- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الحادي عشر من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللهم حبب إلي فيه الإحسان، وكره إلي فيه الفسوق والعصيان، وحرم علي فيه السخط والنيران).
الأدعية الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) تمثل منظومة معرفية متكاملة لبناء الإنسان، ومن هذه النظم هو النظام الأخلاقي، وقد تعرض الدعاء الى أحد فضائل الأخلاق وهو:
١- الإحسان: (حبب إلي فيه الإحسان). والإحسان هو إقامة الواجب كتأدية الفرائض، والمستحب وهو إتيان النوافل بالنسبة إلى حق الخالق وترك الشهوات المحرمة مع الزهد في الدنيا، فالإحسان يشمل غير الواجب سواء في حق الله عز وجل كالنوافل والمستحبات وفي حق المخلوقين غير الواجبة كالتبسم في وجه الآخر أو رد السلام غير الرد الواجب.
وحينما نستعرض آيات القرآن الكريم و الروايات الشريفة نجد حثاً على الإحسان مفاده: (أنه تعالى مع المحسنين، وأنه يحب المحسنين، ورحمة الله قريب من المحسنين، والبشرى لهم يوم القيامة..). وأن الأنبياء والائمة الأطهار (عليهم السلام) قد استخدموا أساليب تربوية لتربية النفوس وتزكيتها من خلال تنمية محاسن الأعمال فيها وفضائل الأخلاق ومنها فضيلة الإحسان.
فالاحسان: فضيلة أخلاقية تعمل على تنمية روح التكامل الإجتماعي ببن الأفراد وتعمل هذه الفضيلة الأخلاقية على إخراج الإنسان من دائرة(الأنا) إلى دائرة (اجتماعية) أوسع، حيث يعيش مع الآخرين حالة المواساة مع الآخر والتضحية، وحقيقة الإحسان هو التطوع بأعمال الخير والبر التي لم تلزمه الشريعة بها، ويقوم الإحسان على معايير بعيدة عن أجواء الربح والخسارة كما هو الحال في الحضارة المادية، أما في المعايير القرآنية فالحال هو خلاف ذلك، حيث أن العمل الخيري يقدم بلا ثمن فهو تضحية من أجل الآخر، وهذا ما أشارت إليه آيات القرآن الكريم: (إِنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُربَى وَيَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ ). وقوله تعالى: (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ). وكذلك الروايات الشريفة منها ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (عليك بالإحسان فإنه أفضل زراعة وأربح بضاعة). وعنه ايضاً: ( نِعم زاد المعاد الإحسان إلى العباد). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال لاسحاق بن عمار: (أحسن يا إسحاق إلى أوليائي ما استطعت، فما أحسن مؤمن إلى مؤمن، ولا أعانه إلاّ خمش وجه إبليس، وقرح قلبه).
وقد كان أهل البيت (عليهم السلام) يحثون شيعتهم على الإحسان إلى الآخر وتربيتهم على هذه الفضيلة لتصبح ظاهرة اجتماعيةمن خلال نشر ثقافة عمل الخير الجماعي.
٢- مبغوضية الفسوق والعصيان: (وكره إلينا الفسوق والعصيان). الفسوق هو الخروج عن جادة الشريعة وتعاليمها المقدسة، وهو سلوك انحرافي أسسه الشيطان، قال تعالى: (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)، وعليه فكل سلوك خارج عن المعايير الشرعية هو سلوك في طريق خطوات الشيطان وهو سلوك شيطاني، وقد أمرنا بعدم اتباعه: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ). فالإسلام يؤكد على تربية الإنسان بمبغوضية المعصية من بدايات نشأة الإنسان وجعلها في فطرته، وإن يستشعر الإنسان مبغوضية وكراهة المعصية وتنزيلها منزلة القذارة وإن يحتقرها ويحتقر من يرتكبها، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (الكيس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله).
٣- الإبتعاد عن السخط والنيران: (وحرم عليّ فيه السخط والنيران). إن حب الإحسان إلى الآخر ومبغوضية الفسق والمعصية، لا يتحقق إلا بتوفيق وعون من آلله عزوجل لنيل هذه المطالب، ففي الرواية عن الإمام الجواد (عليه السلام) أنه قال: (المؤمن يحتاج إلى توفيقٍ من الله، وواعظٍ من نفسه، و قبولٍ ممن يَنْصَحُه). وشهر رمضان شهر الطاعة وشهر تربية النفس وتزكيتها وشهر الورع عن محارم الله، فلابد من زرع المبغوضية للمعاصي في نفوسنا من هذا الشهر الفضيل وإن تستمر هذه المبغوضية إلى الشهور والأيام القادمة التي سيعيشها الإنسان وهي باقية في نفسه كي تبتعد عن ارتكاب المعاصي ويبقى لديها الإستعداد لسلوك منهج الفطرة و طريق الإستقامة.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر