ثمة لوح محفوظ عن الحضارة الهندية كتب عليه العبارة الآتية: يستحيل على المرء أن لا يذوق عسلا أو سماً امتد إليه لسانه، وعليه فأنه ليس من السهولة أيضا على من يدير الأموال ألا يذوق منها ولو شيئاً قليلا.
لذلك فأن ظاهرة الفساد الإداري والمالي ليست وليدة اليوم وليست مرتبطة بزمان او مكان معينين.
شهد هذا العصر في ظل التطور التكنلوجي والانفتاح الإعلامي بالإضافة إلى تقارب دول العالم اقتصادياً في ظل العولمة والدخول في اتفاقيات دولية.
ان الوصول الى تعريف ومفهوم الفساد بحد ذاته قد يساهم بشكل كبير في الحد من هذا المرض المستشري الذي أنهك اقتصاد العراق ومقدرات شعبه.
من الصعب ايجاد تعريف واحد لمفهوم الفساد الإداري حيث ان هناك تعاريف متعددة تناولته من جوانب مختلفة، لكنها لا تعطي تعريفاً شاملا ودقيقاً حيث تباينت وجهات النظر بين الاكاديميين وأهل الاختصاص وغيرهم فمنهم من ذهب إلى ربط مضمون الفساد الإداري بالبعد الحضاري وما فيه من قيم وتقاليد ومعتقدات ونظم سياسية وبيئية اخرى، ومنهم من ذهب إلى النظرة الآحادية بالقول بأن الفساد الإداري هو نتيجة التسبب والفوضى واستجابة للحاجة والعوز المادي. هذا باختصار ما يروج له الطرفان.
الفساد لغةً يشير الى التلف وخروج الشئ عن الاعتدال ونقيضه الصلاح.
وبالرجوع إلى الآراء الحديثة فإن معجم وبستر في اللغة عّرف الفساد الإداري إلى انه \"اقناع شخص مسؤول عن طريق وسائل خاطئة كالرشوة مثلا بانتهاك الواجب الملقى على عاتقه\".
وبطبيعة الحال فإن الفساد في الواقع العملي قد لا يكون من الصعب معرفته بخلاف صعوبة ايجاد تعريف علمي دقيق له. حيث ان كل ما خالف الطبيعة البشرية الطبيعة بداهة فهو خطأ.
لذا فإن كل ما خالف القيام بهذه المسؤولية شرعاً وعرفاً ونظاماً فانه يعتبر فساداً إدارياً.
وعموماً فالمعروف للجميع بأن كل من استغل سلطاته من خلال وظيفته بهدف تحقيق مكاسب شخصية سواء كانت مالية،، اجتماعية، أو أي منفعة كانت فإن ذلك يعتبر فساداً إدارياً، وهذا الشكل ربما لا يختلف عليه اثنان.
لكن يلاحظ انه ليس تعريفاً شاملاً للفساد الإداري، فكثير من الناس قد يكون سلوكه الوظيفي محل تساؤل عرف أم لم يعرف.
إلا انه درج على ذلك وكثير من الناس تعارفوا على تلك الممارسات الخاطئة مثل التأخير في الحضور أو الانصراف من وإلى العمل أو الخروج مبكراً أو اهدار ساعات العمل وعدم انجاز المهام المكلف بها الموظف، كل تلك الممارسات تدخل ضمن تلك الاخطاء.
من المهم وكجزء من التعرف على هذه المشكلة ان البعض يحصر مفهومه للفساد الإداري بانه يرتبط بالاموال وفي المناصب العليا وشاغليها فقط.
لكن ذلك بتنوع وتختلف بجهات واشكال مختلفة وبمستويات عدة ولكنه في كل الاحوال يعتبر فساداً لا ينبغي التقليل من أهمية خطره على المجتمع في كافة مجالات الحياة.
ان معرفة الفساد الإداري وتشخيصه له أهمية بالغة لكونه الخطوة الاولى والهامة في سبيل ايجاد الحلول للحد منه أو القضاء عليه، وقد كتب كثير من الباحثين حول سبل مكافحة الفساد مع اختلاف النظرة والتعريفات طبقاً للحالات والبيئات المختلفة إلا ان مجمل تلك السبل تركز على جانبين، رئيسين، فالجانب الاول يركز على الفرد كونه عنصراً مساهماً إذا ما حدث ومخالفة تؤدي إلى وجود فساد إداري أيضاً.
مما لاشك فيه ان الفرد له دوره الفعال في الإصلاح إذا ما عرف مفهوم الفساد الإداري بكافة اشكاله ومستوياته.
كون الجانب الفردي له أهميته في عملية الإصلاح عندما يقوم الفرد بتقويم سلوكياته من خلال تعزيز القيم وتطبيق الأنظمة وعدم الرضوخ للمغريات.
إلا ان الجانب الفردي بأهميته لن يكون كافياً بل يجب إصلاح الجانب التنظيمي بما يتعلق بالمنظمات وقوانينها وأنظمتها وكذلك إجراءاتها بما يتضمن تحقيق العدالة للعاملين بالدرجة الاولى مع أحكام الرقابة بشكل عملي قابل للتطوير والتعديل ليتماشى مع متغيرات الواقع.
ان الفساد الإداري يعتبر معضلة في سبيل تطور المجتمعات والدول لانه يقضي على القيم ويعزز النظرة الفردية بتغليب مصالحها على مصلحة المجتمع بكافة اشكاله ومستوياته من خلال العمل بطرق غير مشروعة ينتج منها استفادة فئة صغيرة على حساب حقوق وتطلعات الفئة الأكبر، وهذا بدوره كفيل بأن يوقف عجلة التنمية وتنفيذ خطط التنمية سواء في منظمة صغيرة أو في دولة بأكملها.
أقرأ ايضاً
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- كيف حارب السنغافوريون الفساد؟