- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الثاني عشر من شهررمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللهم زيني فيه بالستر والعفاف، واسترني فيه بلباس القنوع والكفاف، واحملني فيه على العدل والإنصاف).
فقرات هذا الدعاء تتناول جملة من فضائل الأخلاق في الإسلام منها:
١- العفاف: (اللهم زيني فيه بالستر والعفاف). هذه الفقرة من الدعاء تزرع في حياة الإنسان قيمة أخلاقية عالية وهي العفة والتي تعني الكف عن ما لا يحِل و لا يجمل، سواء كانت فيما بينه وبين الله (ما لا يحل) أو ببنه وبين الناس (ما لا يجمل). أي: تنفر منه طبائع الناس، وبعبارة أخرى هو: ابعاد الإنسان نفسه عن المحرمات وعن رذائل الأخلاق، وبهذا التحلي الأخلاقي يستطيع الإنسان أن يدفع نفسه نحو التكامل بكف النفس عن المحرمات، لذا فان الإسلام اعتبر العفاف من أفضل العبادات. فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (أفضل العبادة العفاف). وأيضاً ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (مَا مِنْ عِبَادَةٍ أَفْضَلَ مِنْ عِفَّةِ بَطْنٍ وَ فَرْجٍ). وعفة البطن التي تعني كف النفس عن الأكل الحرام، لأن لقمة الحرام تصد عن طاعة ألله عز وجل وعن التوجه إليه تعالى، وحينها تصبح لقمة الحرام حاجباً بين الإنسان وببن الله فلابد للإنسان من تطهير نفسه من الكسب الحرام. وكذلك عفة الفرج والتي تعني كف النفس عن النظر المحرم والكلمة المحرمة واللمس المحرم.. وغيرها. هذه وأمثالها أن يتجنبها الإنسان: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ). وأن عفة الفرج لابد من تحصيل مقدماتها، حيث أن مقدماتها هي التي تدفع الإنسان نحو ارتكاب الحرام والتي تبدأ من النظرة المحرمة، والإختلاط المحرم، والملابس غير المحتشمة، والمراسلات والمكالمات المحرمة، وكذلك تبادل الصور من خلال وسائل وقنوات الإتصال الإجتماعي، كلها وسائل تتنافى مع العفة، لذا فإن الدعاء قرن العفة مع الستر، لأنه لا تتحقق الفضيلة في المجتمع مالم يكن هناك ستر، لأن ستر المرأة بوابة الفضائل والقيم الأخلاقية فيه وتحصين المجتمع من عوامل الإنحراف والإنحراف، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْن).
٢- القناعة والكفاف: (واسترني فيه بلباس القنوع والكفاف). والقناعة: تعني الرضا بما يحصل للإنسان وعدم تمني عما في أيدي الآخرين. والكفاف يعني القناعة، والقناعة تعني الرضا بما قسم الله. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إذا أراد الله بعبد خيراً ألهمه القناعة فاكتفى بالكفاف، واكتسى بالعفاف). وأن عدم القناعة يولد خصال مذمومة من أخطرها هو (الطمع). قال تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ). وكذلك يولد خصال أخرى مثل الحسد والظلم والغيبة والتعدي على حقوق الآخرين، بل قد يولد الحقد والسرقة والقتل... وغير ذلك. لكن لا يعني هذا طموح الإنسان لتحسين حاله المادي بالطريق الحلال، وأن القناعة لا تعم الأمور المعنوية، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ). فمبدأ المنافسة أمر مشروع في الأمور المعنوية.
٣- العدل والإنصاف: (واحملني فيه على العدل والإنصاف). العفة والقناعة من الأخلاق النفسانية والتي لها آثار خارجية تنعكس على سلوك الإنسان وأخلاقه في الجوارح، ومن أهم انعكاساتها هو العدل والإنصاف، لأن من ألزم نفسه بأمر أشد ينتج عنه أنه سيلتزم بأمر أخف، فالعفة وهي إلزام النفس بالكف عن الحرام يسهل عليه الإلتزام بلوازمها وجوداً في السلوك العملي، ومن أهم آثارها هو العدل والإنصاف وهما من المعاني المترادفة، أي مختلفان لفظاً، ولكنهما متحدان في المعنى، وهما بمعنى إعطاء كل ذي حق حقه، و هو خلق تربوي في النظام التربوي الاسلامي، وهو أن يعطي الإنسان الحق ولو كان على حساب نفسه و هذا أمر غير ممكن عند الجميع بل لا يقوم به إلا النفر القليل لأن الإنصاف يجري على خلاف مشتهيات النفس فالذي ينصف الآخرين يكون في حقيقته قد انتصر على نفسه وشهواته. وهذا أمر عسير قد لا يوفق إليه كثير من الناس، وهو يحتاج إلى تسديد وتوفيق إلهي، لذا جاء تعبير الدعاء بصيغة الفعل إحملني: (إحملني فيه على العدل والإنصاف). وهو طلب من الله عز وجل أن يوفقه ويأخذ بيده إلى تلك الخصال الحميدة والسلوكيات الفاضلة التي تأصل قيم الخير والرحمة في المجتمع.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- هل جامعاتنا ورش لبناء المستقبل أم ساحات تعج بالمشاكل؟ - الجزء الثاني والاخير
- الخطأ الثاني لمسعود البارزاني