- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الامام الرضا (عليه السلام) شمس الحقيقة التي كشفت زيف العباسيين وانحرافهم
في سابقة فريدة يسجلها تاريخ ولادة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عام 148هـ، والى حين استشهاده عام 203هـ، نجد انه عاصرَ ستة من خلفاء بني العباس وهم المنصور، المهدي، الهادي، هارون، الأمين والمأمون.
وعلى خلفية الحقد والضغينة التي حملها هؤلاء لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله، تشير الاحداث الى ان الإمام موسى الكاظم عليه السلام ربما أوصى ولده بأن ينتظر مادام الطاغية هارون حياً، حتى إذا مات انطلق الرضا عليه السلام بدعوته في الامصار.. فما الدافع الحقيقي وراء ذلك؟
قد يكون السبب هو ان الحياة السياسية للحكام العباسين كانت مضطربة وقلقة ومشحونة بالبغضاء تجاه العلويين بشكل عام والأئمة الأطهار بشكل خاص، لعِلم كثير من الناس بأحقيتهم، وإن الحكام العباسيين بإسم الائمة كانت دعوتهم، لكنهم اغتصبوا القيادة الاسلامية كما اغتصبها الامويون من قبلهم، ثم انقلبوا على اهل بيت النبوة واتباعهم..
لذلك كان العباسيون لا يهنأ لهم عيش ولا ينعم لهم بال وإمام من تلك العترة الطاهرة حي ينطق بالحق ويعلِّم الناس أمور دينهم وينشر علوم القران في كل الاتجاهات وتجبى له الحقوق الشرعية من كل البلدان والأمصار.
في تلك الحقبة البالغة الحساسية استلم الإمام الرضا عليه السلام القيادة الدينية للامة بعد ابيه وهو عالم بكل التفاصيل ودقائق الامور ومداخل المؤامرات ضده وضد اتباعه.. فقال عليه السلام قاصداً المأمون \" ليجهدنَّ جهده، فلا سبيل له عليَّ \".
إمامة الرضا عليه السلام
ماهي الإمامة؟
هي لطف من الله تعالى كالنبوّة، وهي استمرار لها وخلافة فيما بعدها. ولاتكون الإمامة إلا بالنص من الله جلّ وعلا، فلا اختيار للناس في تعيينها. وهي أصل من أصول الدين، إذ لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، وبلا تقليد أعمى.. حيث لابد من معرفة براهينها والتثبّت عليها على بصيرة وعلم وهداية.
أما الامام، فهو مَن اختاره الله عزوجل لعباده دليلاً هادياً للبشر بعد صاحب الرسالة، ومَن كُلّف بهذا لابد أن يكون معصوماً من الذنوب والعيوب، مطّلعاً بأمر الله على عوالم الغيوب.
ولنقف هنا على إشارات رائعة للإمامة من خلال نصوص تحدث بها الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام:
- ان الإمامة أجل قَدْراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يَبلُغها الناس بعقولهم، او ينالوها بآرائهم، او يقيموا إماماً باختيارهم...
- إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الاوصياء.
- إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله، ومقام امير المؤمنين عليه السلام، وميراث الحسن والحسين عليهما السلام.
- الإمام يُحلّ حلال الله، ويُحرّم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله، ويدعو الى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجّة البالغة.
- الإمام كالشمس الطالعة المجلِّلة بنورها للعالَم، وهي بالأفق بحيث لا تنالها الايدي والابصار.
- الإمام أمين الله في خَلْقه، وحُجّته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي الى الله، والذّاب عن حُرَمِ الله.
ولاية العَهد
بعد أن قتل المأمون أخاه الامين.. نظر الى البلاد فإذا هي غير مستقرة ووجد معظم المسلمين لا يدينون بالطاعة له، بل رأى ثورات العلويين تشتعل بين الحين والآخر. ففي الكوفة خرج أبو السَّرايا، وفي البصرة خرج زَيد النار وعلي بن محمد، وفي مكة خرج محمد الديباج، وفي اليمن ابراهيم بن موسى الكاظم عليه السلام، وخرج محمد بن سليمان في المدينة، وفي واسط والمدائن وغيرهما خرج في وجه السلطة العباسية من يطالب بإسقاطها.
هذا اضافة الى ما حدث في الأسرة العبّاسية نفسها من انشقاقات وتنازعات، فامتنع بعضهم عن مبايعة المأمون، لا سيما بعد أن علموا منه ما يريد بولاية العهد، فعمدوا الى المغنّي العبّاسي ابراهيم بن المهدي المعروف بـ (ابن شَكلة) فأمّروه عليهم نكايةً بالمأمون. وتبعا لذلك فقد كان أمام المأمون مهام كثيرة وثقيلة، وأراد في البدء تخفيف الضغط العلوي عليه، فخطرت في ذهنه فكرة عرض الخلافة ثم ولاية العهد على الإمام علي بن موسى الرضا سلامُ الله عليه قاصداً إنقاذ نفسه من الطوق الخانق لسلطته لعلّه يصل الى عدة اهداف منها:
1. إخماد ثورات العلويين او يحصل منهم على اعتراف بشرعية حكمه على الاقل.
2. استئصال احترام الناس للعلويين بأساليبه الخاصة.
3. اكتساب ثقة العرب مع الاحتفاظ بتأييد الخراسانيين وعامة اهل بلاد فارس له.
4. ولعلّه يستطيع واهماً، أن يأمن الخطر الذي يشعر به من تواجد الإمام الرضا عليه السلام بين الناس وهو يؤثّر فيهم أبلغ تأثير.. وأن يُمهد، بعد فرض الإقامة الجبريّة والرقابة المشدّدة عليه، للتخلّص منه.
من هنا أخذ المأمون يفكّر في خطة تكون بنظره في غاية الإحكام والإتقان. وقد تخبّط في دعواه للوفاق المذهبي، ثم راح يعلن براءة ذمّته من اعداء اهل البيت عليهم السلام، ثم همّ بهذه الخطوة العجيبة بأخْذ البيعة للإمام علي الرضا عليه السلام بولاية العهد بعده، وجعله امير بني هاشم جميعاً العبّاسيين منهم والطالبيين، بل وحتى لبس الثياب الخُضر.
لكنه من جهة اخرى، يقول للريّان بن الصَّلت: ويحك يا ريّان! أيَجسُر أحدٌ أن يجيء الى خليفة وابن خليفة قد استقامت له الرعيّة والقوّاد، واسَتَوت له الخلافة، فيقول له: إدفع الخلافة من يدك إلى غيرك؟ أيجوز هذا في العقل؟. إذن، كان وراء عَرضه الخلافة ثم ولاية العهد خطّة لا تضر به إذ كان مصمّماً على التخلّص من ولي العهد (الإمام) بأساليبه الخاصة.
نهاية المطاف
لكن الإمام الرضا صلوات الله عليه قد ثبّت أموراً عديدة على خلفية اتصاله الوثيق بالناس وتكاثر الاتباع حوله حتى في مرو، التي أراد المأمون ان يجعلها منفى للإمام، وتم للإمام عليه السلام ما أراد، من خلال:
1. فضح المأمون في جميع ادّعاءاته، وكشف سرائره ونواياه الخبيثة.. فلو كان حقاً يريد أن يتنازل عن الحكم ويرى أن الإمام أحق بالخلافة لَما عامله بذلك الأسلوب العنيف، ولَما مارس الطريقة الملتوية في خلع لباس السلطة، وكيف أتاح لنفسه أن يجلس تلك المدّة في مجلس لا يحقّ له؟!
2. أوصل الإمام الرضا عليه السّلام السلطة الى حالة إعلان القتل، ليكون التكليف واضحاً.. وأن الإمام سلام الله عليه لم يأت الى مرْو طوعاً ولا رغبةً في حكم، كما لم يتقبّل، لا الخلافة الظاهرية ولا ولاية عهد المأمون طائعاً او راغباً ابداً.
فرُوي أن المأمون لمّا عَرض الخلافة على الامام الرضا عليه السلام، قال له: إذن، تقبل ولاية العهد. فأبى عليه السلام أشدّ الإباء، فقال له المأمون: ما استقدمناك باختيارك، فلا نعهد إليك باختيارك. والله إن لم تفعل ضَربتُ عنَقك!!.
كما روي أن المأمون لمّا رأى الامام يأبى، غضب وقال له: قد أمنتَ سطوتي، فباللهِ أُقسم لئن قبلتَ ولاية العهد وإلاّ أجبرتك على ذلك، فإن فعلتَ وإلاّ ضربت عنقك.
فقال الرضا عليه السّلام: قد نهاني الله تعالى أن أُلقي بيدي إلى التهلكة، فإن كان الامر على هذا فافعل ما بدا لك، وأنا أقبل ذلك على أنّي لا أُولّي أحداً ولا أعزِل أحداً، ولا أنقض رَسماً ولا سُنّة، وأكون في الأمر من بعيد مُشيرا. فرضي منه المأمون بذلك، وجعله وليَّ عهده على كراهة منه عليه السلام بذلك.
3. بعد أن كُتبت ولاية العهد في وثيقة، أخذ الامام الرضا عليه السلام يفرغها من محتواها عمليّاً من جهة، ويُعلن للآخَرين أنه مُجبَر عليها، وأنه لم يندمج مع السلطة العبّاسية في أي شأن من شؤونها من جهة أخرى.
فسُمع عليه السلام وهو يقول: قد أُكرهتُ واضطُررت، كما أشرفتُ من عبدالله المأمون على القتل متى لم أقبل ولاية العهد.
وسأله الريّان بن الصلت يوماً عن سرّ قبوله لولاية العهد فأجابه: قد علم الله كراهتي لذلك، فلمّا خُيّرت بين قبول ذلك وبين القتل، اخترت القبول على القتل.
وأجاب المشكّكين والحائرين، كيف يقبل الامام الرضا عليه السلام ولاية العهد من المأمون الغاصب للخلافة!، قائلاً: ويحهُم أما علموا أن يوسُف عليه السلام كان نبيّاً ورسولاً، فلمّا دفعته الضرورة الى تولّي خزائن العزيز قال: اجعَلْني على خزائن الارض إنّي حفيظ عليم. ودفعتني الضرورة الى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك، على أنّي ما دخلتُ في هذا الامر إلا دخولَ خارجٍ منه، فإلى الله المُشتكى وهو المستعان.
هكذا كانت حياة الامام الرضا عليه السلام، الإمام الذي جمع بين الولاية والإمارة ولو مُكرَهاً، لكنه جعل ذلك الإكراه عنصراً اساسياً في تحركاته التي فضَحت زيف العباسيين ومكرهم وانحرافهم وتسلطهم على الامة الاسلامية ومقدراتها. فكان الثمن فيما بعد حياته مقابل وعي الناس وتحررهم وثورتهم ضد الظالمين..
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- فلسفة الموت عند الإمام الحسين (عليه السلام)
- أدوية مهربة ومزيفة !