حجم النص
بقلم:حسن الهاشمي
الملايين الزاحفة لمرقد سيد الشهداء الامام الحسين وسيد الماء ابي الفضل العباس عليهما السلام في الأربعين من كل عام ـ شاهد على تماسك الأمة على خطى وأهداف النهضة الحسينية المباركة، وهذا السير إنما هو سير الى كعبة الأحرار، كعبة المثل والأهداف والمبادئ النبيلة المكتنفة في ثورته المباركة، وهي خير منج للأمة مما يعتورها من تداعيات الفساد والانحراف والتخلف، وطالما ابتليت الشعوب الإسلامية من أنظمة فاسدة، فإنها بحاجة إلى منهج إصلاحي لعلاجها، وها هو الإمام الحسين يضع لنا المنهج من خلال ثورته المباركة التي هي منهل الأحرار في كل زمان ومكان.
وبطبيعتها فإن الحركة المليونية الزاحفة إلى كربلاء المقدسة حركة إصلاحية، تقض مضاجع الظالمين، وتستذكر دائما وأبدا الأهداف الحسينية التي ضحى من أجلها الإمام الهمام بالغالي والنفيس من أجل تثبيتها وإيصالها لنا عبر الحقب والأزمان، وهى تتجدد بتجدد الذكرى والمأساة، وفي الحقيقة فإن ديمومة حركته الإصلاحية بديمومة المسيرات والمواكب والشعائر الحسينية، وتبعا لذلك كان عليه السلام سببا لهداية الملايين من البشر، وما زالت الثورة الحسينية ماثلة في الأذهان والنفوس والمواقف، وقد حافظت وتحافظ على بيضة الإسلام المحمدي الأصيل التي يحاول الطغاة والمستبدون من طمسها كلما سنحت الفرصة لهم بذلك، ولكن إصرار المؤمنين من إقامتها وتواصلهم مع إمامهم في هذه البيعة المتجددة في كل عام هي التي جعلت نقوش الطغاة على ماء، بل سراب، ونحتت المفاهيم والقيم الحسينية الخالدة في قلوب العاشقين، وزرعت في نفوسهم قيم الحق والعدالة والأخلاق، وهي أمور أحوج ما يتوق إليها عالمنا اليوم من أي وقت مضى.
الهدف الرئيسي من نهضة الحسين عليه السلام في ملحمة الطف الخالدة هو الدفاع عن العقيدة والأحكام الإلهية التي بها يسعد الإنسان في الدنيا ويفوز بالآخرة، وإن هذا الهدف السامي مطمح الأنبياء والأوصياء الذي كان ولا يزال الطريق القويم الذي يسلكه المصلحون لبلوغه أو تحقيقه وإن طال الزمن، والتي بادر بثورته تلك من أجلها واستشهد في سبيلها، إضافة إلى ما ذكر فإن النهضة الحسينية تستبطن الكثير الكثير من الأهداف التي تسمو بالإنسان وترتقي به إلى مصاف الأولياء الصالحين إذا ما تقمصها وحاول تكريسها على أرض الواقع.
ان النهضة الحسينية ركّزت في الأمة إحياء الإسلام، وتوعية المسلمين وكشف الماهية الحقيقية للأمويين، وإحياء السنة النبوية والسيرة العلوية، وإصلاح المجتمع واستنهاض الأمة، وإنهاء استبداد بني أمية على المسلمين، وتحرير إرادة الأمة من حكم القهر والتسلّط، وإقامة الحق وتقوية أهله، وتوفير القسط والعدالة الاجتماعية وتطبيق حكم الشريعة، وإزالة البدع والانحرافات، وإنشاء مدرسة تربوية رفيعة وإعطاء المجتمع شخصيته ودوره.
لقد تجلّت هذه الأهداف في فكر سيد الشهداء وفي عمله أيضا، وكذلك لدى أهل بيته وأنصاره وأتباعه، ومن يمشي لزيارة الامام الحسين في الزيارات المخصوصة ولا سيما زيارة الأربعين عليه ان يضع نصب عينيه مبادئ وقيم الامام التي ضحى من أجلها الغالي والنفيس، وتعد زيارة الأربعين بما فيها من موج جماهيري هادر ومتحمس ـ من المحطات الرئيسية للتزود من نميره الصافي المتدفق، والخروج منها بطاقة ايجابية قادرة على التحلي بمكارم الأخلاق وتخطي مصدات الشيطان والنفس الأمارة بالسوء بخطوات ثابتة ويقين راسخ للوصول الى تلك المبادئ التي بها نحيا وبدونها نضمحل ونهلك، وحري بكل زائر ان يستلهم من مواقف الإمام الحسين عليه السلام الدروس والعبر التي يمكن ايجازها بالنقاط التالية:
1ـ الاصلاح عبر آلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأمة الحسينية تفترق عن غيرها بانتهاج مكارم الأخلاق المنبثقة من الكتاب والعترة، والابتعاد عن كل ما يشين تلك الدوحة المباركة، قال الامام الحسين في هذا الصدد: (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٣٢٩.
2ـ مَن غير الامام الحسين يهدي تلك الملايين سبيل الرشاد والصواب والحكمة؟! فهو رحمة الله الواسعة وباب نجاة الأمة، به وبنهضته المباركة تهتدي الأمم، والسير على نهجه هو عينه السير على نهج وسنة الرسول الأكرم، فلا مفر من العبد ولا مفر من المكائد والبدع والانحرافات الا من خلال الوفود الى ساحة لطفه وكرمه، كتب الامام الحسين إلى وجوه أهل البصرة: (أنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فإنّ السنة قد أميتت والبدعة قد أحييت، فإن تسمعوا قولي أهدِكم سبيل الرشاد) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٣٤٠.
3ـ القائد الرسالي هو الذي يسخّر جهده في سبيل تكريس رسالة السماء الى أهل الأرض، وهو الذي يتقمّص تلك المبادئ قبل النطق بها خلافا لما يتصف به القائد الدنيوي الذي لا تعدو شعاراته لقلقة لسان ليس إلاّ، فقد أرسل الامام الحسين مع مسلم بن عقيل كتابا إلى أهل الكوفة حدّد فيه رسالة الإمامة بما يلي: (فلعمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله والسلام) الإرشاد/ المفيد / ص 204.
4ـ وأخيرا وليس آخرا ان ديدن الرسالات السماوية هو احقاق الحق، وان نهضة الامام الحسين قامت وما تزال على نهج الحق والدعوة الى تطبيقه في كل الظروف والأحوال، وفي كربلاء خطب الامام الحسين بأنصاره قائلا: (ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، فإني لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برما) صحيفة الحسين (ع) - جمع الشيخ جواد القيومي - الصفحة ٢٧٨.