ابحث في الموقع

الصين توسّع حضورها الاستثماري في البصرة

الصين توسّع حضورها الاستثماري في البصرة
الصين توسّع حضورها الاستثماري في البصرة

تتّجه العلاقات العراقية – الصينية إلى مرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية الواسعة، تتجاوز حدود التعاون النفطي التقليدي لتشمل قطاعات التعليم، والصناعة، والبنية التحتية، والطاقة النظيفة، في وقت يسعى فيه العراق إلى تنويع اقتصاده وجذب أكثر من 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بحلول عام 2030.

وأكد نائب القنصل الصيني في البصرة، جين ييفنغ، في حديث خاص لـ “الصباح”، أن الصين باتت من أكثر الدول نشاطاً في الساحة الاستثمارية العراقية، لاسيما في محافظة البصرة التي تعد مركزاً رئيساً للطاقة والاقتصاد. وقال: إن “التعاون بين الصين والعراق لا يقتصر على قطاع النفط والغاز رغم أهميتهما، بل يمتد إلى مجالات التعليم والصناعة والتشييد والبنية التحتية، بمشاركة نحو 130 شركة صينية تعمل 

في مشاريع متنوعة داخل العراق”.

وأشار ييفنغ إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين شهد نمواً ملحوظاً، إذ بلغ نحو 50 مليون دولار العام الماضي، بينما بلغت قيمة الصادرات النفطية العراقية إلى الصين أكثر من 400 مليون دولار في عام 2024، وهو ما يعكس عمق الشراكة الاقتصادية ومتانة العلاقات التجارية. 

وأضاف أن العراق أصبح ثالث أكبر شريك عربي للصين، في حين تعد الصين من أبرز الدول المستوردة للنفط العراقي، خاصة من محافظة البصرة التي تضم أهم الحقول النفطية في البلاد.

 

شركات صينية عملاقة في البصرة

وأوضح نائب القنصل، أن الشركات الصينية العاملة في البصرة تشمل أسماءً عالمية مثل بتروتشاينا وسي إن بي سي وسينوك وزيبك، وهي شركات معروفة بخبرتها في مجالات الطاقة والتنقيب والتطوير الصناعي. كما أشار إلى أن شركة سان جان الصينية فازت بعقد لتطوير البنية التحتية للصناعات الثقيلة والإستراتيجية في منطقة خور الزبير على مساحة تمتد إلى ألفي دونم، تتضمن مشاريع لإنتاج الحديد الإسفنجي والصناعات المعدنية المتقدمة.

وفي الإطار ذاته، تنفذ شركة باور تشاينا مشروعاً حيوياً في البصرة بقيمة 4 مليارات دولار، يتضمن إنشاء محطة لتحلية مياه البحر ومشاريع متقدمة في مجالي نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية، دعماً لتوجه الحكومة العراقية نحو تنويع مصادر المياه ومواجهة أزمة الشح المائي التي تعانيها البلاد.

 

التعليم والتبادل الثقافي

وفي جانب آخر من التعاون، أوضح ييفنغ، أن العلاقات بين البلدين امتدت إلى القطاع التربوي، إذ أسهمت الشركات والمؤسسات الصينية، بالتعاون مع الحكومة العراقية، في تنفيذ مشروع الألف مدرسة، من بينها 600 مدرسة في محافظات الجنوب والبصرة، بهدف تحسين البيئة التعليمية وخدمة أكثر من 500 ألف طالب عراقي. وأضاف أن المدة الماضية شهدت إيفاد عدد من الطلبة العراقيين إلى الجامعات الصينية ضمن برامج الدراسات العليا والتبادل الأكاديمي، مؤكداً استمرار الصين في دعم تطوير الكفاءات العراقية في المجالات العلمية والتقنية.

 

مركز حيوي للطاقة والتنمية

وبيّن نائب القنصل، أن محافظة البصرة تمثل موقعاً محورياً في الاقتصاد العالمي، لكونها مركزاً للطاقة والابتكار الصناعي، وتؤدي دوراً رئيساً في تأمين الوقود اللازم للصناعات والنقل والطاقة في المنطقة والعالم. وأوضح أن إيرادات النفط تشكل رافعة أساسية لتمويل مشاريع التنمية والبنية التحتية في العراق والدول المنتجة، لكنها تبقى عرضة لتقلبات أسعار الخام، ما يجعل من الضروري تنويع مصادر الدخل 

عبر الاستثمار في قطاعات بديلة.

وأكد أن التعاون الاقتصادي بين بغداد وبكين يسير وفق رؤية طويلة الأمد تقوم على المنفعة المتبادلة والتكامل الاقتصادي، لافتاً إلى أن الشراكة لم تتأثر بالتحديات الجيوسياسية أو بالقرارات الأميركية الأخيرة المتعلقة بزيادة الضرائب على التجارة مع بعض الدول، ومنها الصين والعراق، واصفاً العلاقات بين البلدين بأنها “متينة ومستقرة في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية».

القنصلية الصينية ودور البصرة الإقليمي

وتابع ييفنغ، أن القنصلية الصينية في البصرة، التي افتتحت قبل أكثر من عام، تمثل اليوم منصة فاعلة لتعزيز العلاقات الودية والتبادلات الاقتصادية والعلمية مع الحكومة المحلية، مؤكداً أن البصرة تمتلك مؤهلات واعدة لتكون مركزاً مالياً واقتصادياً إقليمياً في المستقبل القريب.

وأشار إلى أن القنصلية تعمل على تسهيل إجراءات منح تأشيرات الدخول (الفيزا) لسكان المحافظة بالتنسيق مع السفارة الصينية في بغداد، حرصاً على تسهيل حركة رجال الأعمال والطلبة والكوادر الفنية، بما يخدم مصالح البلدين ويعمق التواصل بين الشعبين.

 

شراكة إستراتيجية نحو المستقبل

ويرى المراقبون أن الصين تنظر إلى العراق، والبصرة خصوصاً، باعتبارهما بوابة أساسية لمبادرة الحزام والطريق وممراً حيوياً للتجارة العالمية، بينما يرى العراق في الشراكة مع بكين فرصة لتسريع مشاريعه التنموية وتطوير البنى التحتية 

والقدرات الصناعية والتكنولوجية.

وبهذا، يواصل البلدان ترسيخ نموذج جديد من التعاون القائم على المصالح المشتركة والتنمية المستدامة، ما يجعل من البصرة نقطة التقاء إستراتيجية بين الشرق والغرب، وركيزة محورية في رسم ملامح الاقتصاد الإقليمي خلال السنوات المقبلة.

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!