- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مَن لم يُشارك بالإنتخابات.. فهو جزء من أزمة قد تدفع بالعراق نحو المجهول أو الفوضى أو الإقتتال الداخلي !
بقلم: نجاح بيعي
لا يمكننا تغافل وجود أزمة سياسية راهنة, حقيقية خطيرة, نامية مستحكمة في العراق, كانت قد شخصتها المرجعية الدينية العليا, وكانت سبب دعوتها في 20/12/2019م الى إجراء انتخابات مبكرة, بشروط جديدة (هي قديمة بالحقيقة) لم تألفها جميع القوى السياسية العراقية, ولا حتى العملية الإنتخابية في جميع دوراتها السابقة, منها (تشريع قانون انتخابات منصف لها, وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة لإجرائها, ووضع آلية مُراقبة فاعلة على جميع مراحلها من شأنها أن تستعيد ثقة الشعب بالعملية الإنتخابية), وما ذلك إلا لنزع فتيل تلك الأزمة وتجاوزها وكبحها بالمرة. كما نبّهت وأرشدت الى أن التبكير بالإنتخابات في هذا الظرف, إنما هو أقرب الطرق وأسلمها (للخروج من الأزمة الراهنة) التي تُنذر بالخطر المدمر, وذلك بالرجوع الى الشعب كونه مصدر السلطات, وبعكسه يُمكن أن تدفع بالعراق وشعبه الى (المجهول أو الفوضى أو الإقتتال الداخلي)(1).
في الواقع أن التمعن في فقرات بيان دعوة المرجعية العليا لإجراء انتخابات مُبكرة وقراءة ما بين سطورها, نخرج بنتيجة: بأن الظفر بـ(الحكم ـ السلطة) و(النفوذ) و(المكاسب السياسية) و(الإمتيازات الحزبية) لدى جميع القوى السياسية العراقية الفاعلة في الساحة, وسلوك الطريق الملتوي (الميكيافيلي) في تنافسهم السياسي وصراعهم, الذي يذكرنا بنتائج ذلك الصراع عشية تشكيل جل الحكومات, منذ تشكيل الدولة العراقية في بدايات القرن العشرين. حيث ليّ الإرادات السياسية بين بعض القوى السياسية وبعضها الآخر, بشتى أساليب العنف والترهيب, أو كسرها بانقلابات عسكرية دموية, وتتم إزاحة الخصوم والغرماء عن سدة الحكم, بطرق وأساليب شبيهة الى حد بعيد بطرق وأساليب (المافيات) في العالم, هي السمة الأبرز للأزمات التي عصفت بالبلاد في تلك الفترات, والتي لا يني يتوارثها كل من رغب في السلطة والنفوذ في العراق, ولا يشذ عن القاعدة طلاب السلطة والنفوذ في عراق اليوم, حيث صراعهم وتنافسهم المشوب بالتجاوز الدائم على الدستور, وبالقفز اليومي على القانون, وباستباحة الحرمات في غالب الأحيان لتحقيق ذلك المأرب, بانتهاج عرف المحاصصة المقيتة, وتكريس الفساد, وغض النظر عن السلاح المنفلت الخارج عن القانون, والسماح للأجندات الخارجية في العبث في الشأن السيادي والداخلي للعراق, فصارت تلك السمات من أبرز ملامح تلك الأزمة المُحدقة, بل هي عين الأزمة ذاتها, وأمّ الأزمات الأخريات منذ تغيير النظام السابق وللآن. وما تجربة إنتخابات عام 2014م وعام 2018م ومت نتج عنها خير دليل على ذلك.
فحينما تشخص المرجعية الدينية العليا في عام 2006م (وهي الشاهد على تاريخ أخطر حقبة يمر بها العراق وشعبه) وتصف الأزمة الدموية التي مرّ بها البلد آنذاك بأنها (أزمة سياسية)(2), وتنفي وجود (صراع طائفي) بالمرة بين (الشيعة والسنة), وتثبت في الوقت نفسه وجود (مَن يمارس العنف الطائفي للحصول على مكاسب معينة) مضافا ً الى تلك الأزمة السياسية (ممارسات التكفيريين الذين يسعون في تأجيج الصراع بين مختلف الأطراف خدمة لمشروعهم المعروف) في إشارة الى التدخل الإقليمي والدولي في الشأن العراقي الداخلي, نعلم جيدا ً بأن تلك (الأزمة) ما هي إلا غدة سرطانية خبيثة, يتوالد ورمها ويكبر, وينتشر وجعها باطراد وعلى الدوام, ويتغلغل مستفحلا ً في جسد الدولة والمجتمع في آن واحد.
وصارت تظهر في الأعم الأغلب أعراض تلك (الغدة السرطانية ـ الأزمة) المدمرة عشية كل انتخابات دورية وصبيحتها, والتي أصبحت كـ(لازمة) لا تنفك عنها, تُنذر بالخطر فتكاد تُحرق الأخضر باليابس لولا مواقف المرجعية العليا في كل مرة, ونجاحها في نزع الفتيل وتحفظ ما بقي من العراق وشعبه والطبقة السياسية ماضية في غيها بالمكابرة والعناد لا غير.
فحينما يُقدم حلٌ (لأزمة ما) مثل الأزمة العراقية الحالية, ولتفادي الذهاب الى المجهول أولا ً, أو الفوضى ثانيا ً, أو الإقتتال الداخلي ثالثا ً, وهو بالرجوع الى (الشعب) والتذكير بكونه مصدر للسلطات, وهذه السلطات تستمد شرعيتها حصرا ً منه لا من مصدر آخر, والإحتكام الى صناديق الإقتراع تحديدا ً بإجراء انتخابات مبكرة, وهو تذكير للجميع بقاعدة (التداول السلميّ للسلطة), فاعلم بأن الأزمة سياسية بحتة بين جميع القوى والغرماء قطعا ً, وهي صراع إرادات تنافسي من أجل الظفر بالسلطة والنفوذ جزما ً, والكرة بملعب السياسيين جريا ً على العادة المعتادة بلا حريجة في دين أو عرف.
وإلا فالمرجعية العليا شخصت الأوضاع الحالية ووصفتها بأنها (أوضاعاً صعبةً ومُقلقة), حيث يتعرض الناس الى (الإغتيال والخطف والتهديد), ويُقابلها إجبار (العديدُ من الدوائر الحكومية والمؤسسات التعليمية على غلق أبوابها من دون ضرورة تدعو الى ذلك), وتعرض (ممتلكاتُ بعض المواطنين للحرق والتخريب), وترتفع أصوات الناس بالشكوى من (ضعف هيبة الدولة وتمرد البعض على القوانين والضوابط المنظّمة للحياة العامة في البلد بلا رادعٍ أو مانع), وتنامي (دوامة العنف والفوضى والخراب) أمام(عجز واضح في تعامل الجهات المعنية.. بما يحفظ الحقوق ويحقن الدماء)(3), غير متناسين ولا غافلين بأن (الأعداء وأدواتهم يخططون لتحقيق أهدافهم الخبيثة من نشر الفوضى والخراب والإنجرار الى الإقتتال الداخلي ومن ثَمّ إعادة البلد الى عصر الدكتاتورية المقيتة)(4).
لذلك دأبت المرجعية الدينية العليا وبشتى الوسائل العلنية منها وغير العلنية, على تذكير جميع الأطراف المعنية في العملية السياسية العراقية, باعتماد معايير (أربعة) وبشروط (خمسة) هنّ (أس) العملية السياسية الجارية في العراق, و(اللازمة) أيضا ً التي يتكرر طرحها من قبل المرجعية االعليا عشية كل عملية انتخابية تجري, ومنذ أول انتخابات عام 2006م وللآن. ولا بدّ لتلك المعايير (الأربعة) والشروط (الخمسة), أن تأخذ بها جميع القوى السياسية والأطراف المعنية, وتحملها على محمل الجد لا الهزل بالمماطلة والتسويف, وتسلكها كمسار لا تحيد عنها في إدارة الدولة ودفة الحكم, لأنه (الخيار الصحيح والمناسب لحاضر البلد ومستقبله) وبهنّ يمكن (تفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام الإستبدادي تحت أي ذريعة أو عنوان) أي لتفادي مثل تلك (الأزمة ـ الغدة السرطانية) وتداعياتها المدمرة, إن أرادوا حكما ً رشيدا ً يحافظ على سيادة العراق وشعبه وصون مصالحه العليا.
وإلا فالمرجعية العليا كانت واضحة جدا ً حينما أشارت بصراحة مؤلمة بإن هناك (أطرافا ً وجهات داخلية وخارجية كان لها في العقود الماضية دور بارز في ما أصاب العراق من أذىً بالغ، وتعرّض له العراقيون من قمعٍ وتنكيل، وهي قد تسعى اليوم لاستغلال الحركة الاحتجاجيّة الجارية لتحقيق بعض أهدافها..)(5). لذلك دعت الى احترام إرادة العراقيين في تحديد نظامهم السياسي والإداري لبلدهم, وقالت بصريح العبارة لهؤلاء المقامرين (ليس لأيّ شخصٍ أو مجموعة أو جهة بتوجّه معين أو أيّ طرف إقليمي أو دولي أن يُصادر إرادة العراقيين في ذلك ويفرض رأيه عليهم)(6).
ـ فالمعايير (الأربعة) هي:
1ـ نظام يعتمد التعددية السياسية
2ـ التداول السلمي للسلطة
ـ وهذا لا يتم إلا عبر الرجوع الى:
3ـ صناديق الإقتراع
4ـ وفي انتخابات دورية حرة ونزيهة
ـ والشروط (الخمسة) هي:
1ـ أن يكون القانون الإنتخابي عادلاً يرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالإلتفاف عليها
2ـ أن يكون تنافس القوائم الإنتخابية على برامج اقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيداً عن الشخصنة والشحن القومي أو الطائفي والمزايدات الإعلامية
3ـ أن يُمنع التدخل الخارجي في أمر الإنتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره
4ـ أن يحصل وعي لدى الناخبين لقيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد
5ـ والإبتعاد عن التأثيرات الجانبية للمال أو السلاح غير القانوني
أنا لا أدّعي الكمال والرضا في الإجراءات الحكومية والتشريعات البرلمانية التي حصلت بعد دعوة المرجعية العليا الى إجراء انتخابات مبكرة. ولكن توفر القدر المرجو من المقبولية في قانون الإنتخابات الجديد, والذي يفت ظاهرا ًعضد سطوة الأحزاب والكيانات السياسية الممسكة بالحكم بعض الشيء, في التصويت الفردي ويمس شغاف تطلعات الناخبين, وإلا فقد حذرت المرجعية العليا من (إن إقرار قانون لا يكون بهذه الصفة لن يساعد على تجاوز الأزمة الحالية). وكذلك الحراك الجدي لأن تكون مفوضية الإنتخابات مستقلة قدر الإمكان, وعتقها بعض الشيء من ربقة سيطرة الأحزاب السياسية ومحاصصتها المقيتة, مع حراك ممثلية منظمة الأمم المتحدة في العراق (يونامي), على وضع آلية مراقبة فاعلة تشمل جميع مراحل العملية الانتخابية, منعا ً لجميع أشكال التزوير المخجلة التي شابت العمليات الانتخابية السابقة فمانت جميعها غير مُرضية. وكذلك الحراك الجدي والمبارك للنخب (الفكرية والكفاءات الوطنية) العراقية, التي رغبت في العمل السياسي, استجابة لدعوة المرجعية العليا في تنظيم صفوفها, بإعداد برامج لحل مشاكل البلد المتفاقمة, بعيدة عن التنافس (المناطقي أو العشائري أو المذهبي) وغير ذلك.
ـ فمشاركتي كمواطن في الانتخابات المقبلة, هو لدفع أزمة خطيرة ممكن ان تحرق العراق بما فيه أولا ً, وثانيا ً أملا ً في التغيير المنشود في بلدي نحو الأفضل وإلا فأنا:
ـ جزء من أزمة تدفع بالعراق نحو المجهول أو الفوضى أو الإقتتال الداخلي!
ـــــــــــــــ
ـ(1) خطبة جمعة كربلاء الثانية في 20 /12/2019م:
https://www.sistani.org/arabic/archive/26370/
ـ(2) رسالة سماحة السيد السيستاني الى الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي حول لقاء مكة عام 2006م:
https://www.sistani.org/arabic/statement/1503/
ـ(3) خطبة جمعة كربلاء الثانية في 29/11/2019م:
https://alkafeel.net//inspiredfriday/index.php?id=469
ـ(4) خطبة جمعة كربلاء الثانية في 29/11/2019م:
https://www.sistani.org/arabic/archive/26361/
ـ(5) خطبة جمعة كربلاء الثانية في 8 /11/2019م:
https://alkafeel.net//inspiredfriday/index.php?id=466
ـ(6) خطبة جمعة كربلاء الثانية في 1/11/2019م:
https://alkafeel.net//inspiredfriday/index.php?id=465