- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إضعاف الدولة.. وزارة التجارة مثلاً - الجزء الثاني
بقلم: محمد حميد رشيد
بقت الوزارة أسيرة لفكرة كون وزارة التجارة وزارة خدمية وتقدم المواد باسعار مدعومة وهذا من تداعيات تكليف الوزارة بإدارة مذكرة التفاهم على صعيد المواد الغذائية.
ورغم أن خدمة المواطن هي من أهم اهداف الحكومات العراقية وكان التموين من مهام وزارة التموين وليس وزارة التجارة فوزارة التجارة من مهماتها الاساسية تعريف البلد بالعالم من خلال ربط تجارته بحركة التجارة العالميـة ومعالجة المشاكل الاقتصادية وتساهم في رسم استراتيجية بعيدة المـــدى للإقتصاد العراقي لـذا لابد من ان تستعيد الوزارة جزءاً من دورها الكبير. والحقيقة إن شركات الوزارة مأمورة بموجب قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 وتعديلاته وبالذات المادة (2) من القانون بما يلي:
«يهدف هذا القانون الى تنظيم الشركات العامة تأسيسا” وادارة وتصفيه بأحكام ماليه واداريه موحدة لبلوغ اعلى مستوى من النمو في العمل والانتاج وأعتماد مبدأ الحساب الاقتصادي وكفاءة أستثمار الاموال العامة” (بنص القانون) وكذلك يسعى قانون الشركات رقم 22 إلى زيادة فعالية الشركات في تحقيق اهداف الدولة ورفع مستويات اداء الاقتصاد الوطني».
وبنظرة سريعة على قانون الشركات والــذي نجد أن الشركات ملزمة بموجب المــادة (40) من قانون الشركات (يجب على جميع الوحدات الاقتصاديه الممولـه ذاتيا” حاليا” التي تمارس نشاطا” اقتصاديا”، أن تكييف اوضاعها بما ينسجم واحكام هذا القانــون 0) وللشركات إستثمار فوائض أموالها داخل وخارج العراق بما يحقق عائدات اكثر للشركات! بموجب المـادة (15) - اولا» - :
(للشــركة استثمار الفوائض النقديه بالمساهمة في الشركات المساهمـه أوالمشاركة معها في تنفيـذ اعمال ذات علاقة بأهداف الشركة داخل العــراق واستحصال موافقة مجلس الوزراء اذا كان المشروع خارج العراق).
ويتوسع القانون أكثر بمنح الشركات المرونة الكافية في مجال الإستثمار! وذلك بموجب المـادة (15) – ثالثا» –:
(للشركة حق المشاركة مع الشركات والمؤسسات العربيه والاجنبيه لتنفيذ اعمال ذات علاقة بأهداف الشركة داخل العراق0)
بل يذهب القانون أبعد من ذلك في الإستثمار المالي وذلك بموجب المــادة(17):
(للشـــركة الاقراض والاقتراض او الحصول على الاموال لتمويل نشاطها من المؤسسات الماليه والشركات العامة الوطنيه بموجب عقود وشروط يتم الاتفاق عليها بما لايتجاوز 50% من رأس مالها المدفوع 0).
بل أن الأصل في إطلاق أموال الشركات والأصل في أي ميزانية إستثمارية هو: ((لتمكينها من اســتغلال اموالها لتفعيل نشاطها التشغيلي وتوفيـر مستلزمات الانتاج الرئيسيه وتطوير رأسمالها ومواجهـة التطـورات التي يشـهدها البلد)).
وقد يتفاوت نشاط شركات وزارة التجارة ولكن الواضح الآن ان الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية وتجارة الحبوب وصناعة الحبوب في مقدمة الشركات العاملة في مجال توفير الغذاء للمواطنين عبر (برنامج السلة الغذائية) التي هي البديل النوعي للبطاقة التمونينية والتي لا تتجاوز موادها ال 40% من مواد البطاقة التموينية! وهي غير منتظمة التوزيع بشكل دوري ولكل شهر ! وهناك بعض الشركات تكاد تكون مجمدة النشاط وقد لا يتجاوز نسبة ادائها لمهامها الإفتراضية 20% وأنحصر عمل وكلاء الغذائية بتجهيز (السلة الغذائية) فقط بعد أن كانوا يجهزون المواطنين بعشرات المواد المختلفة قبل فرض مذكرة التفاهم.
وجمد عمل وكلاء المواد الإنشائية وتوقف دعم الشركة الإنشائية للمشاريع الصناعية الصغيرة وتوقف عمل الشركة في المساهمة في إعادة أعمار العراق وإعمار المدن المدمرة بل أن شركة المواد الإنشائية لا تمتلك حديد التسليح ولا مادة السمنت ومواد أخرى التي هي أصل المواد الإنشائية! وتوقف عملها (وعمل بقية شركات الوزارة في المساهمات الاستثمارية) وبالتالي توقف الإنتاج الإستثماري الحقيقي لأغلب شركات الوزارة.
والحقيقة أن هناك بعض المفاهيم الخاطئة حول عمل وزارة التجارة اثرت على أداء الوزارة وقلصت عملها منها:
أ. الخلط بين مفهوم (التموين) المبني على (سياسة الدعم) ومفهوم التجارة المبني على (الإستثمار) والتنافس وتعظيم الواردات وإدارة الإقتصاد.
بـ. لازالت الوزارة أسيرة لآليات مذكرة التفاهم القائمة على مفهوم محدود ومقيد والذي يتبغي مغادرته والدخول بإستثمارات متطورة تناسب اعمال كل شركة من الشركات وصولاً إلى تحقيق مفهوم (التمويل الذاتي) للتخفيف عن الدولة الكثير من إنفاقاتها المالية.
حـ. كما أن سياسة الدعم هي سياسة دولة فإن (الخزين الإستتراتيجي) هو خزين الدولة وليس الوزارة وإن كان من يشرف على تنفيذه وزارة التجارة عبر جهاز التموين ؛ وله ميزانيته الخاصة المنفصلة عن ميزانية وزارة التجارة وعن ميزانية التموين. ويكون الخزين الإستتراتيجي وفق ضوابط ومحددات يتم مراقبتها والعمل بها قبل وزارة التجارة وبرقابة من مجلس الوزراء أم من يخوله.
د. الإعتماد على آليات تجهيز قديمة وغير نافعة والبدء بالإنتقال إلى فكر الدولة الواسع والمعتمد لدى الكثير من الدول والبنوك والمؤسسات الإستثمار ومغادرة مفهوم (المجهز المحلي) إلى تحقيق علاقة إقتصادية مثمرة مع المنتجين دولا ومؤسسات ومصانع و وفق صيغ تجارية وإستثمارية حقيقية تحقق أحسن مواصفة بارخص كلفة.
هـ. الإنعزال عن السوق وعدم الدخول في التنافس التسويقي بصورة تحقق أمكانيات الشركة التجارية وتاخذ بالحسبان متطلبات السوق وتطوراته الحضارية بل يجب أن تكون سباقة في هذا المضمار كي تدفع السوق إلى التطور نحو الأحسن والأفضل والأرخص
ز. ورغم كل هذا هناك تصور أننا دخلنا في إطار السوق الحرة رغم إن ذلك لم يتحقق لغاية الآن ولازلنا في مرحلة إنتقالية علينا أن نتفهمها ونتماشى معها بشكل تدريجي. ومن ذلك تبقى الأفضلية للشركات الحكومية في تجهيز دوائر الدولة.
وزارة التجارة وآفاق المستقبل
إذا كان من الضروري مراجعة الواقع العملي لكل الوزارات العراقية ومنها (وزارة التحارة العراقية) فإن الأكثر ضرورة هو النظر في آفاق المستقبل بين الواقع والطموح وبدء من الضروري عدم تحميل الوزارات تبعة ما حدث من نكوص إقتصادي فذلك في جانب منه يتعلق بعوامل خارجية (سياسية وأمنية) ترجع إلى طبيعة النظام السياسي الحاكم في العراق منذ 2003م حيث نشهد تعسراً سياسياً إضافة إلى عوامل أخرى مررنا على بعضها إضافة إلى:
1. عدم وجود تخطيط إقتصادي مركزي (سياسة إقتصادية) واضح المعالم يلزم أجهزة الدولة بأتباعه.
2.عدم وجود أرضية صلبة محلية لمتطلبات الاقتصاد الحر كرأس مال محلي قوي ومصارف متطورة وتشريعات مالية وأقتصادية نافذه ومناخ إستثماري آمن ومشجع.
3. مارس أقتصاد الدولة دوره الاجتماعي في المرحلة السابقة في دعم الاسعار ودعم بعض الشرائح الاجتماعية الفقيره ومحدودة الدخل ولازال المجتمع العراقي (لغاية اليوم) بشكله العام يحتاج الى ذلك الدعم الاقتصادي الاجتماعي ومن الصعوبة أن لم تكن من “الخطورة “ الغاء هذا الدعم بشكل مفاجىء ومن دون تخطيط علمي مسبق ومتدرج.
4. الجهل الاقتصادي والإنعزال عن التطورات الإقتصادية العالمية النظرية والعملية والتداخل الإقتصادي العولمي. وحتى غالبية المجتمع غير متفهم للمعنى الحقيقي للامركزية أو للحرية فضلاً عن معطيات وقوانين الاقتصاد الحر...
5. ضعف أجهزة الدولة أمام قوى الفساد والادولة.
أمام كل هذا واشياء أخرى كثيرة لا يمكن التوقف عندها والإكتفاء بتحديدها و وصفها فقط بل لابد للدولة من التغيير والإنتقال إلى مرحلة جديدة تضع مؤشرات لمستقبل إقتصادي واعد ومتطور يبدء من برلمان وطني يضع مصلحة العراق أولاً وفوق كل شيء وحكومة كفاءات وخبرات وطنية غير معنية بالصراعات والمصالح الحزبية يسوسها القانون والتشريعات والأنظمة.
وبالعودة إلى وزارة التجارة بوصفها نموذجاً لما يحدث في الوزارات العراقية نجد أننا أمام خطوات لابد من إتخاذها عبر الوزارة ذاتها أو عبر شركاتها للإرتقاء بالعمل بخطى حضارية تستهدف خطوة نحوالمستقبل أكثر من ما تستهدف الحاضر أو الماضي. و(من) تلك الخطوات الضرورية للإصلاح والتغيير:
ا. العودة إلى تفعيل دور الوزارة في مختلف النواحي التجارية والإقتصادية وحسب ما تم تفصيله سابقاً (خمسة عشر دوراً للوزارة التجارة أغلبها معطل أو مشلول).
ب. مغادرة سياسة الدعم بإعتباره سياسة دولة وليست سياسة الوزارة واعتبار الدعم جزء من عمل الوزارة عبر مؤسسة خاصة تلحق بالوزارة اسمها (التموين) يخصص لها ميزانية مستقلة عن ميزانية الوزارة وشركاتها الأخرى. (مع الإشارة إن إطلاق الدعم بدون ضوابط ومحددات له سلبياته كما له إيجابياته) والتوجه وبقوة نحو الفكر الإقتصادي الإستثماري المتطور ونحو تحقيق أهداف الوزارة العامة ودورها الإقتصادي الكبير والمساهمة في رسم وتنفيذ السياسة الأقتصادية للدولة العراقية بمشاركة أجهزة الدولة وزاراتها الأخرى.
ج. الإستثمار الكامل لكل الثروات المتاحة للوزارة وفي مقدمتها التنمية البشرية وكذلك إستثمار المخازن والمعارض والوكلاء واسطول الشحن العملاق والإنتشار الواسع وإستغلال كل الطاقات المتاحة للوزارة دون إستثناء
د. تعديل أنظمة العمل الحاكمة للشركات بما يتيح للشركات التجارية تصنيع بعض المواد التي تتعامل بها على سبيل المثال(البلوك المقرنص والثرمستون) أو المشاركة في تصنيع مواد أخرى أو التصنيع الخاص للشركة على سبيل المثال (المسابح الجاهزة)بالنسبة للإنشائية أو (زيت الطعام) بالنسبة للغذائية وبما يحقق ربحاً تجارياً (بعيداً عن سياسة الدعم والسلة الغذائية). بماحقيق أقصى حداً من الأرباح والعوائد المعقولة (هامش ربحي) للوزارة وكذلك تفعيل مزارع الشاي الفيتنامي ومزار اللرز وتوسيعها بما يحقق مصلحة الوزارة والعراق والفرصة متاحة للعراق في البرازيل لمزارع السكر.
هـ. أن يكون للوزارة دورها المباشر والمؤثر في إعادة إعمار العراق والمدن المدمرة وفي النهضة العمرانية للبلد وتطوير المواصفة العلمية للمواد وموازنة الأسعار والمساهمة في حماية المستهلك وتوفير مستلزماته.
و. دعم وتطوير القطاع الخاص وتشجيع المشاريع الصناعية والتجارية والإستثمارية الخاصة. وكذلك تشجيع التجار والمستثمرين عبر عقود الشراكة وبشكل يؤمن مصالح كل الأطراف. أضافة إلى المساهمة في تسويق بضاعة التجار العراقيين.
ز. تطويرعمل الشركات ونقلها من إطار السلة الغذائية الحالية إلى العمل التجاري والإستثماري وصولاً إلى التمويل الذاتي وذلك عبر:
ح.تفعيل العمل بنظـام الوكالات (خصوصاً لشركات الغذاء) والذي تم ايقافــه ســــابقا” وبما يحقق للشركات الانتشار المطلوب في السوق ويسهل على المواطنين الحصول على السلعة واستغلال المســاحات المخزنيه وتشجيع المجهزين علــى التعامـل معها.
ط. السماح (للشـركة العامة لتجارة المواد الإنشائية) بالدخــــول مشاريع استثماريه في قطاع السكن مــــــع وزارات الدوله الاخرى (وهناك تجربة قامت بها الإنشائية عام 2005م مع وزارة الأسكان و وزارة الصناعة وبنك التسليف العقاري لإنشاء مدن سكنية إلا أن هذا المشروع دم وأده) تهدف الى المساهمة في حــل ازمة السكن وذلك عن طريق المسـاهمة في توفيـر مستلزمات البنــــاء التي تتعامـــــل بهـا الشركة العامة لتجارة المواد الإنشائية وخصوصاً مادتي الحديد والإسمنت.
ي. السماح للشركة في الدخول بمشاريع اعادة الاعماروبكل الوسائل المتاحه
وهكذا تنفتح وزارة التجارة بكل ما في هذه الكلمة من معاني إستثمارية حقيقية وتعود إلى صلب عملها في موازنة وتشجيع الإقتصاد العراقي وإن كان دور وزارة التجارة في هذه المرحلة أو في المرحلة السابقة في تأمين غذاء المواطنين غاية في الأهمية والخطورة إلا ان ذلك لوحده ليس واجب الوزارة بل أن واجبها مرتبط بإقتصاد البلد وأمنه الإقتصادي وإستقراره والعراق يمتلك من الإمكانيات التي تجعل كل ذلك وأكثر من ذلك مناح بل أن الهدف دائماً هو رفاهية الشعب العراقي وتنعمه.
وذات الشيء يقال إلى أغلب الوزارات الأخرى لابد من المراجعة ولابد من الفكر الإستثماري الحضاري العراق هو بامس الحاجة إلى التغيير والإنتقال نحو الأحسن ومغادرة الجهل والفساد الذي خيم على الإقتصاد العراقي وعلى الكثير من مفاصل الدولة لابد من دولة المؤسسات والتخطيط الدقيق والموزون دولة الخبرات والكفاءات والقوانين ومغادرة دولة المحاصصة السياسية والطائفية والعرقية.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول