بقلم: علي حسين
لا تزال دور النشر تصدر كل يوم كتباً تتحدث عن بناء الدول، وكيف تكون الدولة العادلة، ورغم أن المرحوم "أفلاطون" حاول قبل 2500 عام أن يخصص للموضوع كتاباً بعنوان "الجمهورية" تاركاً المهمة لتلميذه النجيب أرسطو الذي كتب مجلداً ضخماً أطلق عليه "علم السياسة".
عندما أصر أفلاطون على أن يعلم طلبته أن المدن لا يمكن أن تكون أفضل من حكامها، وقف أرسطو ليقول له: الحاكم الحق هو الذي يبني دولته على خصلتين، العقل والعدل.. في مرات عديدة وأنا أسترجع ما قرأته أتذكر دوماً ما كتبه جان جاك روسو في اعترافاته: "العدالة، ليست علاقة بين إنسان وإنسان، بل بين دولة ومواطنين، شرط ألا يحول الحاكم الأفراد إلى أعداء بمحض الصدفة".
أرجو من القراء الأعزاء إعادة قراءة "جمهورية" أفلاطون، ليكتشفوا كيف أن الحياة يمكن أن يصنعها كتاب واحد.
جرت عادة مؤرخي الفلسفة على أن يصفوا المدينة التي صورها افلاطون في الجمهورية، بأنها أول ما عرف العالم من مدن فاضلة، وكانت غايته الأساسية في محاورة "الجمهورية"، هي البحث عن العدالة وشروط تحقيقها، ثم يعرض لنا مصادر الفساد التي تصيب الدولة والمواطنين وكيف تتدهور الدول فتتحول إلى صورة فاسدة من الحكم.
كلمات افلاطون التي أضاءت أوروبا منذ مئات السنين رسمت خارطة طريق لبلدان قررت أن تتقدم، فيما نحن ومنذ عشرات السنين قررنا أن نتفرج ونعيش في سبات تقطعه بين الحين والآخر خطابات لساسة انتهازيين يرفعون شعار "نحن أو الفوضى"، نعيش معهم وسط أكوام من الخطب والشعارات الفارغة وأعوام سبات في الجهل والتخلّف.
ما الذي علينا أن نتعلمه من أفلاطون؟ يرشدنا صاحب "المحاورات" إلى أن الأمم لا تزدهر في ظل ساسة يعتقدون أنهم فوق القانون.. فالازدهار والتنمية والعدالة لا مكان لها في ظل رجال يخططون من أجل الوصول إلى درجة من الإيمان بأنه لا خيار أمام الناس سواهم.. لأنهم وحدهم يملكون السلطة والمال وادوات القتل والتغييب، يخيفون الناس، عادلون في توزيع العطايا والمنح على مقربيهم، وعادلون أيضا في توزيع الظلم على الناس.
أوهام كثيرة يصر البعض على ترويجها من أن العراق لا ينفع معه سوى ساسة يلعبون على الحبال ويعتقدون أن الاقتراب من قلاعهم جريمة.
أدركت الشعوب أن الحل في دولة مؤسسات يديرها حاكم إنسان وليس مسؤولاً "مقدساً"، تعلمنا الكتب أن السياسي الفاشل لا ينتج سوى الخواء.
سيسخر البعض مني ويقول يارجل ما الذي ذكرك بأفلاطون؟، اعترف ان فكرة المقال الهمني اياها السيد محمد الحلبوسي مشكورا، فقد كنت استمع اليه وهو يقول بكل اريحية: أن العراق لا يمكن أن يكون جمهورية فاضلة.