بقلم: ميثاق الفياض
المشهد العالمي للصراعات العسكرية والسياسية وحتى الاقتصادية يتغير باستمرار، وفي هذه الصراعات، تأتي فنون و أدوات كالعمليات النفسية (PsyOP) والقوة الناعمة (Soft power) وحرب العصابات (Guerrilla Warfare) المخطط لها بدراية وحرفية لتلعب دوراً بارزاً في تشكيل النتائج وحسم الأمر.
بدءاً بالعمليات النفسية (PsyOp)، التي تشير للأنشطة المخطط لها دون عفوية وتهدف إلى التأثير على الرأي العام، سواء كان ذلك من خلال تشكيل الآراء أو توجيه السلوكيات أو المشاعر، وتكون غاية هذه العمليات الرئيسة هو تحقيق التغيير المرغوب في سلوك الجماهير والفرد وتبني مواقف جديدة.
تواصل هذه الأنشطة اليوم في العديد من النزاعات حول العالم، حيث تتمثل في تأثيرات وسائل الإعلام (المسموعة والمرئية والمقروءة) والبروباغندا الرقمية وغيرها من الاستراتيجيات والوسائل.
على الجانب الآخر من المعادلة يأتي مفهوم القوة الناعمة، وهو القدرة على التأثير في الآخرين للحصول على النتائج المرغوبة من خلال الجاذبية الثقافية والأيديولوجية بدلاً من القوة العسكرية أو الاقتصادية، تُستخدم القوة الناعمة بشكل فعال من قبل العديد من الدول الكبرى، على سبيل المثال، الولايات المتحدة ودول متقدمة اخرى، تعمل من خلال نشر قيم الديمقراطية والحرية، ومن خلال تأثير الثقافة بواسطة الأفلام والقصص والموسيقى والأدب وغيرها مما يساعد في تشكيل الصورة الإيجابية لدولهم في العالم وتقوية القيم في الأذهان لدى الشعوب الاخرى.
ثم هناك حرب العصابات، وهي استراتيجية تعتمد على قوات صغيرة تنفذ هجمات متكررة على قوات العدو وموارده يتم تنفيذ هذه الهجمات عادةً في طرق غير تقليدية وتتطلب قواعد قوية من الدعم المحلي، فعلى سبيل المثال، أثناء حرب فيتنام، استخدم الفيت كونغ والقوات الشمالية الغابات كغطاء لهجماتهم والكمائن، في تقنية فعالة من حرب العصابات.
هذه الأدوات، عندما تجتمع، يمكن أن تكون استراتيجية فعالة جداً لتشكيل فجوة بين القوات المعادية والمدنيين من خلال العمليات النفسية، مع تعزيز القيم الديمقراطية والحرية من خلال القوة الناعمة، وفي الوقت نفسه تقوم حرب العصابات بتعطيل القوات المعادية وإرباك استراتيجياتها.
مع ذلك، فإن هذه الأدوات ليست بديلاً للحلول السياسية والدبلوماسية، بل هي أدوات ناعمة تستخدم لتحقيق أهداف السياسة والاقتصاد والقتال ويجب استخدامها بحذر! مع الاعتراف بأنها جزء من صورة أكبر للنزاع البشري وتكون الفاعلية الحقيقية لأدوات الصراع الناعمة هذه من فهم السياق الذي تعمل فيه وكيف يمكن أن تعزز بعضها البعض في تحقيق الأهداف المرجوة.
ونجدد الذكر ان النزاعات والحروب الحديثة تتضمن مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات والأدوات، بما في ذلك العمليات النفسية، القوة الناعمة، وحرب العصابات، هذه العناصر، عندما تُستخدم بشكل متوازن ومدروس، يمكن أن تحقق تأثيراً استراتيجياً كبيراً.
وتركز فنون العمليات النفسية على التأثير في الرأي العام، سواء عبر تشكيل الرأي، أو توجيه السلوكيات والمشاعر وقد استخدم الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، البروباغندا النفسية لتقويض معنويات القوات الألمانية، زرع الشك في القادة النازيين وتقويض جهود الحرب الألمانية.
وعلى سبيل المثال نذكر عملية "اللحم المفروم" اذ كانت عملية نفسية تم تطبيقها خلال الحرب العالمية الثانية، القصة تبدأ عندما تم العثور على جثة مجهولة ترتدي زي جندي بريطاني بالقرب من الساحل الإسباني وكان بالقرب من الجثة حقيبة تحتوي على وثائق سرية تتعلق بالخطط العسكرية الحليفة.
ومع ذلك، كانت هذه الوثائق جزءًا من عملية نفسية حيث تم تصنيعها بعناية لتضليل الألمان عن الهجوم المقبل للحلفاء، وبعد أن حصل الألمان على الوثائق، تم تغيير خططهم العسكرية استجابة للمعلومات المزيفة.
هذا الأسلوب من الخدع غير القتالية المخطط لها والذي عُرف باسم "عملية اللحم المفروم"، كان مثالاً بارزاً على كيف يمكن استخدام العمليات النفسية لتضليل العدو والتأثير في سلوكهم الاستراتيجي.
هنا عند ذكر التخطيط والتنسيق المشترك للخدع غير القتالية لابد ان لايفوتنا ذكر نظرية ضابط سلاح الجو الأمريكي والمحلل الاستراتيجي جون بويد والمعروفة بـ"دورة OODA" التي تأتي للَعب دوراً مركزياً في القرار والحسم، هذه الدورة، التي تتألف من مرحلة المراقبة، التوجيه، القرار، والعمل، تفترض أن الفريق الذي يمكنه الانتقال بين هذه الخطوات بشكل أسرع وأكثر فعالية يحقق تفوقاً تكتيكياً في الحسم قبل خصمه.
بالمقابل، تعتبر القوة الناعمة طريقة للتأثير على الآخرين بواسطة الجاذبية الثقافية والأيديولوجية، وايضا تستخدم الدول الكبرى هذه الاستراتيجية بشكل فعال لنشر قيمها الديمقراطية وثقافتها عبر الأفلام والأدب والموسيقى والقصص والروايات الخ.
أما بالنسبة لحرب العصابات التي تتميز بالاعتماد على قوات صغيرة متناثرة لشن هجمات متكررة على قوات العدو وموارده، وقد استخدم الفيت كونغ هذه الاستراتيجية بنجاح في حرب فيتنام.
في هذا السياق، يمكن للعمليات النفسية، القوة الناعمة، وحرب العصابات أن تساعد في تسريع هذه الدورة وتحقيق تفوق استراتيجي.
ومع ذلك، هذه الأدوات لا تغني عن الحلول السياسية والدبلوماسية كما اسلفنا، وإنما تستخدم كأدوات لتحقيق أهداف السياسة، الاستخدام الحذر لهذه الأدوات، مع الاعتراف بأنها جزء من الصراع البشري الأكبر، هو أمر حاسم.
القدرة على استخدام هذه الأدوات بشكل فعال، مع فهم السياق الذي يعمل فيه الفرد أو الجماعة، هو ما يميز القادة الاستراتيجيين الحقيقيين في العصر الحديث.
ختاما تكمن القوة الحقيقية للعمليات النفسية، القوة الناعمة، وحرب العصابات في القدرة على تحقيق التأثير المرجو في سياق الصراع البشري الأكبر.
أقرأ ايضاً
- الحرب الناعمة تزرع "الجندر" في العراق
- أوكرانيا وحرب الفصائل: سيناريو الصراع البديل
- عودة للقوة الناعمة