- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أوامر بول بريمر المائة والغزو الإقتصادي - الديموقراطيّ العظيم
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
من بين أكثر من 100 "أمر" أو تشريع، قام بول بريمر بإصدارها خلال مدّة حكمه القصيرة للعراق، بإعتبارهِ "مَلِكاً" ومديراً لسلطة الإئتلاف، لا يهمّني هنا سوى "الأمران" المرقمان 54، و 81 لسنة 2004.
الأمر 54 هو "قانون سياسة تحرير التجارة رقم 54 لسنة "2004. وبموجب المادة (1) من هذا الأمر تمّ "تعليق جميع الرسوم الجمركية والرسوم وضرائب الاستيراد، وما يشابهها من رسوم اضافية تؤدّى على السلع الواردة الى العراق او الصادرة منه". أمّا بموجب المادة (2) منه فـلا يسمح بتصدير قائمة طويلة من المنتجات الزراعية والصناعية، التي يُتقن العراقيّون إنتاجها وتصديرها منذ مئات السنين.
أمّا الأمر 81 فهو "قانون براءات الإختراع والنماذج الصناعية والمعلومات غير المفصح عنها والدوائر المتكاملة والأصناف النباتية" رقم 81 لسنة 2004.
وهذا القانون يتحكّمُ بالأمن الغذائي في العراق، من خلال التحكّم بكيفية استخدام وخزن البذور، وتبادلها بين الفلاّحين، وهي عمليات كان الفلاّحون العراقيون يقومون بها لآلاف السنين.
وسواء صدرت عن الحكومات المنتخبة بعد بول بريمر قرارات وتشريعات أخرى تتناول ذات الموضوعات، فإنّ لا شيء قد تغيّر على أرض الواقع بعده، ممّا يعني أنّ مفعول قراراته وتداعياتها الكارثية على شؤون الإقتصاد، ما تزالُ سارية المفعول .. وهذا هو المهم، والأهم، والخطير في نهاية المطاف.
هذان "الأمران" لم يتركا لنا، لا زراعة، ولا صناعة، ولا بذور، ولا فلاّحين، ولا زَرْعَ، ولا ضَرْع.
لقد أصدرنا بعد "عهد" بول بريمر قوانين عديدة ذات صلة بتنظيم الشأن الإقتصاديّ، ومنها : قانون التعرفة الجمركية، وقانون حماية المنتوج الوطني، وقانون تصديق البذور، فلم يُطبّق منها شيء، وبقيت هي و"تعديلاتها" مجرّد حبرٍ "سياسيّ"،على ورق التخادم "المكوّناتي – المصلحيّ".
وهكذا قام "الجيران"، وغير الجيران، بإغراق أسواقنا بكلّ شيء، فلم تعد لدينا القدرة على إنتاج أيّ شيء.
قبل أيّامٍ شاهدتُ فيديو عن "علوةٍ" للخضار، وقفَ أحد المزارعين العراقيين فيها وهو مكسور القلب، ومكسور الروح، ومكسور الخاطر .. مُتّكِئاً على شاحنة مليئةٍ بـ "الطماطة" العراقيّة، التي حلّتْ الساعةُ الثانية بعد الظهر، ولم يقم بشراءها أحدٌ بعد.
يسري ذلك على شاحنات الباذنجان، وشاحنات الفواكه، وعلى "شاحنات الهموم" المليئة بكُلّ شيء .. لأنّ "المُستورَدَ" أرخصُ من "المحلّي" بكثير، كما هي رخيصةٌ خيراتنا، ومواردنا، وأفراحنا المؤجلّة، التي لن ننعم بها أبداً.
سعرُ "الطماطة" المستوردة (يقولُ المُزارِع) لا يُغطّي كلفة النقل من الحقلِ إلى "العَلوْة" .. فلماذا نُنتِج، وكيف نُنتِج، ولِمَن نُنتِج، في سوقٍ يُفتَرَضُ أنّها "وطنيةٌ" كهذه.
أمّا "اجتثاثُ" النخيل من على هذه الأرض، فلا يفيهِ حقّهُ من الأسى والمرارة كُلُّ عويلُ الكون، منذ "الإنفجار العظيم"، وإلى هذه اللحظة.
نحنُ نكرهُ البنك الدولي بالفطرة، ومع ذلك فإنّ هذا "البنك" يقولُ في واحدة من أحدث دراساته " أنّ الطماطم والدواجنَ ونخل التمر، هي من "المُنتجات" التي تتمتّع بميزة تنافسية مرتفعة، وتمتلك أفضل "سلاسل القيمة" في العراق .. فلا تتركوها تضيع.
ويقولُ أيضاً: لم يعد العقد الإجتماعي بين العراقيين ودولتهم صالحاً للعمل، وينبغي البحثُ في تأسيس عقدٍ جديد.
بقدر تعلّق الأمر بي ، فإنّني (والعياذ بالله) ،سأذهبُ بـ "سلاسل القيمة" تلك، إلى حيث يمكنُ ان يسمعني (ويسمعها) أحدٌ ما من "أولي الأمر" في هذا البلد المسكينِ، والمُستكين.
أمّا "العقد الإجتماعيّ" الجديد، فهو الآنَ أكبرُ منّا جميعاً.
هذا "العقد" يحتاجُ، أوّلاً، إلى وجود "دولة"، وثانيّاً، إلى وجود "مواطنين".
بعد توفّر هذين الشرطين، وليس قبلهما، سيكونُ من السهل تجديد "العقود".
أخيراً ...
سلاماً للعراق ، وللنخيل والطماطم، والدجاج "الوطنيّ".
ولا سلامَ على أعداء العراق، أينما كانوا، وحَلّوا، وأرتحلوا.
ولا سلامً على بول بريمر، و "أوامره" المُشينة، التي تشبهُ العار.
تلك "الأوامر" التي هبطت علينا، كما هبطوا علينا .. بالمظلاّت .. بعد الغزو "الديموقراطيّ" العظيم.
المصادر:
- أوامر بريمر المائة اضغط هنا
- قانون سياسة تحرير التجارة رقم 54 لسنة 2004 اضغط هنا
- الأمر 81 لسنة 2004
"قانون براءات الاختراع والنماذج الصناعية والمعلومات غير المفصح عنها والدوائر المتكاملة والاصناف النباتية" اضغط هنا
- قانون مركز اباء للابحاث الزراعية رقم (9) لسنة 1994 اضغط هنا
- قانون البذور والتقاوي رقم (50) لسنــة 2012 اضغط هنا
أقرأ ايضاً
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- سُلّم الرواتب بين إرث بريمر وعراقيل البيروقراطيَّة