسؤال وقلت له ( هل ترون أن هناك حاجة لتطوير المنبر بعد أن إتسعت رقعته الجغرافية الثقافية وبعد تطور وسائل المعرفة ) فأجابني بقوله : ماذا تقصد بالتطوير هل تريدون أن نجعل المنبر ألكترونيا أو ان نستبدله بالالمنيوم بدل الخشب , نحن مقتنعون ان المنبر يجب أن يبقى لذكر مصيبة الامام الحسين, أنا لا أختلف مع ذلك الخطيب من أن الجانب العاطفي يجب أن يحتفظ بدوره كركن من أركان الخطاب المنبري ولا شك أن الحماسة والعاطفة تعطي بريقا ً وجذبا ً لأي قضية ولكن يجب أن ترافقها قوة إقناع. لأن من البيان لسحرا كما يقول نبينا الأكرم محمد(ص) و يقول ارسطو ( الخطابة هي القوة القادرة على الإقناع) , إذن يجب أن نأخذ بعين الإعتبار روح العصر والارض التي نتحرك عليها , فلايمكن أن نفهم طبيعة الناس الذين يعيشون في مكان ما دون معرفة ثقافتهم وطرق تفكيرهم, ولعل واحدة من أهم المشاكل التي كانت تواجه المبلغين القادمين الى اروربا هي نوعية الموضوعات المطروحة وكثرة الأسئلة الموَجه للخطيب من قبل الشباب خصوصاً, ولعلي قد واجهت بعضا ً من هذه التجارب شخصياً.
ثالثاً :
إنحسار الدور النقدي والرقابي للمنبر , فقد كان المنبرالحسيني يتميز عن غيره برصد السلبيات وعرضها بشكل رقيق على الناس أو على الدولة من أجل الإصلاح , وما القصة المنقولة على الألسن عن السيد صالح الحِلي إلا دليل على ذلك , فقد كان السيد صالح الحلي وهو خطيب مفوه مشهور يأخذ بالباب المستمعين يخطب في بغداد في حرم الامام الكاظم (ع) في أوائل الحكم الملكي وذلك عام 1925م وكانت تلك الفترة بدايةً لمماحكات الاحزاب السياسية الناشئة حديثا ً ولصراعات على المناصب بحيث لم تلتفت الدولة الى الاعمار والى حال المواطن وكان ذلك الوضع يثير في نفس السيد الحِلي تساؤلات عديدة , وفي أثناء المجلس والسيد منهمك في خطبته دخل الملك فيصل الأول وجلس مع الحاضرين , هنا أراد السيد الحِلي أن يقوم بدوره الرقابي وواجبه كضمير وصوت للجمهور وتحدث عن الأوضاع المعاشية السيئة للناس فقال ( أيها الناس يحكى أن هناك إختان واحدة تعيش في البصرة والأخرى في الموصل, فزارت البصراوية أختها المصلاوية وتجاذبا أطراف الحديث وبعد ذلك نظرت المصلاوية الى أختها البصراوية ورأتها مغمومة مهمومة وسألتها عن السبب , فردت البصراوية وقالت نعم يا أُخَيه , اريد تزويج ولدي الوحيد لكي أفرح ولكن تعلمين حالتي ولم أجد لحد الآن اي خرابة ٍ - كناية لدى العراقيين عن البيت والمأوى- لي ولولدي لتأويني , فقالت لها متعجبه لماذا لا تجدين خرابة وبفضل الملك اليوم العراق كله خرائب . هنا ضج المجلس وتفاعل مع السيد الحِلي وخرج الملك على إثرها منزعج ومتأثر. فقد أوصل الحِلي الرسالة النقدية الى الحكومة, وكأن الحِلي يريد أن يقول أن ثورة الحسين قامت من أجل إحقاق الحق والعدالة وإنصاف المظلوم وهذا هو دور المنبرفي تثبيت وتعريف أهداف الثورة الحسينية ومنطلقاتها الإنسانية , وما الخطيب إلا ذلك اللسان المترجم والكاشف عن هموم المجتمع.واذكر هنا موقفاً شهدته شخصيا ً, حين كنا في سوريا في العام 87-88 من القرن المنصرم وكان يقام في بيت السيد الواحدي وهو أحد رجال الدين المعروفين في سوريا في منطقة السيدة زينب مجلسا ً في شهر رمضان وكان الخطيب هو السيد جابر آغائي وهو خطيب إشتهر بنقده اللاذع للسلبيات الاجتماعية والسياسية وكان شجاعا ً في طرحه لا يبالي أحدا ً ولا يخاف لومة لائم . وكنا نواظب على حضور ذلك المجلس , وفي إحدى الليالي ذكر السيد آغائي الوضع المتردي للامة العربية والوضع في لبنان وكان الوضع السياسي في لبنان متفجر داخليا ً آنذاك وإسرائيل تتوعد وأتذكر أنه تحدث عن الفتوحات الإسلامية وكيف كان العرب يسودون العالم بالاسلام وقارن الحال بالوضع العربي اليوم فقال ( لقد كان العرب فاتحين في الماضي أما اليوم فهم مفتوحون) وكان بين الحضور مجموعة من ضباط المخابرات السورية والعسكريين , فضج المجلس بالضحك ,فقال السيد مباشرة ً لمَ تضحكون هل تضحكون على خيبتكم , أهذا كل ما تقدرون عليه عليكم أن تفكروا قبل أن تضحكوا ) ولعل المواقف مع سيد النقد المنبري السيد الآغائي كثيرة, واتذكر وبنفس المجلس المذكور وفي أحد الايام ارتقى السيد المنبر فتزامن صعوده مع دخول شباب يحملون كاسيتات -أشرطة تسجيل فلا يوجد آنئذٍ سي دي - فنتهرهم السيد وزجرهم وقال مالذي تفعلونه أما تميزون بين الخطيب الديني وبين غيره فالمجلس ليس حفلا ً ففنيا ً وما انا بمطرب فللمجالس آداب واراد ان يوصل رسالة بأن المجلس الحسيني ليس للترف الاجتماعي او لتمضية اوقات الفراغ , وهكذا نراه يتوجه بالنقد للعادات الاجتماعية السيئة لأن المنبر لديه هو رسالة وقضية.
رابعاً:
عدم وجود ظابط يحدد نوع الخطيب وأهليته , فالمعروف أن الخطابة تندرج تحت قسم العمل الإعلامي والتبليغي وهو من أخطر وأهم الإقسام في المؤسسة الدينية ويجب أن تتوفر بالخطيب مجموعة من المزايا تؤهله لأرتقاء المنبر وسلوك هذا المنهج.
1- ثقافة الخطيب : يجب أن يكون الخطيب على درجة عالية من الثقافة وعليه أن يكون موسوعيا ً في ثقافته وملم بالأخبار ومتابع للاحداث ومتقن لأداته المنهية , بالاطلاع على علوم القرآن ومصادر الأحاديث التي يقولها وغير ذلك.
2- موافقة القول للعمل: يقول الأمام علي (ع) لا يصح التعليم لا من العالم ولا يصح الوعظ إلا من المتعظ, ويقول ابي الأسود الدؤلي:
يا أيـــــــهاأالرجــــــل المعلم غيره*** هل لنفسك كــــــان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي ***الضنى كيما يصح به وأنت سقيم
أبــــــدأ بنفسك و إتها عن غيها *** فــــــــأذا أنتهت عنه فأنت حكيم
لا تنه عن خـــــــــلق وتأتي مثله *** عــــــار ٌ عليك إذا فعلت عطيم
وأؤكد هنا أن الخطيب الحسيني يمثل الجنبة الدينية ولذا يجب عليه ان يكون القدوة والمثل الأعلي للناس لأنه تحت الضوء وتحت الأنظار. ينقل عن الشيخ جعفرالتستري إنه كان خطيبا ً محبوبا ً وقدوة للناس , والناس يأخذون أقواله حرفيا ً ,فحدث أن جاءه أحد العبيد وكان راغبا ً بالحرية وهويعلم أن سيده يطبق ما يقوله الشيخ التستري , فقال العبد للتستري شيخنا ( يا حبذا لو ذكرت العتق وفضائله وتَمُن عليَّ بالعتق والحرية , فمضت مدة والعبد وظن أن الشيخ قد نسيَّ الأمر وإذا بالشيخ يذكر فضل العتق وما للعاتق من الأجر والثواب, وما إن رجع العبد الى البيت مع سيده فأذا بالسيد يقول له إذهب أن حرٌ لوجه الله , فجاء العبد للشيخ لشكره وسؤالعه عن التأخير تلك المدة , إذا بالشيخ يقول له لك الحق أنني قد تأخرت ولكن السبب هو كان عندي عبد وانا محتاج له ولم استطع أن أذكر فضل العتق دون ان أقوم انا اولا ً بهذا العمل وهكذا قرن الشيخ قوله بعمله.
هذا بالاضافة الى دراسة علوم اللغة والذائقة الأدبية و الأمانة العلمية في النقل والثقة بالنفس. ولعل من البديهيات هو حصوله على شهادة معينة و خضوعه لأختبار تحت رعاية جهة دينية مسؤولة.وكما يعطى لطلبة الحوزة أجازة في الرواية يجب كذلك أن يحصل الخطيب على هذه الإجازة.
خامسا ً:
غياب العمل المؤسساتي للمنبر الحسيني يعتبر من إشكاليات الخطاب أويمكن تصنيفه بالسبب الغير مباشر لتردي نوع الخطاب وشكله, فليس هناك آلية لتأسيس المجالس الحسينية وبالتالي ينعكس هذا على نوعية الخطيب بحيث تصبح الخطابة بضاعة معروضة يتحكم بها السوق من حيث العرض والطلب , فأي شخص يمكنه أن يشتري الخطيب ما دام يمتلك المال والبعض من الخطاء يفعل مايريده منه صاحب المجلس دون النظر الى الضوابط الشرعية والدينية , فيقوم بنقل روايات ما أنزل الله بها من سلطان بحجة أن الناس يريدون ذلك , وهنا نرجع الى إشكالية المثقف والجمهور. وهي: هل ينزل المثقف الى مستوى الجمهور أم على الجمهور أن يرتفع الى مستوى المثقف , فالحقيقة لا هذا ولا ذاك ولكن على المثقف أن يرفع مستوى الجمهور من خلال أدواته وهو دور الخطيب أيضاً , وبما أن بعض الخطباء يمتهنون عملهم ويقيسونه بالمال فقط مع غياب الضوابط والروادع وعدم وجود جهة تنظم هذا العمل فسيكون الحال كما نراه. فهنا أتذكرأن أحد أصحاب المواكب كان يقول ( نحن نصعِّد من نريد وننزل من لا نريد ما دمنا ندفع المال) ويبقى الخطيب عرضة لهؤلاء, , ولكن من المؤسف أن البعض يعتبرون المنبر والمجلس الحسيني عبارة عن كرنفالية وإحتفالية تسمى باسم الحسين فقط, وهم أحرار فيما يعملون وما يبتكرون وللاسف هناك من ينظِّر لهؤلاء ويدعمهم بأعتبارهم يمثلون خط الولاء لآل محمد (عليهم السلام) , وبالتالي الخطيب يقع تحت رحمة هؤلاء خصوصا ً إذا كان يشكو من العوز والحاجة. ويخسر المنبر دوره الذي وجد من أجله وعكس ما اراده أئمة أهل البيت ليكون مؤسسة تثقيفية لنشر الوعي من خلال المبادئ التي ضحى من أجلها الحسين (ع) , وما الصور التي تنقل عن الواقعة إلا أنها أمثلة نقتدي بها في حياتنا العملية .
وهناك ملاحظة يجب الانتباه لها بأعتبارها سبب في جعل الخطيب والمنبر يواجه إشكاليات فرضها عليه الواقع الإجتماعي والمؤسسة الدينية معا ً وحتى نكون منصفين في نقد الحالة , أود أن أنوه هنا أن كثير من الناس في العراق يسمون الخطيب ( روزخون) ويسمى في لبنان قارئ السيرة الحسينية ,وفي البحرين ( المله) أي في منزلة أقل من منزلة رجل الدين ويكون محل عطف وشفقه في بعض المناطق وكأنه مستجدي او شحَّاذ , وأتذكر هنا حادثة وقعت لي ذهبت الى لبنان في العام 1992م وبالتحديد في قرية تولين في الجنوب للتبلغ في موسم محرم وكان المجلس المقام هو المجلس الرئيسي الذي يجتمع فيه أهل المدينة وكنت انا الخطيب فوصل دوري وقدمني عريف المجلس وقال( والآن مع قارئ السيرة الحسينية السيد.... ) فقد أزعجتني هذه الجملة كثيرا , وقبل البدء في المجلس شكرت العريف وقلت أن الاخ عريف المجلس نعتني كما سمعتم وانا في الحقيقة اريد أن أصحح وتذكرت هنا كلمة للكاتب المسرحي الالماني برشت (إعطني خبزا ً ومسرح أعطيك شعبا ً مثقفا ً) وقلت أنا لست حكواتيا ً في مقهى ولست قاصا ً في جلسة أدبية, ولكني أنا أقوم بدور تثقيفي وأحمل رسالة من خلال هذا المنبر فكما يوجد لدى الغرب أداة للتثقيف هو ( المسرح ) فلدينا المنبر هو بمثابة المسرح.
نخلص الى القول أنه لا يجوز أن نترك المنبريتردى في خطابه وان يتخلف عن العصر الذي نعيشه ونجعله يستخدم أدوات يسخر منها الجيل الجديد وبالتالي يتراجع في حمل الرسالة ويفسح المجال لثقافات اخرى متربصة للغزوالثقافي والإجتماعي, بقي عليَّ ان أُثني على تجربة جديدة وأشد على أيدي القائمين عليها وعلى الشباب الذين تطوعوا لحمل هذه الرسالة وهي تجربة خطباء اللغة الانكليزية والهولندية والفرنسية بالاضافة الى العربية , لقد التف حول هذه التجربة الشباب وأصبحت محل حديثهم وهو يقولون أن ما يطرح في هذه المجالس شئ مختلف وقريب من ثقافتنا , والسبب في ذلك ان الخطباء هم يحملون نفس ثقافة الشارع والمحيط الذي يتنمون اليه شريحة الشباب, وأذكر من هؤلاء السيد عمار النقشواني والسيد حيدر بحر العلوم والسيد القزويني باللغة الانكليزية والدكتور وائل الخطيب باللغة الهولندية وغيرهم , ويتسائل المراقبون والمهتموُّن بهذا الشأن عن سبب تؤخر المؤسسة الدينية عن إيجاد ضوابط وحلول لهذا القطاع الهام والحيوي والفعال لنقل الثقافة. فهل ما زال ينظر الى الخطيب كما ينظر اليه سابقا ً على أنه (روزخون) من العوام أو أنه مسترزق على باب الله وسفرة الحسين كما يقولون, و لا أهمية له وهل مازال الخطيب لا علاقة له بالمؤسسة الدينية وهو يعمل بشكل منفرد دون الرجوع اليها أو الانضواء تحت لوائها , هذه في الحقيقة بعض المشاكل التي تحتاج الى حلول كي تتجنب مؤسسة المنبر حالة العزل الثقافي.
أقرأ ايضاً
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- المثقف وعودة الخطاب الطائفي
- رصانة لغة الخطاب الاعلامي