ينتظر محمد عبد الكريم (35 عاما) دوره في الفحص الطبي لتحديد نسبة الإعاقة التي يعانيها، لإنجاز جزء من متطلبات الحصول على راتب لـ"المعين المتفرغ" الذي يقوم برعايته داخل المنزل، إذ تشرف على الفحص لجنة طبية في أحد المراكز الصحية، بيد أن عبد الكريم فوجئ عند وصول دوره بأن لا طريق إلى اللجنة.
ما يثير الغرابة، بحسب عبد الكريم، أن "اللجنة التي من المفترض أن تهتم وتقدم خدمة للمعاقين، هي أول من يصادر حقوقهم في المراجعة، وهو حال كل الدوائر الحكومية التي لا تراعي المعاقين، حيث يكون موقعها داخل المبنى في الطوابق العليا دون التفكير بكيفية وصول المراجعين لها، لاسيما وأنها مختصة بالمعاقين"، وهذا الأمر، اضطر عبد الكريم، إلى الاستنجاد بشبان حملوه لكي يصل لموقع اللجنة.
وقد ابتلي عبد الكريم، بإعاقة دائمة وهو يقضي سفرة سياحية في تموز 2022، بمنتجع باراخ السياحي في زاخو بإقليم كردستان، إثر قصف تركي استهدف مقار لحزب العمال، وهو يبحث اليوم عن راتب لزوجته، كونها معينا متفرغا تقوم بواجب خدمته بعدما أصبح مقعدا.
ويقول، إن "الكرسي الذي استخدمه يستحق استبدالا كل فترة والمال الذي أتقاضاه من الدولة لا يكفي للمستلزمات"، مذكرا أيضا بمعاناته "خلال مراجعة الدوائر الحكومية وكذلك أثناء الدخول إلى المطاعم والحمامات العامة، فجميعها تفتقر إلى أماكن خاصة للمعاقين".
ويشير إلى أن "الأولوية ليست لأصحاب الإعاقة خلال المراجعة للدوائر الحكومية على عكس باقي الدول التي تمنحهم اهتماماً أكبر".
ويصادف الثالث من كانون الأول، اليوم العالمي لذوي الإعاقة، وهو يوم عالمي خصص من قبل الأمم المتحدة منذ عام 1992 لدعم ذوي الإعاقة، ويهدف إلى زيادة الفهم لقضايا الإعاقة ودعم التصاميم الصديقة للجميع من أجل ضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، كما يدعو هذا اليوم إلى زيادة الوعي في إدخال أشخاص لديهم إعاقات في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية.
من جانبه، يرى محمود الغزالي، معاون مدير هيئة رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة في بابل، والمسؤول عن تخصيص الراتب، أن "أكثر ما يعاني منه المعاقون هو مراجعاتهم للدوائر الحكومية، فليست هناك حسابات في المباني الحكومية لهؤلاء، وحتى اللجان الطبية التي تفحص المعاقين تقبع في مكان لا يوفر مستوى من الاهتمام لهم ويتيح الوصول إليهم بسهولة".
ويضيف الغزالي، أن "دور الهيئة يقتصر على تأمين رواتب للمعين الذي يلتزم رعاية المعاق في البيت، وهذه الرواتب تشمل المعينين الذين تبلغ نسبة عجز من يعينونهم إلى 75 بالمئة فما فوق بعد أن تثبت إعاقتهم بالفحص الطبي، ليتم صرف راتب شهري لهم يصل إلى 170 ألف دينار، أما المعاق نفسه فقد يحصل على راتب رعاية اجتماعية أو لا يحصل".
ويرى أن "هذا الراتب يبلغ 170 ألفا وهو لا يكفي بالطبع، كون المعاقين يحتاجون إلى مستلزمات كثيرة من معقد وكرسي حمام وفوط وأفرشة وأدوية ومعالج فيزيائي، وهذه المبالغ لا تحفظ كرامة المعاقين خاصة مع مستوى غلاء المعيشة الحالي".
فرص العمل
وأقر مجلس النواب قانون رعاية ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة رقم 38 لسنة 2013، ويهدف بحسب المادة الثانية منه إلى رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة والقضاء على التمييز بسبب الإعاقة أو الاحتياج الخاص، وتهيئة مستلزمات دمجهم في المجتمع، وتأمين الحياة الكريمة لهم واحترام العوق وقبول العجز كجزء من التنوع البشري والطبيعة الإنسانية.
وتضمنت أهداف القانون إيجاد فرص عمل لذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة في دوائر الدولة والقطاع العام والمختلط والخاص.
وهنا يؤكد الغزالي، أن "القانون فرض أن تكون حصة المعاقين 5 بالمئة من التوظيف في الدوائر والمؤسسات الحكومية والأهلية، وهذا الموضوع مفعل في بابل تقريبا، فنحو 250 معاقا وجدوا فرصة للتعيين وأصبحت لهم قناة خاصة للتعيين كذوي الشهداء".
وتوجب المادة 16 من قانون ذوي الإعاقة على الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة وشركات القطاع العام أن تخصص وظائف لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة لا تقل عن 5 بالمئة من ملاكها، ويلتزم صاحب العمل في القطاع المختلط باستخدام عامل واحد من ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة ممن يتوافر فيهم الحد الأدنى من المؤهلات المطلوبة إذا كان.
يشار إلى أن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أعلنت في الانتخابات التشريعية الماضي عام 2021، أن ذوي الإعاقة سيُحرمون من المشاركة فيها بسبب تقاعس الحكومة عن تأمين احتياجاتهم، حيث يواجهون عقبات كبيرة أمام مشاركتهم، منها ان العراق يستخدم المباني المدرسية كمراكز اقتراع، والتي يتعذر الوصول إلى العديد منها، كما تضع العديد من صناديق الاقتراع في الطابق الثاني في مبانٍ تخلو من المصاعد، كما أن لجنة الانتخابات لم تعتمد تقنية صناديق اقتراع متنقلة أو التصويت الإلكتروني، ولا تتيح التصويت بالبريد، لذلك قد يواجه الأشخاص الذين يستخدمون الأجهزة المساعدة على التنقل صعوبات في الوصول إلى أماكن الاقتراع.
إنجازات
الغزالي يعمل أيضاً كمسؤول رياضة اللجنة الفرعية البارالمبية، إذ يشير إلى عشرات الإنجازات التي قدمها ذوي الإعاقة في العراق، فغالبا ما يتصدر اللاعبون العراقيون مقدمة رياضيي العالم في المسابقات الدولية البارالمبية، لكنه يشير إلى أن "هؤلاء الرياضيين يعانون من الإهمال، وافتقارهم للبنى التحتية والملاعب وصالات التمارين، مع ذلك حققوا إنجازات كبيرة.
وأكدت الأمم المتحدة، العام الماضي، أن العراق يحتوي على أكبر عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم، وقد تأثر بشكل غير متكافئ بعقود من الحروب والصعوبات الاقتصادية، مقدرة أعدادهم بأكثر من أربعة ملايين شخص ممن لديهم إعاقة واحدة أو أكثر، بما في ذلك تلك الناتجة عن نزاع مسلح سابق أو حديث.
لكن رئيس تجمع المعوقين في العراق، موفق الخفاجي أكد في تصريح سابق أن عدد ذوي الإعاقة في العراق يبلغ أكثر من خمسة ملايين، مشيرا إلى أن البلدان التي فيها معوقون بصورة طبيعية تبلغ نسبتهم في المجتمع 10 بالمئة أما التي تضم معوقين نتيجة الحروب والنزاعات والعمليات الإرهابية، مثل العراق، فنسبتهم 13 بالمئة.
إلى ذلك،، يذكر المستشار الإعلامي لوزير العمل كاظم العطواني، أنه "في اليوم العالمي لذوي الإعاقة، نؤكد استعداد الوزارة لتقديم كافة التسهيلات التي من شأنها مساعدة هذه الشريحة المهمة والإسهام في تقديم فضلى الخدمات لهم".
ويؤكد العطواني أن "الوزارة عملت ومن خلال هيئة ذوي الإعاقة التابعة لها على ضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حيث تم خلال الفترة الماضية إصدار بطاقات ماستر كارد لأكثر من 160 ألف مستفيد براتب شهري وأكثر من 5000 إجازة تفرغ للموظفين المعينين للمعاقين".
ويكمل: "بالإضافة إلى تخصيص أكثر من ألف مقعد الدراسي لذوي الإعاقة الراغبين في إكمال الدراسات العليا وإعفاء الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة من أجور الدراسة المسائية وتخفيض الأقساط للجامعات العراقية وتخفيض أجور السفر للمستفيدين ومنح الرقم المروري المجاني".
ويبين المستشار الإعلامي لوزير العمل أن "خدمة فرصة عمل التي انبثقت وفق سياسة الاندماج والتمكين لذوي الإعاقة ساهمت في تقدم أكثر من 3000 متقدم للحصول على وظيفة تمكن خلالها 70 شخصا من التوظيف الحكومي بالإضافة لإطلاق استمارة التوظيف الإلكترونية بالتنسيق مع مجلس الخدمة الاتحادي وفوق نسبة التعيين الذي يقررها القانون".
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرريش، قد اطلق في حزيران 2019، إستراتيجية الأمم المتحدة للإعاقة والتي توفر "الأساس لإحراز التقدم المستدام والتحويلي في إدماج منظور الإعاقة عبر جميع ركائز عمل الأمم المتحدة"، ومن خلال هذه الإستراتيجية، تؤكد الأمم المتحدة أن الإدراك الكامل والتام لحقوق الإنسان لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة هو جزء لا يتجزأ من جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد