- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بعثة النبيّ (ص) بزوغ فجر جديد للانسانية
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
- قال تعالى: (بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ - لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِين) آل عمران آية 164
نبارك للمؤمنين جميعاً بمناسبة ذكرى بعثة خاتم الأنبياء(صلى الله عليه وآله وسلم) في السابع والعشرين من رجب الأصب, وتكمن أهمية هذا اليوم بأنه أشرف يوم في التاريخ البشري على الإطلاق، حيث سطع فيه النور الإلهي على ذلك القلب الإستثنائي الكبير ألا وهو قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتبرز شرفية هذا اليوم من جهات عدة:
1- أنه الذي ارتبط به عالم المادة بعالم الغيب.
2- شكل هذا اليوم ولادة معاني ومفاهيم جديدة في الفكر البشري.
3- شكل هذا اليوم حركة عملية لإيصال الإنسان إلى كماله المعنوي والروحي وإصلاح حياته الإجتماعية والأخلاقية.
4- أحدث هذا اليوم تحولات هائلة جذرية في السلوك والأخلاق عند الانسان.
5- أوجد حالة روحية في توجه باطن الإنسان نحو الله تعالى وفتح أفق جديد في الفكر البشري ورفض كل العلائق المادية المحدودة اللاهثة وراء المظاهر المادية والتي هي منشأ الفساد، وصلاح الإنسان واستقامته لا تحصل له إلا بتوجهه إلى إصلاح باطنه وروحه ومعنوياته .
6- إصلاح النظام الإجتماعي للإنسان من خلال إيجاد بيئة سليمة ليعيش فيها دون ظلم وتعسف وقهر وسلب لحق الآخرين.
7- شكل هذا اليوم تكريساً من اللطف الإلهي للبشرية بإنقاذهم من العمى والضلال إلى النور والهدى.
8- إنه له من الأهمية الكبرى هو أن المبعوث (صلى الله عليه وآله وسلم) حمل ثقل الأمانة الإلهية في هذا اليوم ليوصلها إلى الإنسانية جميعا.
9- كان هذا قد قلب المعادلات التي كان يعيشها ذلك الإنسان إلى معادلات أخرى تحمل في طياتها الكثير من المتغيرات القيمية والأخلاقية في المجتمع الإنساني بعد أن كان يعيش حالة الفساد والإنحلال والتمرد والإقتتال، فيصف أمير المؤمنين (ع) تلك التحولات(وأهل الأرض) يومئذ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، وطرائق (طوائف) متشتتة، بين مشبه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره، فهداهم به من الضلالة. (نهج البلاغة: الخطبة 195 و33 و104 و1.
بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والتحولات المعنوية الكبرى:
وفق التخطيط الإلهي لضمان نجاح مشروع السماء المتمثل ببعثة الأنبياء والرسل وليكون مستمراً مع توالي الأجيال ومواكباً مع وجود النوع البشري والمحافظة عليه وصيانته من التحريف والتزييف... لأجل هذا كان هناك إعداداً لمشروع آخر لايقل أهمية عن إرسال الأنبياء والرسل. وهذا المشروع هو الذي يتمثل آخر مطاف المسيرة الإلهية وهو إعداد شخصية تقوم بأعباء هذا الدين وحمله وتبليغه للبشرية، والذي يمثل آخر المطاف في الرسالات الالهية٠
وقد أعلن عن ذلك المشروع الإلهي عند نزول الوحي (إنا سنلتقي عليك قولاً ثقيلا..) فكان إيذاناً ببداية مرحلة جديدة في تاريخ البشرية، وليكون إعلان فصل جديد في تاريخ الرسالات الإلهية.
فإن يوم البعثة هو يوم تنصيب الشخصية التغييرية لمقام خاتمية النبوات ومقام الهداية والرحمة للعالم اجمع. والتي تعني البعثة الخاتمة إيصال الإنسان إلى حالة التكامل وإحداث تحولات روحية ومعنوية في رؤى الإنسان الفكرية والسلوكية.
وقد استعمل القرآن لفظة البعث وبعث الناس يوم القيامة وأطلق عاى ذلك اليوم بأنه يوم البعث لما فيه من تحولات عظيمة ودخول الإنسان في متغيرات كبيرة في عالم الاخرة. فإطلاق لفظة البعث ومشتقاتها على تصدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمهام تبليغ الدين الإلهي وهداية الناس، لما يحمل من معاني التغييرات الكبيرة وتحولات عظيمة في حياة البشرية.
فكانت البعثة تصحيح لمسارات البشرية المظلمةالتي مرت بإرباك وفوضى عارمة في كل الإتجاهات خصوصاً في الجانب الفكري والعقائدي. حيث شهد المجتمع البشري انحرافاً عقائدياً من حيث فساد عقائد الناس، وانحرافهم عن جادة الشرع المقدس من حيث عبادة الأوثان وانتشار الأصنام.
وكذلك الإنهيار في النظام الأخلاقي حيث انتشرت الفواحش والمنكرات، ولم يعد الناس يعرفون معروفًا أو يُنكرون منكرًا؛ بل انقلبت الأحوال حيث أصبح المنكر معروفًا والمعروف منكرا.
وكذلك تنامي حضارة المادة وغابت في مابينهم القيم الروحية وأصبح الإنسان منهمكاً نحو المادة واصبحت هي الغرض الأساس في حياتهم٠
يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) واصفًا الحالة العامة للأمّة التي بُعث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إليها: (أرسله على حين فترة من الرُسُل، وطول هجعة من الأمم واعتزام من الفتن، وانتشار من الأمور، وتلظٍّ من الحروب، والدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرارٍ من ورقها، وأياسٍ من ثمرها...).
فاحدث الإسلام تحولات كبيرة و انقلاباً حقيقياً وجذرياً في سلوك وعقلية وأخلاق ذلك المجتمع، وفي مفاهيمها وأن ينقلها من العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة.
ولقد عبّر عن ذلك (جعفر بن أبي طالب) لملك الحبشة بعدما بيّن له الأوضاع المتردية التي كان يعيشونها قبل مبعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال :(فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لتوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وأباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم ).
فمن الواجب علينا أن نشكر الله تعالى عل منته العظمى بأن هدانا للإسلام والولاية لمن خصهم بالإمامة الإلهية بعد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم.
أقرأ ايضاً
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- الشرق الأوسط الجديد
- توقيتات الدوام الجديد ومتلازمة التمن والمرق