340 كيلو متراً مربعاً كانت مزدانة بزرقة مياه بحيرة حمرين في محافظة ديالى، قبل أن يبدأ شبح الجفاف بتهديدها بدءا من العام 2019 لتبلغ ذروة اضمحلالها أواخر العام الماضي، ويتحول معظمها إلى أرض قاحلة، لينعكس الأمر على آلاف المزارع والبساتين التي تعتمد على البحيرة كمصدر أساس لريّ محاصيلها، وكذلك تفقد المحافظة مصدراً اقتصادياً سياحياً، وسط تحذيرات متخصصين من أن انخفاض المياه أكثر خلال العام الحالي، ما لم يتم إيجاد حلّ لهذه المشكلة.
ويقول المواطن غانم الجبوري، إن "بحيرة حمرين تعني الحياة بالنسبة إلى سكان المنطقة، فالجفاف يعني انتهاء صيد الأسماك، وفقدان المجاميع السياحية سواء المحلية أو الوافدة من المحافظات الأخرى والتي كانت تشكل عصباً اقتصادياً لـ400 عائلة تسكن هنا".
ويضيف الجبوري، أن "مشاكل الجفاف كثيرة ومتشعبة فهو حين يضرب مناطق في عمق البحيرة والتي تكون بعيدة عن رقابة الأجهزة الأمنية، ما يجعلها رخوة وفي متناول يد الإرهاب والخارجين عن القانون".
وتقع بحيرة حمرين شمالي محافظة ديالى، وتتبع سد حمرين الذي يقع على مجرى نهر الوند الذي افتتح في حزيران 1981 بهدف حماية مدن حوض نهر ديالى من الفيضانات الموسمية، وتبلغ طاقتها الاستيعابية القصوى ثلاثة مليارات متر مكعب من المياه.
ويتعرض قطاع تربية الأسماك في ديالى إلى ضربات متتالية أطاحت بنحو 80 بالمئة منه، نظراً لتقنين استخدام المياه وتوزيعها كحصص أسبوعية، بسبب الأزمة المائية التي تفتك بالعراق منذ ثلاث سنوات.
وكان رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في المحافظة رعد التميمي، قد أكد في 28 تشرين الثاني 2023، أن خطر الجفاف استفحل كثيراً، وأثر على مجمل القطاعات الاقتصادية، وبالإضافة له فإن الإجراءات الحكومية القاضية بردم مزارع الأسماك أدت إلى تفاقم معاناة مربي الأسماك.
وترجح مديرية الموارد المائية في ديالى أن يشهد العام الحالي انخفاضاً في مناسيب مياه البحيرة بشكل أكبر من العام الماضي والذي تم خلاله ضخ 750 متراً مكعباً في الثانية من المياه لها في موسم الفيضان من نهر ديالى.
ويؤكد معاون مدير الدائرة ميثاق سامي، أن "المحافظة تعتمد بنسبة 70 بالمئة على مياه البحيرة في ري المحاصيل والشرب، وخلال الموسم الحالي لم تشهد ديالى حتى الآن وصول موجات فيضانية من إيران يعتمد عليها في رفد البحيرة بكميات كبيرة، كما حصل في العام الماضي حيث أسهمت السيول بارتفاع منسوب البحيرة 40 سنتيمتراً من المياه".
ويلفت إلى أن "الفراغ الخزني في البحيرة وصل حالياً إلى 90 بالمئة، في سابقة لم تشهدها ديالى بسبب الجفاف والعوامل البيئية، إلا أن الموشرات المناخية تشير إلى أن الموسم الحالي سيكون غنياً بالأمطار، ما يوفر فرصة لعودة الحياة إلى البحيرة".
وتعد ديالى من المحافظات الأكثر تضرراً بأزمة الجفاف، حيث فقدت غالبية أراضيها الزراعية، كما كانت من أولى المحافظات التي هجر المزارعون فيها أراضيهم وانتقلوا للعمل كسائقي سيارات أجرة لتوفير قوت يومهم، وذلك بعد أن قطعت إيران الأنهر الفرعية التي تغذي ديالى.
وتشن تركيا منذ سنوات "حرب مياه" ضد العراق كورقة ضغط ومساومة لتحقيق عدة أهداف، والتي يعتمد عليها العراق بنسبة 80 بالمئة كمصدر مياه، حيث بدأت بتشييد عدد من السدود على منابع نهر دجلة، بدءاً من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.
يذكر أن إيران قطعت المياه المتدفقة إلى سد دربندخان بالكامل، مطلع أيار 2021، ما أدى لأزمة كبيرة في حوض نهر ديالى الذي انخفضت مناسيبه بنسبة 75 بالمئة، وذلك بحسب تصريحات مسؤولين في المحافظة.
وبالتزامن مع الجفاف الذي يسيطر على حمرين استثمرت مديرية طرق وجسور ديالى هذا الحال، حيث تستمر آليات مشروع إنشاء أطول جسر معلق في العراق بطول 7 آلاف متر بضمنها المقتربات، حيث يشير مديرها هاني غازي، إلى أن "المواصفات التي اعتمدت في تصميم وتنفيذ الجسر تمزج بين المواصفات البريطانية والأمريكية".
ويوضح أن "نسبة الإنجاز الحالية وصلت إلى 47 بالمئة، وتبلغ كلفة إنشاءه 62 مليار دينار، وتكمن أهميته في ربط بغداد وبعقوبة والمقدادية بخانقين وكردستان وإيران".
وكانت وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان جابرو، قد كشفت في تشرين الثاني 2023، أرقاماً كبيرة للهجرة من الأرياف، مؤكدة انضمام محافظتي ديالى والديوانية إلى قائمة المحافظات التي شهدت نزوحاً بسبب التغيرات المناخية، فيما بينت تسجيل نحو 7 آلاف عائلة نازحة، والعدد الأكبر كان من محافظة ذي قار والتي سجلت أكثر من 4 آلاف عائلة، تلتها ميسان بـ1354 عائلة، ومن ثم البصرة والتي يعدُّ نازحوها أكثر ضعفاً وهشاشة بسبب تدني فرص العمل، والمثنى 409 عوائل.
ويعاني 60 بالمئة من المزارعين في العديد من المحافظات العراقية جراء تقليص المساحات المزروعة وخفض كميات المياه المستخدمة، وفقاً لاستطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين (منظمة غير حكومية)، داعياً السلطات إلى إدارة الموارد المائية بشكل أفضل.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)
- السدود الجديدة.. هل تنقذ العراق من أزمة الجفاف؟
- أزمة رئيس البرلمان.. هل تكون "جلسة السبت" الأخيرة؟