- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل المقاطعة هي الطريق إلى الإصلاحات الدستورية أم أنها الدَرس الأخير في الانتخابات؟
بقلم: د. حيدر الجوراني
أفرزت نتائج سُلوك المُقاطعة للإنتخابات في تجربتين متقاربتين، تجربة ٢٠٢١ و مقاطعة التشرينين للإنتخابات المبكرة، و التجربة الأخيرة لمجالس المحافظات التي قاطعها التيار الصدري و طَيف كبير من القِوى الوطنية المُعارضة، أن في نهاية المطاف فإن الخُصوم السياسيون ماضون في ممارسة السلطة مهما بلغَ حجم المقاطعة بوصفها كبيرة.
و حتى لا تَكن مقاطعة إنتخابات مجالس المحافظات الأخيرة بعد إنتظار طويل الأمد درساً أخيراً لممارستان ديمقراطيتان (المشاركة و المقاطعة) كحَقان على حدٍ سواء، أفضت الحِكمة من المقاطعة كتجربة سياسية بعد ٢٠٠٣ بإن مُرتكزات النظام السياسي الحالي بصيغته الحالية لا تتأثر بالمقاطعة (العَبثية) أو لمجرد عدم المشاركة. إذ أثبتت تجربة المقاطعة الواسعة للإنتخابات المبكرة عام ٢٠٢١ بإن المجتمع الدولي غير مُكترث لأدنى نسبة مشاركة وإنه تَواق لإضفاء شرعية الإعتراف لنظام ما بعد ٢٠٠٣ عند أدنى مستوى من حجم المشاركة في الإنتخابات.
وهذا ما إستدعى الدفع بإتجاه التغيير من الداخل لأن النظام السياسي نتيجة حَتمية لسياسات الإحتواء المزدوج (Doual Containment) و التي إعتمدتها الإدارات الأمريكية بعد إنتهاء الحرب الباردة مع خصمين جيوسياسيين آنذاك هما (إيران و العراق).
المُقاطعة للإنتخابات تكون غير مُنتظمة و عبثية مالم يستثمر المقاطعون زخمهم الإحتجاجي ليِتبَع مقاطعتهم مطلباً مؤثراً يُحرِج السُلطة بشكل مُباشر بعد المقاطعة، و لكي لا تكون المقاطعة مجرد مادة للتداول الإعلامي في مواسم الإنتخابات و كذلك تقليل عامل الإستقطاب الناتج من خلالها لابد أن يتبعها مطلباً إصلاحياً حقيقاً كهدفٍ تكميلي لها.
و ما يُحتم التفكير في إستراتيجية المقاطعة المنتظمة عاملان مهمان هما:
أولا؛ إن معيارية النتائج هي بِيد الطبقة الحاكمة، و في الأخير فإنها تلجأ إلى الرُكون إلى أدنى نسبة مشاركة، كما أنها تتحكم في تحديد نسبة المشاركة بالإعتماد على مجموع من قاموا بالتحديث فقط و ليس من يحق له التصويت بتجاهل متعمد لسبب عدم الرغبة في تحديث سجلات الناخب كمؤشر أساس للعُزوف و المقاطعة غير المُعلنة.
ثانياً؛ و هو الأهم، و على الأرجح هو المَخرج للطبقة السياسية الحاكمة في توظيف معيارية النتائج وفقاً (لمزاجها السُلطوي) المتثمل بغياب تشريع المقاطعة و تشريع نسبتها كحجم بالحد الأدنى في العملية الإنتخابية ليتم إعتمادها بين الأطراف السياسية على حدٍ سواء.
تُرى ماذا بعدَ مقاطعة التيار الصَدري و قوى المعارضة الذين قاطعوا إنتخابات مجالس المحافظات الأخيرة؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب التفكير إلى ماذا ينبغي أن يتبع المُقاطعة! وهو ما يستدعي إستحضار التجارب الإنتخابية السابقة على مدار العشرين سنة الماضية أيضاً.
الإصلاحات الدستورية:
ما يفتقدهُ العقل الجمعي المُعارض هو الإدراك بإن الدُستور العراقي أصبح مُنهكاً (و رُبما مُنتهكاً) في الإحتكام إليه، وهو ذات الأمر الذي قد يُحفز الشكوك في إمكانية تَسييس القضاء أزاء تدخله في حَسم القضايا الخلافية ذات الطابع السياسي و الإنتخابي.
و ما يجعل ضرورة الإسراع بذلك الإدراك، هو أن الطبقة السياسية الحاكمة نفسها تعترف بإن الدستور بحاجة إلى إصلاحات لكنها لا تجرؤ لأسباب سياسية نفعية.
و لعل مقالة الرئيس السابق برهم صالح في صحيفة الفايناشال تايمز في ٢٤ نيسان عام ٢٠٢٣ كشهادة شاهد من أهلها تضمنت بوضوح الحاجة إلى إصلاحات جذرية دستورية من أجل إصلاح النظام و تلافي التناقضات القانونية المترتبة على تلك الحاجة.
كما أن ضرورة تلك الإصلاحات الدستورية لها أهمية في شؤون الطاقة و النفط كما أشار وزير الكهرباء الأسبق لؤي الخطيب في مقالة علمية منشورة في المجلة الدولية لدراسات العراق الحديث عام ٢٠١٨.
أما في تصريح لفائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى يُعد ذلك سيد الأدلة على ضرورة الإصلاحات الدستورية و أن تكرار الأزمات عقب كل إنتخابات هو نتيجة حتمية لهذه الحاجة المُلحة.
خيضَ كثيراً في فكرة التغيير من أجل إصلاح النظام السياسي، و لا فائدة من ذلك دون المرور بخطوة الإصلاحات الدستورية ليَضمنَ المقاطعون بيئة تؤمن لهم الإستمرار في عملية التغيير و الإنتقال الديمقراطي و السلمي.
لذلك، ستكون المقاطعة مُنتظمة إذا ما تَبِعها مطلباً إحتجاجياً تساهم فيه قوى المعارضة و الإحتجاج من أجل الوصول إلى مرحلة الإصلاحات الدستورية، و هذه الستراتيجية إذا ما تحققت، ستؤهل آليتي المطالبة الإحتجاجية بعد المقاطعة بإصلاحات دستورية و من ثم الإستفتاء الشعبي عليها بعد أن يطرحها البرلمان على الشعب إمكانية تطويق الطبقة السياسية شرعياً و دستورياً لأن الشعب هو مصدر السُلطات.
على أن يتم العمل على التثقيف الشعبي لقوى المعارضة التي تشكل نسبة ٨٠% من المجتمع حول طبيعة و مضمون تلك الإصلاحات و ترجمتها ضمن مطالب إحتجاجية.
الإصلاحات الدستورية هي حجر الزاوية لتطهير النظام السياسي مما عَلِقَ فيه و كذلك تطهير الدستور من لوثة كتابته في ظلال الإحتلال، و ما عدا ذلك، تبقى المقاطعة غير المُنتظمة عامل إستقطاب إنتخابي ينتهي الحديث فيه مع لحظات إغلاق الصندوق لأن كل شيء في هذا النظام مُصمم وفقاً لمقاسات الطبقة السياسية التقليدية.
أقرأ ايضاً
- التأهيل اللاحق لمدمني المخدرات
- يرجى تصحيح المسار يا جماهير الكرة
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم