العظماء في التاريخ يبقى ذكرهم لهجا في النفوس المتعطشة للخير والفضيلة والقيم التي من شأنها أن تقوي فيها روح المثابرة لإقامة العدل والقسط في المجتمعات، ونحن نعيش في فترة مدلهمة حيث اختلط الحابل بالنابل وضاعت مقاييس الحق على الكثير من المسلمين فأخذوا يتخبطون في اتخاذ القرارات وهجمت عليهم اللوابس كقطع الليل المظلم، فنشبت في أوساطهم الجهالات والتفرقة والتنابذ والتباغض والجهل بالرغم من أن الدين الإسلامي متمثلا بالرسول الأكرم والأئمة الهداة من بعده يفيضون بعطاءات الأخوة والمودة والألفة وهم قد ضربوا أروع الأمثلة في الإيثار والوحدة وجمع الكلمة، وكانوا السباقين لعمل الخيرات ولتأسيس دولة قوامها القسط والعدل والتقدم والتطور، فاستحقوا بذلك بكل جدارة أن يكونوا قمما سامقة في التأسي والانتهال من نبعهم الصافي وعطاءاتهم التي لا تبور.
إنه بحق الرسول الأعظم كيف لا وقد اصطفاه الله على بني آدم وهو خاتم الأنبياء والمرسلين أرسله ربه رحمة للعالمين ليخرج الناس من الظلمات إلى النور .
إنه الأعظم وإن كان في البشرية من يستحق العظمة فهو محمد ، هذا كلام علماء الغرب المنصفين، ونحن المسلمون نؤمن به ونحترمه ونوقره ونبجله، فهو قدوتنا العليا وهو شفيعنا يوم القيامة وقائدنا إلى الجنة .
إن الأخلاق الحميدة والصفات السامية النبيلة والسمات الرفيعة التي كان يتصف بها نبي الإسلام جعلته أجدر بكل تعظيم وتبجيل فإن هذه الصفات كان لها دور كبير في نشر الدين الإسلامي.
إن صفة الرحمة في تعامله مع المسلمين وحتى مع زوجاته في المنزل لها الأثر الأكبر في نشر الإسلام، وإن أبرز موقف يصف رحمته صلى الله عليه وآله وسلم هو عند فتح مكة حيث قال لقومه الذين عذبوه وأخرجوه من بلده وناصبوه العداء وكان الزمام في يده ويستطيع أن يقتل كل من تسبب في إيذائه ووقف في طريق الدين الناشئ، فقال قولته المشهورة التي يتداولها التاريخ بكل تقدير وإعزاز: ماذا تظنون أني فاعل بكم.
قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال قولته العظيمة الخالدة التي وجلت القلوب إجلالاً لها: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وكانت لهذه الكلمات النبيلة والموقف الإنساني الرائع أكبر الأثر في دخول الناس في دين الله أفواجاً بدون حرب وبدون إراقة ولو قطرة دم واحدة فقال تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً. ( النصر : 1- 3 ) .
إن هذا الرجل العظيم الذي استطاع أن يقف أمام العالم أجمع وأمام جهالات قريش وكفرها العنيد وأمام الأصنام وعبادة الكواكب وكل ما يعبد من دون الله وقف يدعو الله وحده لا شريك له ونبذ كل ما سواه ، إنه بحق لجدير بكل تبجيل واحترام ليس فقط من أتباعه بل من كل من يفهموا سمات العبقرية وخصائصها .
إن الصفات التي تفردت في هذا الرسول العظيم لجديرة بأن يحصل على نوط الامتياز ويحظى بكل تقدير واحترام . إنه بحق الأعظم . فهل بعد ذلك يوجد أي رجل أعظم منه ؟.
إن هذا الرجل العظيم محمد صلى الله عليه وسلم بحق رجل لم تنجب البشرية مثله كيف لا وقد قال عنه الجبار: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ.. وقال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ .
أما الإمام السادس من أئمة الشيعة الأثنى عشر والمعصوم المحيي من الدين كل طامس ٍ ، وكاشف الحقائق ، وباهر الخلائق ، جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم أفضل الصلاة و السلام ، وقد نُسب إليه الشيعى الأثنى عشرية ، فيقال لهم أيضاً ( الجعفرية ) ..
ولد الإمام الصادق سلام الله عليه في المدينة المنورة يوم الأثنين ، السابع عشر من شهر ربيع الأول ، وهو اليوم الذي وُلد فيه جده النبي (ص) في عام الفيل الموافق 570 م ، وكانت ولادة الإمام (ع) سنة ثلاثة وثمانين من الهجرة النبوية المباركة.
ومن وصايا الإمام الصادق عليه السلام لشيعته التي تجسد الوحدة الإسلامية خير يجسيد: سأل أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) قال: قلت لأبي عبد الله : كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا ـ وقومهم من السنّة ـ وبيننا وبين من يخالطنا؟ قال: تؤدون الأمانة إليهم، وتقيمون الشهادة لهم وعليهم، وتعودون مرضاهم، وتشهدون جنائزهم، بحيث تعيشون معهم كمجتمع واحد.
وعن كُثير بن علقمة قال: قلت لأبي عبد الله: أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله، والورع والعبادة وطول السجود وأداء الأمانة وصدق الحديث وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد ، صلوا عشائركم وعودوا مرضاكم واشهدوا جنائزكم، وكونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً، حببونا إلى الناس ولا تبغّضونا إليهم، جرّوا إلينا كل مودة وادفعوا عنّا كل شر.
هؤلاء هم أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام ، ولا بد لنا أن نعمل على أساس أن نكون زيناً لهم وللإسلام في كل أعمالنا وأقوالنا،، ففي ذكرى مولدي النبي محمد صلى الله عليه وآله والإمام الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام، نريد أن ننطلق لنكون في خط الوحدة الإسلامية لمواجهة التحديات التي لا تبحث عن السنّة أو الشيعة، بل تريد رأس الإسلام، وليس معنى الوحدة الإسلامية أن يصبح السنّي شيعياً والشيعي سنيّاً، بل أن نلتقي في ما نتفق عليه ونتحاور في ما نختلف ..
إذن فالوحدة الإسلامية تتطلب منا نبذ الخلافات الداخلية ونحيطها بسياج قوي يحمينا من غدر الظالمين والناكثين ومن فتن الزمان، أولئك الذين لا يألون جهدا إلا وبذلوه في نفث سمومهم، هدفهم في ذلك بث روح الفرقة والتناحر بين أبناء الدين الواحد والقبلة الواحدة والمصير الواحد، ويا حبذا بعقلاء القوم من الفريقين أن يلتفوا حول المشتركات الإسلامية وما أكثرها واللجوء إلى البحث العلمي في الخلافات التاريخية والعقائدية لتطويقها وعدم إقحامها في وحدة المسلمين وتوادهم وتراحمهم فيما بينهم، بهذا نستطيع أن نفوت الفرصة على الأعداء ونسحب البساط من تحت أقدامهم، ونحن أحوج في العيش بالأجواء المتآخية لإرجاع الهدوء والسكينة إلى قلوبنا بتلاحمنا من جديد وبتصفية قلوبنا ونفوسنا لكي نكون بجد مستعدين لأن نتوحد ليس على المستوى المحلي فحسب بل نتوحد على المستوى العالمي.
فالاحتفال بمولد الرسول الأعظم وعترته هو احتفالٌ بالقيم السامية، وشكرٌ للّه على منّه، وإظهار للحبّ الكامن في النفوس لهم، إذ هو بطبيعة الحال تكريم لمن كرمهم اللّه تعالى وأمر بتكريمهم واحترامهم وحبّهم ومودّتهم.. واقتباس لما بثوه من قيم وفضائل تنتشلنا من واقعنا المتردي إلى واقع لا يحصد المرء منه سوى الخير والصلاح.
أقرأ ايضاً
- الإعداد الروحي.. القيم الروحية بين العروج والهبوطـ - الجزء العاشر
- المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء العشرون والاخير
- المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء التاسع عشر