- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ثقافة التسامح ركيزة العقد الاجتماعي
بقلم:عباس الصباغ
اختزل القرآن الكريم جوهر التسامح في الآية (لا اكراه في الدين) و(أن تعفوا اقرب للتقوى) فاختصر الطريق امام الجميع لكون اغلب النزاعات والصراعات إن لم تكن كلها التي تحصل بين البشر هي لأسباب دينية او مذهبية بسبب الاكراه واحتكار الحقيقة من قبل جهة وفرضها على بقية الجهات ومصادرة آراء الاخرين ، والغرض من التسامح هو رسم خارطة طريق نحو الاعتدال وقبول الآخر وليس الغاؤه بأية طريقة غير حضارية او لا انسانية ، وعدم الاكراه ينسحب على بقية الامور التي تتعلق بالأمور السياسية والحياتية كما جاء في وثيقة التعايش التي ارساها النبي محمد عليه الصلاة والسلام مع اهل المدينة التي كانت تضم مجتمعا خليطا من الاديان والأيدولوجيات المختلفة فكانت سياسة التعايش واضحة فضلا عن الوئام والسلم الاهلي وبفضل هذه السياسة (التعايش) انطلقت بوادر نواة الدولة الاسلامية الاولى بقيادة النبي محمد عليه الصلاة والسلام تبعتها حكومة الخلفاء الراشدين (رض) . من اغراض التسامح هو القبول الطوعي بالتعدد المجتمعي بكل اشكاله كحقيقة لابد من الاعتراف بها وعدم الغاء الطرف الاخر المختلف مهما كان، وفي المجال الدولتي او السياسي لايمكن تحقيق التوازن بين مكونات (رعايا) الدولة الاّ بإجراء التسامح بكل صوره الذي به يستقيم العقد الاجتماعي الذي ينظّم الحقوق والواجبات بين افراد (رعايا) تلك الدولة وبينهم بين السلطات المتنفذة فيكون التسامح هو بيضة القبان في ذلك العقد فلايمكن ضبط ايقاع التنوع الاّ بالتسامح وغضّ النظر عن الاختلافات لايوجد بلد في العالم يتمتع بالنقاء العرقي او الايدلوجي او الاثني او الثقافي كل النقاء ، والعراق احسن مثل على ذلك فهو كثير التنوع الاثني والقوماني والديني والمذهبي والايديولوجي والسياسي ، فالاختلافات تقتضي التسامح وهو مسؤولية حضارية وواحد من حقوق الإنسان، فحينما تسود الكراهية لأسباب وعوامل دينية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، يكون التسامح هو الحل فهو لا يعني بأي حال من الأحوال، التنازل عن المعتقد أو الخضوع لمبدأ المساومة والتنازل، وإنما يعني القبول بالآخر والتعامل معه على أسس العدالة والمساواة بصرف النظر عن أفكاره وقناعاته الأخرى. اما التجربة الغربية فقد ارتبطت مقولة التسامح بالمسألة الدينية، إذا اعتبرت من قبل الفيلسوف (جون لوك) بوصفها الحل العقلاني الوحيد لمشكلة الخلافات التي نشأت داخل المسيحية، إن ثقافة الكراهية، هي نتاج فكر استعلائي متعصّب، يدّعى احتكار الحق والحقيقة، بعضها يقوم على أوهام التفوّق، التي يتم ضخّها بأساليب مختلفة من خلال مناهج التعليم والإعلام والخطاب الديني بالضدّ من الآخر، سواءً بالممارسة العملية أو من خلال قوانين تمييزية تتعارض مع ثقافة السلام والتسامح والتنوّع والتعددية ، ولهذا الغرض اجري صلح وستفاليا عام 1648 الذي ساهم في انهاء النزاع الديني في اوربا فكان هذا الصلح تمهيدا الى ارساء ثقافة التعايش السلمي ونبذ الحروب بكل اشكالها فكان هذا الصلح اول محاولة غربية لتأسيس اول حالة ايجابية للتعايش السلمي في المجتمعات الغربية ضمن آليات العقد الاجتماعي .