عشق الحسين منذ نعومة اظفاره وتتلمذ في مدارس دينية ليطلق العنان لمواهبة في فن الخطابة الحسينية وتتلمذ على يد معلمين افذاذ، وبدأ مساعدا للخطيب يقرأ مقدمة المجلس ثم تحول الى خطيب حسيني تميز بغزارته معلوماته وحلاوة صوته وشجي نعيه الذي كان يهز وجدان الحاضرين في المجالس، لم ينقطع عن الخطابة والمجالس الحسينية رغم منع الشعائر الحسينية في حقبة الثمانينات وناور بطريقة ذكية وبحجة قرآنية ليقيم مجالسه في حرم الامام الحسين (عليه السلام) لمدة اثنا عشر عاما، كان شاعرا وله ديوانا شعريا وينظم الشعر الفصيح والشعبي والملمع، لم تكتفي عائلته بأن تحتفظ بمقتيانته من الكشيدة والنظارات الطبية وسجادة الصلاة والملابس والخاتم والرسائل التي كانت تصله من دول عدة تدعوه ليقيم مجالس خطابة فيها ومخطوطات شعرية بخط يده ومقتنيات اخرى، بل اختط ولداه واحفاده طريق الخطابة ليبقوا ذكره خالدا في كربلاء المقدسة.
ولادته ودراسته
وقال الشيخ علاء الكربلائي نجل الشيخ هادي الكربلائي لوكالة نون الخبرية ان " والدي كان لطيف المعشر والمجلس ويتعامل بقاعدة لكل شيء وقته فهو يجلب الابتسامة بلطائفه المؤدبة ولا يكلفنا باعمال ويؤدي كثير من الواجبات للبيت وابرزها التسوق وكان يتكلم بهدوء معنا، ولد في العام (1908) في دار جده لامه في محلة الشيخ بشار في جانب الكرخ من العاصمة بغداد، وكان جدي يسكن في قضاء المسيب وانتقلوا للسكن في محافظة كربلاء المقدسة في العام (1920) وكان عمر والدي اثنا عشر عاما ودرس في مدارس كربلاء المقدسة الدينية وكان ابرزها مدرسة الصدر الاعظم والشيخ محمد المجاهد والبقعة والباتكوبا وكانت تقع في منطقة بين الحرمين واكمل دراسته في المدرسة المهدية عند خان الفحم قرب شارع السدرة الآن وهي مجاورة لمضيف قاسم رشدي، وتتلمذ على يد الشيخ محسن ابو الحب الصغير وكان والدي الشيخ هادي يقرأ مقدمة المجلس قبل الشيخ ابو الحًب الصغير المتوفى عام 1948 ومن يقرأ المقدمة له دور مهم في المجلس وبداية تعلمه للخطابة الحسينية، وروى لي السيد محمود الحسيني ان والدي تصدى للخطابة بعد وفاة ابو الحب والشيخ محمد مهدي المازندراني وكان من بين الذين قرأوا مع الوالد الشيخ عبد الزهرة الكعبي، وله ديوان شعر كامل توجد منه نسخة كتبت بيد الشيخ عبد الزهرة الكعبي وينظم الشعر الفصيح والشعبي والملمع (الممزوج بين العربي والفارسي)".
مجالس رغم المنع
واضاف ان " جدي الشيخ صالح كان يرغب والدي بهديه مبلغ من المال (مجيدي) ما يعادل خمسين الف دينار تقريبا في وقتنا الحاضر مقابل حفظ قصيدة ، وكانت لقاءاته مع الخطباء في مجلس الروزخونية ( حيث كان الخطيب يسمى روزخون والرادود يسمى نوحخون)، ويجتمع فيه الخطباء كل يوم جمعة في بيوت هؤلاء المجتمعون بالتناوب ويقرأون باساليب متنوعة مثل (التخميس) ويقصد بها ان يقرأ خطيبا ما بيتين من الشعر فيكمل الآخر ثلاث ابيات اخرى لتصبح خمسة ابيات وكذلك يقرأون قصائد جديدة كتبوها من عصارات ذهنم ولا يقرأونها بورقة بل بالحفظ، وكان من الحضورالسيد هادي والسيد مهدي والسيد جواد القزوينيين والسيد مصطفى الاستربادي والسيد صادق طعمة والشيخ داعي الحق والسيد مصطفى الفائزي والشيخ علي الضرير، اما في وقت النظام المباد ومنع احياء الشعائر والمجالس الحسينية عام 1980 مع بداية الحرب العراقية ـ الايرانية، وعندما منعت المجالس كان الخطباء والمعزين بلهفة لاقامة تلك المجالس فمن الله على والدي الشيخ هادي الكربلائي بأن جعله يقيم مجلسا حسينيا في داخل حرم الامام الحسين (عليه السلام)، في مقبرة بيت كمونة مقابل الشهداء من اصحاب ابي عبد الله (عليه السلام)، ومنها لم يخرج من مدينة كربلاء المقدسة لمدة (12) عاما لغاية وفاته، ويناور اجهزة الامن ويلجأ الى طريقة ذكية حيث يجلس على الارض ويبدأ بعد الصلاة بتفسير آية قرآنية فيظن الذين يمنعون المجالس انها جلسة لتفسير القرآن ثم يميل الى معركة الطف ومآسيها ويختمها بالنعي".
الانتفاضة الشعبانية
ويسترسل نجله علاء الكربلائي بذكريات ما حصل في عام (1991) عن والده ويقول " لم يقبل والدي ان نترك كربلاء المقدسة ونذهب بعيدا خشية القصف والمعارك كما فعلتها الكثير من العائلات وذهبت على الطريق الرابط بين محافظتي كربلاء المقدسة والنجف الاشرف، ويرفض النزول مع العائلة الى سرداب البيت كأسلوب لتوفير اكبر قدر من الامان، ويردد ان الموت اذا جاء اجله لا تغني اي وسيلة عن وقوعه، وانتهت المعارك العسكرية وبعد جفاف نهر الحسينية عند مقام صاحب الزمان وكان الوصول لتلك المنطقة خطر جدا لان قناصي قوات النظام المباد قتلوا الكثير من الاهالي هناك واصبحنا المغذي الرئيس لاهالي المنطقة من البئر ولم تكن الكهرباء متوفرة حتى نستطيع ان نوفر الماء بسهولة واستعنا بالدلو (السطل) ومنه يقوم الاهالي من المنطقة بتعبئة القدورة والاواني لقضاء حاجاتهم من الغسل والطبخ والشرب بعد غليه ومرت فترة طويلة على هذا الحال، وكان بيتنا الذي يمتد عمره لحوالي (100) عام مشيد قديما من القوغ وجذوع النخل والطوك الرومي وبطريقة الاواوين كما موجود في الحرم الحسيني وفي هذه الغرفة بئر وتوفى جدي الشيخ صالح على يمين تلك البئر وبعدها في العام (1992) تدهورت حالته المرضية واوصانا بأن نغسله في نفس المكان الذي توفى فيه والده الشيخ صالح وغسله وكفنه عباس مردشور".
وراثة الخطابة
اتخذنا انا واولادي الشيخين هادي وضياء واخي الشيخ بهاء وولده الشيخ منتظر نهج والدنا واصبحنا خطباء منبر واخينا الاكبر الشيخ صالح الضرير كان شاعرا ومدرسا للعربية وكان يصعد يقرأ المقدمة قبل والدي ونهج طريقة الوالد في الخطابة ولم تكن وصية منه لكنها رغبة منا هكذا يصف الشيخ علاء وراثتهم لمهنة ابيهم ويكمل بالقول "دربني والدي على ان اقرأ المقدمة قبله في بيت الصفار في منطقة باب الطاق بعد طلب والحاح مني وكنت اشعر بالرهبة والهيبة، وبعد ان منعت المجالس الحسينية تركت قراءة المقدمة لمدة عشر سنوات، وبعد العام (1990) كان لوالدي نهارا مجلس حسيني في بيت كمونة وطلبت منه ان اقرأ المقدمة قبله فلم يستجب لطلبي خشية عدم تمكني من ادائها بعد عقد من تركي لها، وفي الليل طلب مني ان احضر قصيدة ونعي لاقرئها قبله في مجلس حسيني وقرأتها في بيت الصراف مقابل المخيم، وخلال قرائتنا في العشرة الاولى من شهر محرم طلب مني قراءة الطور العاشوري وعلى ان ابدأ من آخر ثلاثة ابيات وقرأه امامي وطلب مني اعادته واخترت قصيدة (البدار البدار آل نزار..)حتى نصل الى (طأطأو الروس ان رأس الحسين رفعوه على القنا الخطار) ومن رهبتي من المجلس لم استطع ان اقرأه بطريقته فناداني اتركه، ونصحني باعادة الحفظ وفي المجلس الثاني قرأته بطريقة جيدة وساعدني بالقراءة ونصحني بالبطأ بقراءته ليرق قلب المستمع وكان يخرج من ديوان كمونه حافي القدمين ويأتي الى التل الزينبي وخرجت معه وخرج كل من في المجلس خلفه فوقف امام التل الزينبي وقرأ بطور النصاري ( حق تبكي كل عين.. بنواح وحنين.. لحسين سبط طه.. حيث ابكى الثقلين).. حتى يصل الى البيت الذي يقول (وهنا زينب نادت ..يابن أمي يا حسين...احرقوا الخدر علينا..من بنيكم ابكوا كل عين) وكانت له بصمة خاصة في النعي واشهر ما قرأه( سل كربلا عن كربها وبلائها)".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي ــ علي فتح الله
أقرأ ايضاً
- سكان 80 قرية في ذي قار يهربون من الجفاف إلى المدن بحثا عن فرصة حياة
- فيديو:وافد لبناني يعالج اخيه في كربلاء : بركات الامام الحسين تجلت في كرم الشعب العراقي
- التعداد السكاني: قرابة 400 ألف منزل في كربلاء.. ومنازل غير موجودة ضمن خرائط ذي قار