بقلم: ثامر الهيمص
اذكر اننا في احدى المؤتمرات التي عقدناها حول مبادرة (الحزام والطريق) في عام 2016 حددنا سبعة انواع من الصناعات التي يمكن التركيز عليها ، منها صناعة البنية الاساسية التي تضم قطاع النقل بالاضافة لشبكات المياه والكهرباء ، والصناعات المعلوماتية، والطاقة والاسكان ، والمناطق الاقتصادية.
وفي تقديري فأن اهم صناعة , والقاعدة التي تسهل كل الصناعات الاخرى تتمثل في ( صناعة الثقافة ) ، فعندما يبنى التعاون على تفاهمات ثقافية وعلى حوار حضاري تكون اقامة المشاريع اسهل واكثر استدامة , وهذا هو المهم وتستعصي العلاقات على التأثر بأي عوامل سلبية . ( الدكتور عصام شرف / رئيس وزراء مصر الاسبق / عضو المجلس الاستشاري الدولي لمنتدى لمنتدى الحزام والطريق عضو اللجنة القيادية الدولية لشبكة تعاون المنظمات غير الحكومية لدول طريق الحرير .) بتقديمه لكتاب ( عماد الازرق د. احمد العيد / الصين في العصر الجديد / شي جين بينغ ومجتمع المصير المشترك ) . بهذا الاستهلال يسعنا ان نحدد الاطار والاهداف في ضوء الرؤية الواقعية والافق النظري لها ، ليتسنى وضع خيارنا او رهاننا في ضوء ما تقدم متلمسين ماقبل الخطوة العملية التي تضع حدا لتكرار واجترار سابقين . في هذه الحالة علينا ان نتيقن بأن الامر ليس مجرد خيار من خيارين فقط بل الخيار الاساس هو العنصر الثقافي الذي يؤطر السياسات الاقتصادية بدبلوماسيتها وبرغماتيتها ومراجعة تسمو في سماء الوطنية المنفتحة داخليا وخارجيا . فحتى الرؤى المؤدلجة والمؤطرة تحتاج لثقافة ترشدهم سلبا وايجابا .
فدول مجموعة البريكس الخمسة المؤسسة ( الصين روسيا الهند جنوب افريقيا البرازيل ) ، فقد بلغ حجم التبادل التجاري ، بين الصين والولايات المتحدة (562) مليار دولار ، وتعد اسواق الولايات المتحدة ثاني اكبر سوق للصادرات الهندية اذ بلغ حجم معها بأكثر من (86) مليار دولار عام 2011 وبذلك تكون الهند ثاني اكبر دولة في مجموعة البريكس تفاعلا مع الولايات المتحدة بعد الصين ، وعد جنوب افريقيا هي دولة في مجموعة البريكس الاقل تفاعلا مع مع الولايات المتحدة اذ بلغت صادراتها عام 2014 الى الولايات المتحدة ( 671) مليون دولار اما وارداتها ( 576 ) مليون دولار .( د. جعفر بهلول الحسيناوي /مراجعة د. ليلى عاشور حاجم الخزرجي / امريكا ما بين القطبية الصلبة والتحديات تكتلا البريكس وشنغهاي نموذجا /ص197/ بغداد 2017 ).
هذا من حيث البرغماتية في التعامل الخاص بالعمل الاقتصادي عموما سيصبح خطا عريضا يحتوي الدبلوماسية الدولية ومصالح الشعوب ذات الانظمة المختلفة وحسب قربها من عموم مواطنيها ، اذ تسقط او سقطت رهانات الاقتصادات المتخلفة سيما المؤدلجة منها او ذات الابعاد التي جعلت من نفسها مجرد تعبير عن هويات فرعية مغلفة, ولا يستثنى الغرب بامريكيته ايضا كما رسمتها غزة هذه الايام . فرهان الاقتصاد الاحادي الريعي النفطي خصوصا لم يعد رهان ستراتيجي امام التنمية المستدامة وتحديات المناخ كما ترسم له المألات بعد عام 2030 حيث العد التنازلي لاقتصادات الريع النفطي الذي يمثل اقتصادنا قمة له كما جسدته موازنتنا الثلاثية الحالية المنتهية قبل خمس سنوات من العد التنازلي . ليأتي حافزا مضاعفا لاقتصادنا بتدارك الموقف .
تفيد المشاهدات التاريخية الى ان اثر الزيادة في اسعار النفط على النمو الاقتصادي العالمي لا زالت محدودة , فأن زيادة في اسعار النفط بمقدار 10% تترجم الى تراجع في نمو الاقتصاد العالمي بقدار 02% فقط ,الا ان تأثير الارتفاع في الاسعار على معدلات النمو والتضخم النقدي يختلف من دولة الى اخرى . ( لهب عطا عبد الوهاب / مجلة حوار /ص108 / 2013).
هذا المعدل العالمي حيث العلاقة بين الزيادة في الاسعار والنمو, يبدو انها مؤثرة في اي اقتصاد متماسكا ام هشا , لذلك بات الرهان واهيا اما تنمية مستدامة بدون مطبات باتت واضحة او تلوح في الافق القريب او تراجع. ولا شك ان التراجع ينعكس سلبا ايضا في البلد المصدر للنفط , فمثلا لايمكن المقارنة بين ما تصدره النرويج من نفط يتكامل عمليا ومباشرة مع ديناميكية الاقتصاد الحقيقي لتعزيزه ’ وبين مايصدره بلدنا لينعكس زيادة في التوظيف لحد الترهل مع زيادة في لمنتسبي الرعاية الاجتماعية , وما رافق ويرافق ذلك من سلبيات .
فالخيار بات واضحا بين اقتصاد هش تعززه تحالفات دولية واقليمية واقتصاد يسعى الى استدامة ديناميكية ترنو للتخلص من اقتصاد كان ولا زال امتدادا لحقبة النصف قرن المنصرمة , كاقتصادات موازية لمبادرة الحزام والطريق مثلا ( الشراكة من اجل البنية التحتية والاستثمار العالمي ) , التي اطلقتها قمة G7 في 2022 , والتي اعلنت تخصيص 600 مليار دولار منها 200 مليار من الولايات المتحدة الامريكية , وهو امر مثير للسخرية ’ لان قمة السبع في كانت قد اطلقت مبادرة بعنوان ( من اجل بناء عالم افضل ) ولم ينفق مما اتفق عليه سوى 70 مليون دولار . (الصين في العصر الجديد ص286 /مصدر سابق).
وبما ان سرديتنا جعلت للثقافة اولوية , فأن الثقافة والمجتمع والتراث الثقافي ليس ميالا للسياسات الدولية الغربية منها كتاريخ قديم او معاصر ,سيما كما نراه في غزة مما يعزز الذاكرة الوطنية والشعبية ويكرسها , لاجيال على الاقل حين نقارن الفعل السياسي الرسمي للغرب الامريكي او الغرب الذي يدور في فلكه , عندما نضعه امام خيار الحرير الذي يخلو تراثنا وحاضرنا من سلبيات طالما كانت محدودة جدا .
فالعلاقة الحالية بين دول البريكس تتعاظم عمليا كما نلمسها في الاوبك بلص مؤخرا . فحسب توقعات وكالة الطاقة الدولية لعام 2013 , ان الصين والهند وبسبب نهوضهما المتسارع سوف تصبحا من من اكبر الدول المستوردة للطاقة اوائل عام 2020, وتشكل نصف واردات الصين من النفط من دول الخليج ما يمثل 46% من من اجالي وارداتها من الخليج . (جعفر بهلول جابر الحسيناوي /مصدر سابق /ص202 ) . ولنزد من الشعر بيت تأتي المصالحة السعودية الايرانية مكملة لهذا السياق تعزيزا وتكريسا للحرير كطريق , سيما بعد غورنيكا العرب ليخلدها لنا بيكاسو عربي او شرقي او اسلامي , حيث بات مؤملا ان ان تندثر مبارة G21, في الهند مؤخرا التي يمتد خطها الموازي الى ايلات الاسرائيلية. من جانبنا كعراق وحسب المستشار السياسي لرئيس الوزراء, اكد بعدم وجود اي شئ عن مرور طريق الحرير في العراق ضمن الخرائط التي قدمها الصينيون . ( المدى ليوم 31/10/2023 ). اذن نحن لحد الان في اطار الامنيات ومن غير المرشحين للانتماء بالانظمام لبريكس كمصر وايران مثلا , لاننا لم نتقدم بطلب حتى الان , كوننا غير مؤهلين حسب شروط البريكس وحريره الذي يسلزم حضورا دبلوماسيا قويا لانفاذه , فاشتراطات من مثل مسنوى التعليم والاستثمار الخارجي ووجود صناعة محلية ضخمة والوزن الدبلوماسي الكبير الذي هو رافعة لكل هذه الاثقال ’ هي اشتراطات عسيرة للغاية من الضروري التفكير بها مليا قبل ان يتكرر مثال الجزائر التي فشلت في اقناع دول البريكس باهليتها . ( جريدة الصباح ليوم 10/10 /2023 ) .
في ضوء ما تقدم اننا لسنا قريبين من طموح اكتملت اركانه موضوعيا واهمها الان هو الارادة الرسمية بالرغبة بالالتحاق ’ خروجا من جحيم الفساد وذريعة داعش , كما انعكس بأكبر سفارة وملحقية في العالم التي لم يحظ بها الطفل المدلل الذي تذود عنه الادارة الامريكية رغم جميع قرارات مجلس الامن التي صادقت عليه حليفتنا وحلفائها , وعنوانها حل الدولتين . كما ان انظمام السعودية وايران ومصر في بداية العام القادم قد يساعد ’ في دبلوماسية تستند على اوبك بلص او دعم ايراني او سعودي في ضوء علاقة متوازنة معهما متكاملة اقتصاديا وحسب اشتراطات البريكس الموضوعية , اما الحليف الستراتيجي بعد ما جرى للعشرين عاما من تراجعات بعد تجربة ديمقراطية بائسة وما يجري الان وسيجري من تشايك مصالح ستراتيجية مع الكيان الصهيوني ’ يجعل الامر بحاجة لارادة اقرب للغزاوية لهز الاركان علهم يصحون للمراجعة من باب مصالحم في السياق الصيني القادم .
السؤال الاخير اننا بصدد اكمال مشروع الفاو الكبير وتركيا تستعد لاستقبال الشاحنات والقطارات، هل نمضي به لحين اكمال الشروط والاشتراطات الثقافية اولا، التي لحد الان نحن في الف والباء. ؟؟؟
أقرأ ايضاً
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي
- انخفاض اسعار النفط وهدهد سليمان القادم من الصين