هذه الدراسة يستثنى منها مجالس صحوة الانبار العشائرية باعتبارها جاءت كتعبير عفوي لوضع سياسي وامني واقتصادي معين لذلك فقد كللت بكامل الدعم العراقي الحكومي والشعبي.
أصل التحول الستراتيجي
لا يخفى على أي متابع حاذق بالشأن السياسي العراقي ان التطور الستراتيجي المهم الذي حصل في منتصف العام المنصرم هو الستراتيجية الجديدة التي طبقت في العراق ليس على شكل (اتفاق) رسمي لكنها تمت على اساس مبدأ (التخادم) السياسي الشهير والذي يتم اللجوء اليه احيانا كثيره فيما اذا كانت هناك فجوات عدم ثقة كبيرة تمنع الاتفاق المباشر بين الاطراف المتخاصمة فتلجأ الى سياسية التخادم عن بعد وهذا هو ملخص التبديل الستراتيجي في السياسية المتعلقة بالعراق والتي تتلخص في ضغوط امريكية مكثفة اجبرت بعض دول الخليج الكبيرة والمتنفذة ومن يدعمها من دول جوار العراق الى تحويل مهمة كافة المليشيات والتنظيمات السنية المسلحة المرتبطة بها تمويلا وتخطيطا وتنفيذا من مهمة ما كان يعرف (بالمقاومة) الى المهمة الجديدة الى عرفت باسم (الصحوة) بعد ان تم السطو على اسم الصحوة من قبل تلك الجماعات والمليشيات والتستر والتغطي بسمعة صحوة الانبار العشائرية التي جاءت بصورة عفوية وكانت بالأصل بعيدة عن كواليس المخابرات الإقليمية.
في مقابل هذا التطور المهم الذي تحولت فيه جماعات الجريمة المنظمة في المنطقة الغربية وبعض الجماعات المسلحة والإرهابية الممولة خليجيا والمدعومة عربيا كان هناك ضغط كبير جدا من قبل امريكا في الاتجاه المقابل على الحكومة العراقية بان تتخذ خطوات اكثر قوة وقسوة على المليشيات الشيعية او الجماعات المسلحة الشيعية كذلك التي تشكلت على اساس الدفاع عن مناطقها ضد الهجمات الإرهابية التي تطالها وهكذا وبعد ان لمست الحكومة العراقية نوعية التحول الستراتيجي المعد في مطابخ المخابرات الاقليمة قامت وكخطوة تخادم مقابلة لتأكد انها جادة فعلا في السعي لاستقرار الوضع الأمني الداخلي العراقي والعمل بعيدا عن اي اجندة طائفية بتوجية ضربات قوية وموجعة للكثير من الجماعات المسلحة الشيعية و بعض المليشيات المنظمة القوية وكان الهدف الأساس من ذلك هو ايصال رسالة واضحة الى الجهات الخليجية والعربية التي قادت دفة التحول الستراتيجي من خلال التحكم بالجماعات المسلحة السنية وتنفيذ اهم مطلب كانت تطالب به تلك الجهات الخليجية والعربية وكررتها مرارا وتكرارا امام الامريكان وغيرهم بان تتصرف الحكومة مع الجميع على اساس واحد وان تضرب بيد من حديد ليس فقط الجماعات الأرهابية السنية بل ان تضرب معها كذلك الجماعات المسلحة الشيعية لكي يكون هناك سياسية توازن واحدة ورسالة مفهومة للجميع بان الحكومة تعمل بعيدا عن النهج الطائفي بل قامت الحكومة العراقية والقوى النافذة معها كذلك ولايصال اكثر من رسالة ود للدول العربية بان حاربت وجود المليشيات فعلا في المفاصل الأمنية المهمة في وزارتي الدفاع والداخلية وسرحت عشرات الآلاف وعينت الآلاف من الرجال السنة في الوزارتين لكي تثبت حسن سيرتها وسلوكها وتعلن للملأ ان الطائفية هي لاصحاب الفعل وليس لاصحاب رد الفعل.
هذا هو ملخص السياسية الستراتيجية التي حصلت وشكلت على اساسها الكثير من مجاميع الصحوة وبالخصوص منها جماعات الصحوة في ديالي والكثير من مناطق بغداد وجنوب بغداد وصحوات بعض الجيوب هنا وهناك ولان القضية لم تبنى على اساس الاتفاق المحكم والعلني والمتفق عليه مخابراتيا او امنيا او سياسيا كان هناك تردد كبير من قبل الحكومة العراقية ومن يدعمها من القوى النافذة وكذلك تردد صدر من قبل الجهات التي لبست ثوب الصحوة بأوامر مخابراتية اقليمية معروفة لذلك لا تستطيع الحكومة ان تستجيب وبسهولة وبيسر من اجل ان تحول كل تلك الجماعات المسلحة (الصحوات) الى سلك الجيش والشرطة وتغامر على اساس سياسية تخادم غير مضمونه وقابلة للتغيير في اي لحظة بل ان تخاطر الحكومة وتحول مليشيات وجماعات مسلحة كاملة العدد والعدة الى قوة عسكرية وتعطيها الشرعية الحكومة بعيدا عن الدستور والقوانين العراقية المتعلقة بمثل هذه الامور ناهيك عن السياسيات والضوابط الخاصة المتعلقة بوزارتي الدفاع والداخلية وغيرها من مفاصل الأمن العراقي، كيف يعقل انه في الوقت الذي قامت به الحكومة بتطهير وزارتي الداخلية والدفاع من آلاف الافراد ممن اتهموا بالعمل مع المليشيات وقامت الحكومة بتسريح الآلاف من قوة حماية المنشآت لاسباب تتعلق بالفعل الطائفي وتطهير اجهزة الدول من المليشيات تقوم الحكومة وبنفسها بقبول مليشيا جديدة متسترة تحت اسم الصحوة الى الجيش الشرطة؟
وكيف لايخجل من نفسه من كان يطالب حتى قبل شهر بتطيهر الدفاع و الداخلية من المليشيات يطالب اليوم بدمج مليشيات اخرى في الدفاع والداخلية لانها من طائفته، هل هذه هي الوطنية التي يتستر بها اولئك اصحاب العقود الوطنية ؟
صحوات التهديد
المتابع للاخبار خلال الفترة الماضية يلاحظ تصاعد وتيرة المطالبة بدمج كامل تلك الصحوات في المنظومة الأمنية العراقية الحديثة بدون تمحيص وتشخيص والكل يعرف ان اغلب الاصوات التي تطالب اليوم بمثل هذه القضية هي تلك الاصوات الحكومة او المعارضة التي تُعتبر اصواتها صدى لما تأمرها بها كواليس اجهزة المخابرات الخليجية او العربية بل الأغرب من ذلك انه لايمر يوم او اثنين إلا وتمتلأ صفحات الصحف وصدور المجلات وعناوين الاخبار في الفضائيات بتهديدات قيادات صحوات التخادم المخابراتي بانه اذا لم يتم قبولهم وتمويلهم وتسليحهم من قبل الحكومة العراقية ودمجهم بالجملة بالجيش والشرطة فأنهم سوف يعودون الى ماكانوا عليه سابقا من قتل واجرام وإرهاب وطائفية وتكفير لابناء الشعب العراقي هذا الكلام وهذه التهديدات التي كثرت اخيرا تؤكد بما لايقبل الشك بان هؤلاء لم ينزعوا جلودهم السابقة وانما جاؤوا وفق سياسية معينة ولاهداف معينة جديدة يحاولون تطبيقها بالترغيب والتستر خلف سمعة الصحوة مرة وان لم ينجحوا فان سياسية الترهيب سرعان ما تكشف عن انيابهم ونواياهم الخبيثة.
وفي هذا الصدد لابد من الاشارة الى حنكة الحكومة العراقية ومعها القيادات العراقية الكبيرة والتي تجاوزت آلام الماضي وتعاملت مع هؤلاء على اساس العراقية والمواطنة ووضعت برنامجا وطنيا ينسجم مع الدستور والقوانين العراقية بان يتم استيعاب عدد معين مقبول من مُدعي الصحوات وفقا للسجل الجنائي للاشخاص وان يتم استيعاب الباقي تدريجيا في الحياة المدنية العراقية وهذا هو الحل الأمثل لكن الغريب ان يقول لك قادة تلك الصحوات المشبوهة ومن يعمل معهم ومن يطبل لهم بلباس الحكومة اما ان تحولونا الى عسكر كلنا او سنعود للقتال هذه هي المفارقة التي تستحق الوقوف عندها وهذا هو لب الموضوع والسؤال الجوهري الذي يجب ان يسالة كل عراقي لأولئك وهو لماذا تصرون على ان تكونوا جيشا او اجهزة امنية وترفضون الحياة المدنية الهنيئة السعيدة المليئة بالراحة والأمن والدعة ؟؟؟
ولماذا يصر من يصر في الحكم على دمجكم بالجيش والشرطة حصرا ولا يصر على دمجكم بالمجتمع المدني والحياة المدنية العراقية او يطالب لكم بحقوق مدنية او تعيينات بدوائر مدنية بعد قبول قسم منكم في الدفاع والداخلية، ذلك الاصرار الذي يكشف كامل ما تخفية تلك الأنفس والألسن من احقاد وضغائن طائفية.
الصحوة مقابل أبو درع
كمواطن عراقي احببت ان اذكر بعض قادة تلك الجماعات المتسترة تحت سمعة الصحوة او قيادات حتى بعض الصحوات التي تهدد وتزبد وترعد يوميا بحقائق يجب ان لاتغيب عن مخيلاتهم وهي:
الحقيقة الأولى: ان تهديداتكم عبارة عن (بوخة) لان (اللجام) ليس بأيديكم او ايدي من يدعمكم في الحكومة او خارجها وانما اللجام بيد الداعم والممول بالمال والتخطيط وهو في عواصم اخرى مجاورة للعراق او بعيده والحكومة تعلم وكل مطلع يعلم بذلك وانتم ادوات تنفيذ فقط.
الحقيقة الثانية: انكم لا تتمتعون باية شرعية قانونية او دستورية لحد هذه اللحظة ومن اضفى عليكم الحماية هم فقط الأمريكان الذين كنتم تتغنون بمقاومتهم واذا ما خرج الأمريكان من العراق فسيكون هناك مأزق كبير لكم.
والحقيقية الثالثة: هي ان تراجع البعض عن الصحوة والرجوع للماضي الأرهابي يعني عودة المليشيات او عودة ابو درع فالأمور في العراق اما ان تتقدم كلها او تتراجع كلها فتهديدكم بالعودة لحمل السلاح سيجبر غيركم في الدفاع عن نفسه وسيرجع الى حمل السلاح ومثلما تعتقدون ان الحكومة لا تستطيع ان تمنعكم فالحكومة كذلك لا تستطيع ان تمنع غيركم، صحوتكم وان كانت في الكثير منها بالأسم كانت مقابل مليشيات الآخر وعودتكم للسلاح تعني عودة الآخر للسلاح بل الأكثر من ذلك هناك توقعات بان لايعود ابو درع فقط بل هناك نسخ جديدة اكثر تطورا منه على شكل ابو خمس دروع باعتبار ان الامريكان سيكونون خارج اللعبة او خارج العراق بغالبيتهم وسوف لن يوفروا الحماية لاحد منكم او لغيركم
الحقيقية الرابعة: قوة الجيش والاجهزة الأمنية العراقية في تطور مستمر وعندما يعود البعض عن صحوتهم سيجدون امامهم هذه المرة (ولد الملحة) بالدبابات والمدرعات وفوقهم طائرات وبينهم استخبارات فلن ينفعهم آنذاك لاصحوتهم ولا رجوعهم عنها والماضي لايشبه الحاضر.
الحقيقة الخامسة: هي ان الحياة افضل من القتل، لقد كانت الأشهر الماضية اشهر آمن و أمان بصورة عامة أمنتم بها وآمن غيركم بها كذلك ومن الممكن تطوير تلك الحالة الى آمن و آمان شامل لكم ولغيركم ولكل العراق، فقد كانت الصحوة الحقيقي منها و المزيف عامل حياة لكم وللآخر وكان موقف الحكومة في ردع المليشيات عامل حياة لكم ولغيركم كذلك فان عدتم عاد غيركم وعاد الموت الذي سوف لا يستثنيكم ولا يستثني الآخر، فهل تطلبون بالصحوة والحياة ام تطلبون بالموت وأبو الف درع ؟؟؟
بعد هذه الحقائق كفوا عن التهديدات الفارغة وتذكروا دائما ان الصحوة كانت مقابل المليشيات فان تراجعت الصحوة رجعت المليشيات، والخيار لكم.
باسم العوادي
أقرأ ايضاً
- مقابلات المرجعية الدينية الشريفة...رسائل اجتماعية بالغة الحكمة
- كيس قمح مقابل برميل نفط !
- الرفع مقابل الدفع