في بابل تم تنظيم عملية التحقيق في ارجاء الموقع من قبل الدكتورة مريم عمران موسى التي كانت في ذلك الوقت مسؤولة عن بابل. لقد كانت مؤهلة تاهيلا جيدا لتشير الى الكثير من مراحل الضرر. في البداية كان هنالك قرابة اثني عشر خندقا اكبرها كان يبلغ طوله 170 مترا تم حفرها في ترسبات آثارية لم يتم التلاعب بها سابقا
ووجد في تلك الخنادق آنية فخارية وعظام وشظايا قرميد تحمل نقوشا من الكتابة المسمارية القديمة يعود اغلبها الى الملك نبو خذ نصر. كان هنالك انفاق ايضا حيث ازيلت كميات كبيرة من التراب من السطح شبيهة بما يحدث في استخراج الفحم من منطقة قريبة من السطح. وكانت تلك الانفاق في داخل ترسبات آثارية لم يتم التنقيب فيها. ومن ثم فقد غطيت مساحة 300 الف متر مربع من الموقع بالحصى الذي كان في بعض الاحيان من النوع المركب والمعامل كيميائيا لاستخدامها كمنصات لهبوط الطائرات وانشاء مساحات كمواقف للسيارات وقطاعات سكنية. وجلب كل الحصى من اماكن اخرى حيث انه شق طريقه بمرور الزمن الى داخل الرواسب الآثارية مما ادى الى تلويثها بصورة لا يمكن اصلاحها.
والشيء نفسه حدث مع تسربات النفط والديزل في منطقة التزود بالوقود، كما انه كانت هنالك اكياس رملية في كل ارجاء الموقع بالاضافة الى حاويات مصنوعة من الحديد مملوءة بالتراب الذي تم غرفه من الموقع.عندما تمت الاشارة الى ان ذلك تصرف سيىء، ابتدأ المقاولون بجلب التراب من مناطق اخرى خارج الموقع، لكن ذلك كان السوء اذا لم يكن اسوأ حيث ان هذا التراب غالبا ما كان يجلب من مواقع آثارية اخرى ما سيلوث سجل الاثار في بابل. وكانت هنالك اثار عجلات في الكثير من مناطق الموقع احدثتها عربات عسكرية ثقيلة اذ ان تلك التحركات قد اضرت بالتأكيد بالرواسب الآثارية الهشة التي تحتها. وقد تدمر الممشى القرميدي القديم في الجزء الجنوبي من ممر المواكب العائد للقرن السادس قبل الميلاد حيث تكسر القرميد بسبب العربات الثقيلة التي كانت تمر عبره. واخيرا وليس اخرا كان هنالك ضرر اصاب ثمانية من تماثيل التنانيين في بوابة عشتار تسبب به على ما يبدو صيادو تذكارات حاولوا ازالة القرميد.
وبالطبع كان من الصحيح ان بابل قد عانت بصورة كبيرة في وقت صدام حسين، فقد قام - من بين اشياء اخرى- باعادة بناء قصر نبو خذ نصر مستخدما الطابوق المختوم بالعربية باسمه، كما قام بانشاء بحيرة اصطناعية في الموقع بالاضافة الى تل اصطناعي ضخم وقصر في قمته. على اي حال فان تلك الانتهاكات ليست عذرا لحدوث اساءات اكبر من قبل التحالف. وفي الحقيقة كان يجب ان لا يقام مخيم عسكري في بابل ابدا.
اما في اور في جنوب العراق فالمشاكل كانت من نوع مختلف عن تلك التي اصابت بابل. ففي اور المكان الذي ولد فيه النبي ابراهيم، عثر السير ليونارد وولي على المقبرة الملكية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي. هذا الموقع نفسه يقع مباشرة بجوار قاعدة طليل الجوية التي يقال انها الاكبر في الشرق الاوسط وتغطي مساحة 28 كيلو متر مربعاً. وانشئت هذه القاعدة هناك قبل حرب الخليج الثانية ، لكن بعد ذلك تم تضمين موقع اور في داخل السياج الخارجي للقاعدة ما جعل الموقع عصيا على الدخول بالنسبة للعراقيين العاديين.
في اذار 2006 بدأت التقارير تشير الى ان احجارا منقوشة قد ازيلت من موقع اور من دون موافقة الهيئة العامة للاثار العراقية من قبل علماء اثار يعملون مع قوات التحالف وتم اخذها الى متحف مدينة الناصرية القريبة من الموقع. لم يكن ذلك مقبولا اذ احتد دوني جورج الذي كان مديرا للآثار حينها، غضبا وارسل فريقه للتحقيق، لكنه اشار الى رغبته بزيارة اور بنفسه ودعاني للانضمام اليه. قد كان هنالك حافز اضافي لي في ذلك يتمثل بان الاستكشافات الاصلية التي جرت في اور قد رعاها المتحف البريطاني. وقبل ان يحدث ذلك غادر دوني العراق في آب 2006 بعد ان تلقى افراد من عائلته تهديدات بالقتل. وهو يقوم بالتدريس الان في جامعة ستوني بروك في نيويورك. وبعث المشروع عندما التقيت بخلفه الدكتور عباس الحسيني خلال مؤتمر جرى في لندن في تشرين الثاني 2006 . واخيرا تمكنت من الوصول الى اور في شباط 2007 .
المعسكر الذي كان في قاعدة طليل الجوية نفسها كان يضم قوات اميركية واسترالية ورومانية. كانت الخطة تقضي بان التقي بالدكتور عباس الذي سافر مسافة 250 ميلا من بغداد من اجل هذا الموعد، في القاعدة عند الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم 22 شباط. وصل الى البوابة الرئيسة مع مجموعة تضم 20 شخصا في خمس عجلات ليواجه مشكلة مباشرة. كان الاميركان يرغبون في ادخال المجموعة فقط اذا ما كانوا مستعدين لتفتيشهم واذا ما كانت لديهم بطاقات هوية كاملة. لم يكن الدكتور عباس راغبا في ان يتم تفتيشه ولم يكن كل افراد فريقه يمتلكون هويات شخصية. وناقش بانه باعتباره مديرا للاثار فانه يجب ان يمتلك دخولا غير مقيدا لكل المواقع الآثارية في العراق التي كانت في نهاية المطاف تحت سلطته هو. ولسوء الحظ لم تجد كل النقاشات فائدة وبعد ساعتين ونصف من المواجهة غادر الوفد العراقي . لم يكن من المقبول بان لا يمتلك مدير الاثار او اي من فريقه دخولا غير مقيد للمواقع الآثارية او الاثار التي يطلب الوصول اليها، كما كان من الكثير ان نامل ان هكذا احداث لن تتكرر في المستقبل.ولسوء الحظ كانت هنالك مشكلة اخرى في اور فالبوابة الجديدة في المجمع الذي تم توسيعه قد بنيت فوق احدى ضواحي مدينة اور القديمة والمعروف بمنطقة دكدكة.
مجمع البوابة او مركز السيطرة على الزائرين كان يشغل مساحة 400 مترمربع حيث ان انشاءه قد ادى من دون شك الى حدوث اضرار في الترسبات الآثارية تحتها. ولم تكن هنالك استكشافات مضبوطة في دكدكة، لكن لو ان سلطات التحالف قد استشارت اي عالم اثار او اي شخص يمتلك خبرة في ادارة الآرث الثقافي، فانه كان سيحذرهم ضد بناء مجمع البوابة في ذلك المكان. وكما هو الحال في بابل فان هكذا حوادث القت الضوء على الحاجة الملحة للمزيد من الاستشارة من قبل سلطة التحالف مع الهيئة العامة للاثار العراقية.
*ما هي الافاق المستقبلية للارث الثقافي العراقي الأن؟ لسوء الحظ فانه خلال السنوات الخمس التي انقضت منذ نهب المتحف العراقي في 2003 ، حدث القليل فقط من التقدم. لقد كان هنالك مقدار كبير من الحديث في مؤتمرات نظمت في الكثير من اجزاء العالم كباريس ونيويورك وطوكيو، كما كانت هنالك الكثير من العروض للمساعدة لكن تلك لا تعد شيئا كثيرا حتى الأن. ويعود سبب ذلك في جزء منه الى الوضع الامني المتردي والذي جعل من الصعب على الناس العمل على الارض، وفي جزء منه لنفور مختلف الحكومات عن الاستثمار في بناء القدرات في العراق نفسه. والاستثناءات لذلك كانت ايطاليا واليابان اللتان مولتا من بين عدة امور انشاء مختبر جديد لاجراء الاصلاحات في المتحف العراقي. والمختبر المذكور معد الأن للعمل ولكن ومع هكذا وضع امني وكادر عازف عن القدوم للعمل ، فان هذا المختبر بقي غير مشغول بصورة كبيرة وهو امر يدعو للحزن. وكانت هنالك ايضا دورات تدريبية للاختصاصيين العراقيين اقام بعضها المتحف البريطاني.
ان تلك صورة قاتمة، لكن هنالك بعض العلامات المشجعة، فأغلب الايقوانات الاربعين التي سرقت من قاعات العرض في المتحف العراقي قد تمت استعادتها، بالاضافة الى حوالي نصف المواد الستة عشر الفاً التي سرقت من غرف الخزن( على الرغم من بقاء مجموعة الاختام مفقودة). وتم التشجيع على اعادة تلك المواد من خلال استخدام المكافآت التي قدمتها القوات الاميركية. وافتتح مؤخرا صالتين للعرض في المتحف العراقي ، لكن شروط الدخول الى المتحف غير معروفة. والاهم من هذا انه يبدو ان هنالك انخفاضا في مستوى النهب في المواقع الآثارية في الجنوب وهو امر كان يمثل مشكلة رهيبة. ويعود الفضل في هذا بمقدار كبير الى الدكتور عباس الذي استغل صلاته في الجنوب بصورة فعالة، كما ان هنالك اخبارا جيدة عن بابل حيث توصلت هيئة الاثار مع صندوق الاثار العالمي ومعهد غيتي للترميم الآثاري، الى اتفاق تقوم بموجبه تلك الهيئات بوضع خطة لادارة المواقع الآثارية والبدء بتصليح بعض الاضرار. كما ان المتحف البريطاني باقامة معرض للاثار البابلية يفتتح في تشرين الثاني 2008 وهو معرض سيستعرض الحقيقة والخيال الذي يقف وراء هذه المدينة التاريخية وسيقدم فرصة للزائرين لمعرفة المزيد عن مكانة هذا الموقع حاليا.كل تلك التطورات ارست ارضية لتفاؤل حذر. ان من المشجع على وجه الخصوص انه في جنوب العراق عبرت الفرقة الثالثة في الجيش البريطاني عن رغبتها في المساعدة وهي حاليا في خضم رسم خطة مشتركة مع هيئة الاثار العراقية والمتحف البريطاني. وستتضمن هذه الخطة زيارة بعض اهم المواقع الآثارية في الجنوب للاطلاع على كيفية حمايتها حماية مثلى واجراء مسح لبعض المتاحف في المحافظات لرؤية امكانية تجديدها. وهذا توجه يفوق موقف قوات التحالف في فترة الاعداد للحرب. في ذلك الوقت لم تتقبل السلطات العسكرية اية نصيحة لائقة، بل انها جادلت نفسها بطلب قوائم عن المواقع المهمة( التي يمكن ان تكون موجودة في اي واحد من كتب الدليل الكثيرة). على الاقل كان الاجدر بها ان تستشير علماء الاثار والاختصاصيين الاخرين الذين على اطلاع بالعراق، استشارة معمقة او انها توجب عليها ان تنقل مع الجيش علماء اثار وخبراء بالموروث الثقافي كما كانت تفعل في الحرب العالمية الثانية. ولو انها قامت بذلك كان يمكن تفادي تلك العواقب الكارثية. في هذه الاثناء فاننا قد تركنا مع وضع في العراق كان فيه الكثير من مواد المتاحف العالية النوعية قد تمت سرقتها او تدميرها ونهب فيه الكثير من المواقع الاثرية الكبرى في جنوب البلد الى درجة لا يمكن اصلاحها ومع فقدان لمعلومات لا تقيم بثمن حول موروث ثقافي تعود ملكيته للعالم كله.
جون كورتيز هو مسؤول قسم الشرق الاوسط في المتحف البريطاني.
الادلة تتزايد على وجود شبكة اجرامية عالمية تقف وراء عمليات النهب.
اجتاحت القوات الاميركية بغداد في التاسع من نيسان 2003 في المرحلة الاخيرة من حملتها المسماة \" الاهتزاز والارتعاب\" . وبينما اطلقت البنادق نيرانها ترك المتحف الوطني من غير حراسة. ووضعه الاميركان تحت الحماية في 16 نيسان، لكنه في ذلك الحين قد تم فيه نهب الالاف من الكنوز. ومن هم اللصوص بالضبط واين المواد التي لم تتم استعادتها الان، هو لغز. ويعتقد ماثيو بوغدانوس الكولونيل في المارينز والذي ترأس التحقيق الاميركي الرسمي ، ان شبكة اجرامية منظمة تنظيما دقيقا كانت في المكان قبل الغزو منتظرة الاستفادة من انهيار امن المتحف. وترى تحقيقاته ان هؤلاء اللصوص المحترفين قد تحركوا الى فنادق بغداد في وقت الاستعداد للحرب وان المشترين للقطع العالية القيمة قد تم اعلمهم بالامر قبل حدوث عمليات النهب. ولكن المتحف هو واحد من بين عشرة الاف موقع اثري مهم في العراق تنتشر على مسافة الآف الاميال. ويقول فيرنون رابلي رئيس وحدة الاثار والفنون في شرطة متروبوليان:\" لقد عرف السكان المحليون بوجود هذه المواد على مدى سنوات ولكنهم لم يزعجوا انفسهم في الحفر لاستخراجها. لقد فتحت الحدود العراقية فجأة وتم خلق سوق وهم الان يذهبون ومعهم الجرافات ويقومون باستخراج تلك المواد\" .وتم بيع المواد الى مشترين اكثر تنظيما اذ اخذوها الى بغداد ومن ثم الى اماكن اخرى كعمان في الاردن بالاضافة الى مروجين ايرانيين يعملون في لندن. ويفسر رابلي ان المروجين يمتلكون الكثير من هذه المواد كالاختام الاسطوانية والالواح المسمارية وانهم يبحثون عن قطع اكثر قيمة، ويضيف\" اعتقد ان المجرمين المنظمين يتعاقدون على سرقة مواد بعينها\". في 30 نيسان ضبط ضباط الجمارك في مطار نيويورك اربعة صناديق فيدكس( البريد السريع) وصلت من لندن ومعنونة الى تاجر فني في نيويورك وضمت 669 قطة آثارية مسروقة من المتحف العراقي. كيف خرجت تلك الكنوز من البلد؟.باغدونس يشير الى وجود مشترين وسطاء قادرين على تمرير تلك المواد من العراق باستخدام طرق تستخدم للتهريب جربوها واختبروها خلال حرب الخليج في التسعينيات. اذن فاين يحتمل ان تكون القطع المتبقية؟. يقول رابلي \" ان المعلومات الاستخباراتية في هذه اللحظة تشير الى ان غالبية القطع المهمة موجودة في المنطقة المحيطة بالعراق. فمن الافضل للمروج ان يبيع المواد وترتيب معارض لها في المنطقة، ومن ثم يتحمل المشتري مسؤولية ايصالها الى المكان الذي ستذهب اليه. وبذلك تكون اقل تنقلا واقل كلفة لهذا المروج\".
أقرأ ايضاً
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- لاتشتموني بعد سرقة "المالات" !
- لماذا ترتفع درجات الحرارة في العراق؟