- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التنظيمُ الدستوريُّ لحلِّ البرلمان
بقلم: مصطفى كاظم الزيدي
يعد دستور الدولة هو أعلى قانون موجود فيها ويجب على جميع السلطات الالتزام بأحكامه، ومن أجل الحفاظ على مبدأ علو الدستور فإنّ الدستور ينص على مجموعة من الجزاءات التي تحقق ذلك العلو الدستوري، ويعد حل البرلمان واحدا من الإجراءات التي تتضمنها الوثيقة الدستورية لدولة ما، فحل البرلمان ما هو إلا إجراء دستوري يعمل على تقصير المدة القانونية لنيابة البرلمان، والذي يكون مصحوبا بالدعوة لإجراء انتخابات نيابية جديدة، ويروم المشرع الدستوري من وراء تضمين حل البرلمان في الدستور الى تحقيق جملة أهداف أو غايات يستهدف الوصول اليها والتي قد تؤدي بمجملها الى حسن سير العمل الدستوري والسياسي في داخل الدولة، وبذلك يكون لحل البرلمان أهمية بالغة في سير المؤسسات الدستورية، وبما يحقق المصلحة العليا للدولة، ولقد بين الدستور العراقي النافذ لعام 2005 في مادته الأولى بأنّ جمهورية العراق دولة اتحادية، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني، وقد نظم الدستور العراقي أحكام حل البرلمان في المادة (64) منه والتي نصت على: (أولا - يحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بناءً على طلب ثلث أعضائه أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية ...) فابتداءً لا بد لنا من ملاحظة أن الدستور العراقي قد أخذ بطريقة الحل الذاتي لمجلس النواب حينما سمح لثلث أعضائه تقديم طلب يتضمن حلّه ثم اتّجه الدستور الى الأخذ بالحل الوزاري عندما أجاز لرئيس مجلس الوزراء اقتراح حل مجلس النواب بشرط موافقة رئيس الجمهورية على الطلب، فإن تحصلت هذه الموافقة يحال الطلب بعد ذلك على مجلس النواب للتصويت عليه.
واشترط الدستور أن يحصل على موافقة النواب بالأغلبية المطلقة لمجلس النواب، ويتضح من ذلك أن حل مجلس النواب الذي نظمه الدستور إنما يتحقق في حالة واحدة وهي أن يوافق المجلس على حل نفسه أي هو حل ذاتي، وهي فرضية نادرة التحقق، وذلك لصعوبة تصور موافقة المجلس على حل نفسه أيّا كانت الجهة التي تقدمت باقتراح الحل؛ ذلك لأن المجلس سيكون في الوقت عينه خصما وحكما؛ ولذا فإن هذا النص سيبقى معطلا من الناحية العملية، وهو ما سيترتب عليه جملة من الآثار، منها افتقاد السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء لأية وسيلة عملية فاعلة من شأنها التأثير على مجلس النواب ورجحان كفة مجلس النواب على كفة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، ومن ثم اختلال التوازن السياسي بين المؤسسات الدستورية، كما أن حل مجلس النواب مستبعد طبقا للظروف السياسية السائدة، إذ إن النواب مكونات وأحزابا وأفرادا يتصارعون من أجل المحافظة على مكتسباتهم، فلا يتصور تخليهم عنها بإرادتهم الذاتية والعودة الى خوض انتخابات جديدة فرصة النجاح فيها غير مضمونة، فضلا عما تتطلبه الحملات الانتخابية من جهد ومال، ولعل هذه الحقيقة هي ما دفعت بجانب من الفقه الدستوري العراقي الى القول بأن نص المادة (64/ أولا) من الدستور العراقي سيبقى معطلا من الناحية العملية، ونجد بأنه لا بد للمشرع الدستوري العراقي تنظيم الأحكام الخاصة بمجلس الاتحاد المنصوص عليها في الدستور، وإلغاء الحل الذاتي لمجلس النواب وتعديل أحكام المادة (64) من الدستور عند إجراء التعديلات الدستورية.