السكون مرض قديم تسلل الى حسابات الثقافة في غابر الأزمان مع سيادة ما هو بدوي على ما هو حضري حتى غلب على الصورة الإجتماعية طابع التصارع و التناحر لذات التناحر فقط , ليس من أجل قيم أو دفع لقادم يستبق كل شيء.
غاب الحوار كما غاب العرف الوطني وعرف الجماعة و صار من في العراق يعرفون بأنهم نسق اجتماعي بعيداً عن رمز المجتمع والصميمية في الجمع عبر الرمز الوطني الثقافي و تمايزه و تشخيصه , و ربما كان ذلك أنه لم تولد أوطان حتى ذلك الحين الذي نتحدث عنه , الزمن الذي استبدل فيه كلية ًالحوار بالمقابلات المسلحة .
السكون تجلى ثانية في سيادة النص او القبول به حكماً و تحكيم الغلبة و كثيراً ما نجد أن تعابير الغلبة تفشت حتى في الدراسات الفقهية و التحليل اللغوي و البحث النحوي, من جهة ,غلب إستعمال كذا لوصف كذا, أو إتفق جمهور العلماء على كذا،
يا سعدنا و نحن نرث فرحين ثملين هذا السكون.
لكن من أين يأتي عزم التغيير ؟.ونحن نجر هذا الإرث جراً الى كل الحوارات التي تعترض الثقافة العراقية , من أين نأتي بـ (المجدد) الذي يشترع جادات جديدة للحداثة , الحداثة المقدرة وفقاً لتراتبية ذهنية مقبولة و تكرار لخلاصات التجارب العامة في الوجه الثقافي العراقي.
قيل قديماً أن اليسار كان أقرب الى الثقافة في العراق من غيره لكن السطح الذي نعوم عليه الآن غير متوافق بالمرة مع اليسار , هل نشخص هنا أننا بحاجة الى (تجديد) ينبع من داخل المهضومات و الأعراف الإجتماعية غيرغريب عنها و عن منطلقاتها , تجديد على علاقة إستيثاقه بالتفسير الديني للأشياء و حتى أنه يدخل الدين ضمن (الممكنات) و مواضيع الحوار التفكيكية , نشيع حق السؤال على شكل سمة عقلية تتصف بها حواراتنا في البيت و الشارع و العمل و المقهى ام نسعى الى زرع اليسار كما زرع البعث سياط القومية التي أورقت أشجاراً من المشانق.
الحاجة اليوم تبرز الى المجدد العقلاني, المجدد كوظيفة لا كفرد , الذي يستخدم حقائق الحاضر كأدوات تخطيطية للمستقبل لا أن يقفز عليها .البعض نراه ثورياً في نقد الواقع , هذه الثورية سواء اكانت في الثقافة أم في السياسة ستكون منتجة فقط بقدرما تحمل من حلول آنية , لا حلول مع الإستثناء و الإرتجال و لا حلول مع العموم في أي شيء , اليوم نشطر أمانينا الى شطرين, الخاص و العام حيث يكون طريق الخاص و علاجه بالإختصاص سبيلا يمكن إقتفاء أثره أما العمل العمومي دون التخصيص لن ينتج أفكاراً إلا إذا دخل الى حيز ما, كل الدلائل هنا تشير الى أن المثقف وحده هو الأقدر على الإضطلاع بهذا الدور التجديدي عبر تلازم عقلاني و توازن لا يستعدي الآخر ببساطة حتى يمكن أن نخرج الى المجتمع من غير الثقافة بما يستسيغه لا أن نخرج بإملاءات جديدة تركن في المحصلة الى مظنة قداسة الرأي الواحد فنسقط كما سقط كل طاغية إعتمد الثقافة الممسوخة حجباً أوأوراق جباية أو ستراً للعوارت.المجدد فقط هو من هضم روح المجتمع على سبيل التغيير الهادئ , تغيير بلا هتافات و لا أحد فيه يموت أمام الآخر.
أقرأ ايضاً
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي