عباس الصباغ
وهي ثقافة اقتصادية استهلاكية جديدة وخطيرة طارئة على المشهد الاقتصادي ـ السوسيولوجي العراقي سواء على مستوى توجّه الدولة نحو الاقتراض لسد العجز في الموازنة المالية من اجل الرواتب وغيرها ، او على مستوى الافراد نحو الاستدانة ولأغراض بسيطة وغير ضرورية او ملحة ، فمن يريد ان يفتح مشروعا معينا وكان يعاني من عسر مادي سيتجّه لسوق البورصة ـ في اسوأ الاحوال ـ ويستدين الدولارات بحسب ما يتلاءم مع استطاعته في التسديد وما يناسب مشروعه.. اذ توجد مغريات كثيرة سرعان ما تكبّل المقترض بوثائق ثبوتية وكمبيالات قانونية تضمن استرجاع المال مع ارباحه للجهة المستفيدة وهي الجهة المَدينة بالتأكيد .
كذلك مما يلفت الانتباه ان الكثير من الموظفين (وغيرهم ) يشكّلون نسبه كبيرة في نشاط البورصة محليا، ففي استطلاع لرأي مجموعة من العاملين في سوق البورصة أكدوا ان الكثير من زبائنهم هم الموظفون والموظفات ممن يرون ان رواتبهم قد لاتفي الحاجة بسد شهيتهم من التبضع او اقتناء حاجات حتى وان كانوا ليس بحاجة ماسة اليها ، أما الاسباب الاخرى التي دعتهم الى الاقتراض من البورصة هو إمّا بسبب تعسّرهم ماديا لغرض اجراء عملية جراحية، قد تكون عمليات تجميلية، أو للسياحة والسفر، أو لشراء الذهب؛ لكن على رأس اهم تلك الاسباب ان البعض من الموظفين وحتى رجال الاعمال يتجهون الى شراء الدولار لغرض تغطية نفقات الدراسة الاهلية لأبنائهم، وعلى العموم ان الكثير من تلك الاسباب قد تكون غير مقنعة او غير ذات جدوى.
ومن المؤسف له ايضا ان يلجأ مهندسو الاقتصاد العراقي الى عملية الاقتراض الخارجي او الداخلي لسد النقص في الموازنة المالية العامة التي شهدت عجزا ترليونيا بسبب تذبذب اسعار النفط والاستمرار في تحجيم بقية الموارد الاقتصادية الاخرى وعدم اشراكها في تغطية ابواب الموازنة مع النفط ، فكان العجز حتميا ، وسواء ان كانت عملية الاقتراض من الداخل او من الخارج فهي ظاهرة سلبية وغير مريحة تؤشر الى ان الاقتصاد العراقي بدأ يعاني من جملة اختلالات بنيوية عسيرة لابد من تفاديها مستقبلا إما بتأسيس صندوق سيادي نفطي او بتعظيم الموارد الاقتصادية الاخرى او بكلا الامرين والابتعاد عن الاقتراض بكل صوره لانه يهدد الاجيال اللاحقة .