- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التنمية المستدامة .. التنظير والتطبيق
بقلم: إسماعيل نوري الربيعي
التنمية المستدامة في أبسط تعريفاتها، تقوم على التعاطي مع الموارد المتاحة بحكمة وأناة، استثمار عاقل وحكيم، من دون المساس بالرأسمال المادي.
تعامل بنّاء يقوم على الأخذ بنظر الاعتبار الأجيال القادمة، و الحفاظ على البيئة و الموارد، والعمل على الحفاظ عليها، دون هدر الطاقات والإمكانات. وهي حين يتم التعاطي من خلالها مع الرأسمال البشري، فإنما تتوجه نحو العمل الحثيث نحو تحقيق الرفاه الاجتماعي، وضمان العيش الكريم للمواطن و محاربة الفقر والبطالة، من خلال التركيز على تطوير وتحسين الخدمات المتعلقة بالرعاية الصحية، وتطوير النظام التعليمي بما يضمن الحصول على مخرجات قادرة على مواكبة التحديات و التطورات المتسارعة، التي يشهدها العالم حيث العصر الرقمي و الثورة الاقتصاية، تلك التي تتطلب نوعا جديدا من التعليم يكون في طليعته التخلص من التلقين، و التوجه نحو التحليل الناقد، وبناء العقل الاستشرافي القادر على التوافق مع التحولات المتسارعة واللاهثة.
تنمية مستدامة تنهل عن منهجية الحوكمة، وتأخذ بالقواعد و الأسس التي تقوم عليها حيث التطلع نحو العدالة، بناء على التوفيق ما بين الأجيال الراهنة و الأجيال اللاحقة.
عدالة تتوجه نحو الأخذ بروح الابتكار و التجديد، و احترام الملكية الفردية و الحقوق الساسية في الحرية والعدالة و المساواة، وتطبيق الشفافية، والفرص المتساوية، و العمل على التأهيل و التدريب، و إمعان النظر في خلق الفرص المتجددة، إن كان على مستوى سوق العمل و مكافحة البطالة، أم على مستوى التنمية و التنشيط الثقافي و الاجتماعي، و العمل على بناء نموذج الشاب، المتطلع نحو المشاركة و المساهمة في بناء المستقبل، بعيدا عن الشعاراتية وثقافة الواجهات، أو ممارسة الحضور على حساب المساهمة الجادة والفاعلة.
لا تقوم التنمية الشبابية المستدامة على عقد الآمال فقط، على الرغم من أهمية الطموحات و الآمال في حفز نقطة الشروع. إذ تحضر القراءة العميقة للواقع، بوصفها الكاشف و الفاحص العميق للعلاقات السائدة، حيث اهمية قراءة المعالم و المحددات التي تشكل طبيعة و مستوى المسار. لا سيما في ما يتعلق بطريقة التعاطي مع مسألة النمو السكاني. تلك التي تقف في الكثير من الأحيان في وجه مسار التنمية المستدامة، لا سيما على صعيد النمو الديموغرافي المتسارع، و الذي يشكل عبئا على تقديم الخدمات، أو تقليص فرص العمل أو تهديد الموارد الطبيعية بسبب زيادة الطلب عليها.
و يأتي المحدد الآخر و الذي يتمثل في طريقة التوزيع السكاني، لا سيما على صعيد الفاصل الهائل و الكبير في الكثافة السكانية بين الريف و المدينة، و توجه المزيد من الفئات الاجتماعية نحو الهجرة على المدن، من اجل الحصول عى المزيد من الفرص إن كان على مستوى الخدمات أو فرص العمل، او حتى الحصول على التأهيل والتعليم الجيد.
ويأتي محدد استثمار الموارد البشرية حاضرا، لا سيما على صعيد العدالة و المساواة في تقديم الخدمات التعليمية و الصحية و الاجتماعية و الخدمات الأساسية، دون تمييز بين ريف و حضر، أو عاصمة و أقاليم، إنها النظرة الواحدة الموحدة، تلك التي تسعى نحو بناء الكيان الموحد المندمج في رابط عضوي، من دون تركيز على جهة و إهمال الجهة الأخرى .
لم يتردد مونتسكيو لحظة عن القول؛ إن ( القانون ينظم الحرية والدستور يشرع لها ). ومن هذا المعطى يمكن الوقوف على دالة مبدأ سيادة القانون ، ذلك المبدأ و المعيار الرئيس في تمييز مفاصل الحكم الرشيد . باعتبار الوقوف على ثنائية ( التشريع والتنظيم ) ، و ما يمكن أن يؤديانه على صعيد بناء المناخ الآمن الذي يكفل المساواة والحرية . فإذا انعدم الأمن تعرضت الحرية و المساواة للخطر . بل ويتعرض كيان الدولة إلى التهديد باعتبار أن الباب سيكون مشرعا نحو الفوضى . سيادة القانون تفترض العدالة تلك التي تكون مقدمة على ما عداها ، فمن دونها يتعرض الحكم للوهن والضعف والفشل ، باعتبار أن الحكم يعمل نحو ممارسة السلطة على المجمل من الهيئات والمؤسسات التي تتالف منها الدولة الحديثة ( القطاع العام ، و الخاص و منظمات المجتمع المدني) . ومن أجل الوقوف على تشريع وتنظيم عادل لابد من الوقوف على المساهمة والمشاركة من قبل الجميع . حيث التطلع نحو ترسيم معالم السلطات الثلاث ( التشريعية ، التنفيذية ، القضائية ) و العمل على استقلالها وتمييز مفاصل البمادرة فيها . فما قيمة دستور نموذجي و قانون في منتهى الدقة والصياغة الحاذقة تعمل على إنتاجه السلطة التشريعية ، مقابل ضعفا ووهنا في السلطة التنفيذية ! تلك التي تقوم على المؤسسات و الهيئات العامة من وزارات و هيئات عامة تعمل في نطاق التطبيق.
نحن بإزاء ثنائية ( التنظير و التطبيق ) و تطلع البعض للغور في التفاصيل الحاكمة لهما ، و كأننا نعيد إنتاج سؤال البيضة أم الدجاجة ؟ فيما يبقى الواقع يشير وبوضوح لا يقبل المواراة إلى أن الدولة والسلطة والحكم الجيد ، إنما يقوم على الربط الجدلي بين ( مؤسسة منضبطة ) و ( كادر كفوء) و ( بيئة عمل توفر المردود المادي الذي يكفل كرامة الإنسان) و ( تعزيز الولاء والانتماء) . العلاقة الحتمية بين هذه العوامل تعد بمثابة الطريق نحو بناء النموذج المؤهل نحو تطبيق فكرة العدالة ، من دون الوقوع في دوامة التمييز ، والعمل على ترقيع الواقع من خلال الشعارات واللافتات . بقدر ما ينطوي الأمر على تحديد الأهداف بوضوح و جلاء بعيدا عن الغموض والتسرب في المعاني . إنه التوجه الحاسم نحو محاربة الفقر ، عبر استثمار الموارد بكفاءة ، ووضع الخطط و البرامج العلمية المستقبلية المدروسة ، من خلال اعتماد الكفاءة ، تلك التي تقوم على تعزيز التنمية البشرية عبر مسار التدريب والتأهيل للكادر البشري ، والعمل على ضمان الفرص الأوسع للعمل الذي يكفل الحياة المستقرة و الآمنة عبر التوافق والانسجام بين القطاعت التي تقوم عليها الدولة من ( قطاع عام و خاص و منظمات المجتمع المدني) . تشكيلة بهذا المستوى ستقود حتما نحو تعزيز مسار الحرية المسؤولة ، والبيئة الاجتماعية المتفاعلة بعمق و أصالة مع مفهوم الوطن والوطنية . حيث التطلع نحو تطبيق العدالة بوصفها مشروعا وطنيا ينهض به الجميع ( الحكومة والمجتمع) ، ويسهر على تنفيذ تشريعاته و تنظيماته رجل البوليس والموظف العمومي والمواطن العادي . إنه نموذج المسؤولية العامة ، باعتبار الوقوف على نموذج المساهمة و المشاركة العامة . نموذج يبدأ من الرقابة الشعبية النابعة من المفهوم العميق و الأصيل للانتماء إلى الوطن . والذي يبدأ من مبادرة المواطن للحفاظ على الممتلكات العامة ، و احترام القانون و الحرص على السلوك الحضاري ، انطلاقا من الوازع الشخصي دون الخشية من المراقبة والمعاقبة .
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً